09-يناير-2019

يسعى السيسي من خلال العاصمة الإدارية إلى مزيد من الفصل بين السلطة والناس (رويترز)

ألترا صوت - فريق التحرير

بينما وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الإثنين، الذي وافق عيد الكنيسة الشرقية القبطية في مصر، خطابه من العاصمة الإدارية، أثار هذا المشروع جدلًا واسعًا في أوساط الناشطين المصريين، من ناحية التكلفة الضخمة، في دولة تُفرض فيها سياسات التقشف ورفع الدعم، ومن ناحية فرض السلطة الأمنية على مؤسسات الدولة بشكل أوثق.

كانت العاصمة الإدارية، تعبيرًا عن الميل القديم عند السيسي للتحصن، ودرة التاج كما أسمتها مجلة أكتوبر؛ لسان حال الجيش والسلطة في مصر

العاصمة الإدارية..  درة التاج المصري!

كانت العاصمة الإدارية بالنسبة للرئيس السيسي، الحلم الذي أراد تحويله إلى حقيقة، فالقاهرة التي لم تحمِ دكتاتورها العتيد حسني مبارك، فهب عليه الناس، وأحرقوا مقر حزبه الذي كان يحكم من خلاله البلاد، ويهيئ عن طريقه أيضًا ابنه جمال للحكم. لذا كانت العاصمة الإدارية، تعبيرًا عن الميل القديم عند السيسي للتحصن، ودرة التاج كما أسمتها مجلة أكتوبر؛ لسان حال الجيش والسلطة في مصر، فمساحتها تبلغ 670 كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة مدينة سنغافورة، بينما تضم حديقة مركزية كبيرة مساحتها 8 كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة الحديقة المركزية في نيويورك مرتين ونصف.

اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني المصري.. تركة للريح

يريد السيسي أن ينقل كل المباني الحكومية إليها، حيث يتكون الحي الحكومي من 18 مبنىً وزاريًا، ومبنى لمؤسسة الرئاسة ومبنى البرلمان ومبنى لمجلس الوزراء، بتكلفة تصل إلى خمسة مليارات جنيه، في الوقت الذي يفتك فيه التقشف تحت اسم "الإصلاح الحكومي" الذي يقوده النظام، جيوب المواطنين يوميًا، وسط ارتفاع أسعار جنوني، وسحب للدعم الحكومي من الوقود والغذاء، إضافة إلى الشُح في الأدوية، والتهالك في البنية التحتية.

كما أن هناك فئة أخرى أريد لها أن تتبع هذا النظام الجديد، وهم الديبلوماسيون الأجانب، حيث يتم الضغط عليهم للانتقال إلى العاصمة الجديدة. وكان العديد من البعثات مترددًا في الالتزام بتأجير العقارات التي ستكون باهظة الثمن لمكاتبها ومساكنها، واختارت الانتظار أو الالتزام فقط بحضور رمزي. فيما قالت تقارير إن البعثات الرسمية قد ألمحت إلى الموفدين الأجانب، بأن سلامتهم لا يمكن ضمانها إذا اختاروا البقاء في القاهرة.

تبين ميشيل دان في مقالها المطول على موقع مركز كارنيجي، كيف يريد السيسي أن يحول العاصمة الإدارية إلى منطقة خضراء لتكون "المدينة الذكية" المعاصرة الأنيقة للمؤسسات الحكومية والمجمعات السكنية، التي تقع على بعد حوالي عشرات الكيلومترات في الصحراء الشرقية من مدينة القاهرة ذات الكثافة السكانية المكتظة، ولعل في هذا البُعد عن المركز الرئيس للعاصمة القديمة، إشارة إلى حقيقة فصل السلطة عن الناس، حيث سيحكم السيسي بشكل دائم خلف طوق أمني، محميًا من مطالب سكان البلاد البالغ عددهم 97 مليون نسمة.

تشير دان في مقالها إلى ما أسمته "إعادة لبناء جدار الخوف الذي يفصل بين المواطنين والدولة"، الذي تم خرقه عام 2011 مما جلب الفرح إلى قلوب الثوريين الشباب والجزع إلى قلوب كبار العسكريين. حيث أحرق المتظاهرون مبنى مقر الحزب الحاكم في ثورة يناير 2011، وهاجموا أمن الدولة في أوائل آذار/مارس من ذلك العام، فكان القصر الرئاسي ووزارة الداخلية وكذا المحكمة العليا، مواقع لاحتجاجات متكررة في القاهرة. حاول فيها المصريون، بنجاحات متباينة، تفكيك بنى استبدادية مثل قانون الطوارئ، الذي تم العمل به بشكل مستمر تقريبًا خلال العقود الثلاثة من حكم مبارك.

لا شيء للصدفة العابرة

عندما يتعلق الأمر بالعاصمة الإدارية، فإن الجيش المصري يترك القليل للصدفة. الجيش بالطبع سيسيطر على مفاصل المدينة وهو المتحكم الأوحد فيها. حيث صرح العميد المتقاعد خالد الحسينى سليمان لشبكة إن بى سي الإخبارية فى آب/أغسطس من العام الماضي، أنه "سيكون الجيش في مركز القيادة والسيطرة، وسيدير ​​ويسيطر على المدينة بأكملها من خلال مركزها". فيما تبين كاتبة المقال، أن هذا الترتيب المريح يلخص "الإنجاز" الرئيسي الثاني للسيسي في خمس سنوات، وهو إعادة توجيه اقتصاد مصر وكذلك نظام الحكم لخدمة مصالح الجيش.

في عهد النظام الذي عقب انقلاب عام 2013، وصلت أنشطة الجيش الاقتصادية إلى مستوى جديد، فقد سهلت سلسلة من التغييرات القانونية أكثر من أي وقت مضى على الشركات العسكرية، أو ما يسمى بالشركات الخاصة التي يرأسها العسكريون الحاليون أو المتقاعدون، الحصول على معظم العقود الحكومية. وتشرف وزارات الإنتاج والدفاع العسكري، إلى جانب المؤسسة العربية للتصنيع المملوكة للعسكريين، على عشرات الشركات التي تنتج كل شيء من الأسلحة إلى الأجهزة والمواد الغذائية.

اقرأ/ي أيضًا: تجدد موسم الانتقام من الحقوقيين في مصر

ويتمتع الاقتصاد العسكري بإعفاءات تامة من الضرائب (بما في ذلك الضريبة المضافة في عام 2016 كجزء من الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، مقابل قرض بقيمة 12 مليار دولار)، وحرية الوصول إلى العمالة المجندة ذات الأجور الرمزية، ومساحات شاسعة من الأراضي المملوكة للدولة، وتستفيد من الضريبة الهائلة شبكة من الموظفين القادرين على التواصل عبر البيروقراطية الأسطورية في البلاد، كما تتباهى الشركات العسكرية بأنها تستطيع إنجاز الأشياء بشكل أكثر فعالية من القطاع الخاص.

بلغت مساحة العاصمة الإدارية في مصر 670 كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة مدينة سنغافورة، بينما تضم حديقة مركزية، بحجم الحديقة المركزية في نيويورك مرتين ونصف

يضاف إلى ذلك سرية وعدم دقة البيانات المتعلقة بميزانية الجيش وإيرادات الشركات الواقعة تحت سيطرته أو حتى تعاملاتها، لكن دان تنقل قول ممثل عن وزارة الإنتاج العسكري لوكالة رويترز في أيار/مايو من العام الماضي، أن إيرادات 20 شركة فقط تحت سيطرة وزارة الدفاع ستصل إلى 15 مليار جنيه مصري (حوالي 840 مليون دولار) في 2018- 2019، أي أكبر من مثيلاتها في 2013- 2014.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جشع وتخبط نظام السيسي وراء فشل المدارس اليابانية في مصر!

هل تحمينا الاعتقالات السياسية من الإرهاب؟