02-مايو-2022
أغلفة بعض العناوين (ألترا صوت)

أغلفة بعض العناوين (ألترا صوت)

يحب البعض قضاء إجازة فيها ما يكفي من الوقت لممارسة هواياته، والتفرغ، وإن مؤقتًا، لفعل ما يحب. وغالبًا ما يكون القراء في مقدمة هولاء، حيث تحل القراءة دائمًا ضمن المراكز المتقدمة في مشاريعهم أثناء فترة إجازة العيد. لكن المشكلة هنا دائمًا ما تكمن في سؤال: ماذا نقرأ؟

في هذا المقال، يرشح لكم عدد من الكتّاب والنقاد والقراء العرب، مجموعة من الأعمال الأدبية والتاريخية، العربية والمترجمة، لإجازة العيد.


لونيس بن علي: رحّالة

  • كاتب وناقد من الجزائر

شرعت منذ أيام في قراءة رواية "رحّالة" (دار التنوير، 2019/ ترجمة إيهاب عبد الحميد) للكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك. ويبدو أن الرواية ستظل معي لأيام أخرى، فأنا أقرأ بوتيرة بطيئة، ويزداد البطء كلما كان الكتاب الذي أقرأه ممتعًا. إذ هناك علاقة بين البطء والقراءة، فأنا ضد القراءة السريعة أو المُهرولة مثل تلك التي يمارسها اليوم بعض القراء حتى ينهون أكبر عدد من الكتب. فهل قراءة الكتاب هي لأجل التخلص منه بأسرع وقت ممكن؟ أم هي الديمومة فيه، والبقاء معه لأطول وقت ممكن؟

لأول مرة أقرأ لتوكارتشوك التي حازت على جائزة نوبل للآداب عام 2018، وربما لست الوحيد الذي يكتشف لأول مرة هذه الروائية، ففوزها بنوبل هو الذي نبّه الناشر العربي إليها، على غرار الكثير من التجارب الروائية التي تظل مجهولة إلى أن تنال جائزة مرموقة، ليبدأ القارئ العربي يسأل عنها، ويبحث عن ترجمات لها.

رواية "رحّالة" رواية مختلفة جدًا. أشعر وأنا أقرأوها وكأنها تتحرك دون توقف، تنتقل من موضوع إلى آخر، ومن قصة إلى أخرى، لتتحول القراءة إلى ارتحال بين هذه الموضوعات وبين هذه القصص. ستعثر على كل شيء في هذه الرواية، بما في ذلك حقائق في التاريخ الطبيعي، وعلم التشريح..


كاملة محمد: قلق السعي إلى المكانة

  • كاتبة وفنانة تشكيلية من فلسطين

"قلق السعي إلى المكانة" (دار التنوير، 2018/ ترجمة محمد عبد النبي) للفيلسوف البريطاني آلان دو بوتون، واحد أهم الكتب التي قرأتها في الآونة الأخيرة، حيث يطرح الكتاب موضوعًا هامًا تتضاعف أهميته في عصرنا، ويناقش عددًا من مشكلاتنا المعاصرة برؤية فلسفية معقولة، وبأسلوب سلس. كما يتطرق لأهم نوازع النفس البشرية، ورغبة الإنسان في الحصول على المكانة، والخوف من فقدانها وفق رؤية تاريخية مختزلة.

يقارن الكتاب أيضًا بين تطور أحوالنا وما طرأ عليها من متغيرات على مر العصور. ففي الماضي لم يكن هذا السعي والسباق بشكلهما المحموم. والطبقية كانت متوارثة ومكتسبة بفعل عوامل عرقية وأخرى مرتبطة بالهوية الاجتماعية والبطبقية.. وبناءً على ذلك، كان التسليم لواقع الحال أمرًا واضحًا. أما اليوم، فيتم اكتساب المكانة من خلال السعي وتحقيق الإنجازات، الأمر الذي شكّل ضغطًا كبيرًا على الأفراد، وجعل من الأمر منافسة مثيرة للقلق أساسها تبدّل سؤال: من أنت؟ إلى: ماذا تعمل؟!

يطرح آلان دو بوتون مجموعة من الأفكار والتساؤلات في هذا السياق، ولم يتفانى في البحث عن إجابة لمثل هذه الأسئلة. حيث شرح في قسم الكتاب الأول القلق والأسباب التي تؤدي إليه، ثم قام باقتراح بعض الحلول لمعالجة الأمر في القسم الثاني. كما أكد أيضًا على فكرة الرغبة في أن نكون محط أنظار الآخرين، ناهيك عن تطرقه إلى مسألة البحث عن حب الناس وتقديرهم لنا، والانشغال برؤية الناس الذين نعتقد بأنهم العملة التي يعتمد عليها وجودنا، وثيمة القلق حول رأيهم بنا، الأمر الذي يدفعنا إلى السعي نحو التميز لانتزاع الفكرة التي نريد.


نغم حيدر: حلم

  • روائية من سوريا

أقترح قراءة نوفيللا "حلم" (دار الكرمة، 2020/ ترجمة سمير جريس) للروائي النمساوي أرتور شنيتسلر، لمن لم يقرأها بعد. 

تحكي هذه النوفيللا عن جزئية دقيقة جدًا وخفية في حياة أي زوجين، وهي أحلامهما. ففي حين تبدو الحياة المشتركة في الواقع متينة ومنظمة ويمكن التحكم بها وإدارتها، تأتي الأحلام، التي تهبّ من عمقٍ لا يدرك الزوجان أصلًا وجوده، لتسقط مفهوم الشراكة، وتعيد كلًا من الزوجين إلى عالمه الفردي والخاص والمغلق.

يصدّق الحالم صورة شريكه في الحلم أكثر مما يصدّق صورته في الواقع. وتحرض أحداث الحلم، بعشوائيتها وغرائبيتها، على تكوين المزيد من الأسئلة عند كل منهما، إذ يحلم الزوج بحفلة تنكرية بأقنعة وراقصين، ثم يستيقظ ليبحث في وجه زوجته عن قناعها الذي خبأته عنه، ويعيد في ذهنه أفعالها وكلماتها محاولًا اكتشاف دوافعها الخفية التي لم تبح بها.

نوفيللا ساحرة وقيمة أجمل ما فيها أنها لم تنتهي ببوحٍ أو شرح، بل احتفت بالصمت والسر لتمنح القارئ بعدًا آخر من الوعي تجاه العلاقات، والحب، والذكريات.


محمد عبد العزيز: سلام ما بعده سلام

  • كاتب من مصر

أرشح للقارئ عدة كتب تاريخية من أهمها "سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914 – 1922" للأمريكي ديفيد فرومكين، وكتاب "سقوط العثمانيين: الحرب العظمى في الشرق الأوسط" للأمريكي يوجين روغان.

يغطي هذان الكتابان مساحة تاريخية مهمة عن نشأة الدول في الشرق الأوسط، والصراع الاستعماري، ولحظة انتهاء الحكم العثماني. وكل كتاب منهما يغطي تلك الفترة بطريقة مختلفة. فـ "سلام ما بعده سلام" يركز على الصراعات في دوائر الحكم الغربية، وسقوط العثمانيين، إلى جانب استعراض أحوال جبهاتهم مستعينًا بمذكرات من عاشوا في تلك الفترة.

وهناك كتاب أدبي أمتعني، وهو السيرة التي قدّمتها سامية محرز لجدها الشاعر إبراهيم ناجي تحت عنوان "إبراهيم ناجي: زيارة حميمية تأخرت كثيرًا". وفيها، تعود محرز لقراءة حياته عبر مفكرة صغيرة سجّل فيها يومياته، وتطلعنا أيضًا على هموم الشاعر وحياته الشخصية، بالإضافة إلى تجربته في التفاعل مع أدبه. والكتاب يثير العديد من الأسئلة في مجال النقد الأدبي.


سارة سليم: حب

  • ناقدة من الجزائر

أفترض أن إجابتي بخصوص اقتراح كتب دون غيرها للقراءة خلال إجازة العيد "كليشيه"، إذ لا يمكن أن يخطر على بالي تحضير كتب بعينها في هذه الفترة، ولكن دائمًا هناك كتب تفرض نفسها للقراءة في كل يوم. ولأنني من النوع الذي يفتح أكثر من كتاب في الوقت ذاته، سيكون من المؤكد أن أقترح ما بدأته الآن.

أول عمل أقرأوه حاليًا، وأوصي به، هو رواية "حب" (دار أثر، 2022/ ترجمة محمد الفولي) للكاتبة الإسبانية سارة ميسا. رواية مميزة تُقرأ دفعة واحدة نطرًا لصغر حجمها، إضافةً إلى الترجمة الجيدة. أما الموضوع، فسأتركه للقارئ كي يكتشف تفاصيله.

العمل الثاني "نوبة الغريبة" (مسكيلياني للنشر والتوزيع، 2022) للروائي الجزائري محمد الأمين بن ربيع. هذه الرواية أوصي بها لأن بدايتها كانت مشجعة للقراءة، ولأن العمل الجيد نعرفه من بداياته. وقبلها كنت أنهيت رواية "حجرة" (دار أثر، 2021) للروائية السعودية أمل الفاران، وهي رواية مميزة مكتوبة بطريقة مكثفة كما يجب للعمل الأدبي أن يكون. أمل الفاران قلم مميز يستحق أن نقرأه.

تشترك أغلب هذه الأعمال في شيء واحد هو أنها، إضافةً إلى جودتها، صغيرة الحجم ومناسبة تمامًا للقراءة يوم العيد. وما دمت أجد دائمًا للقراءة سبيلًا، سأظل أوصي برواية "الآخر مثلي" للروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، لأنني أفترض غالبًا أن هناك قارئًا مثلي سيحب العمل، لكنه لم يطلع عليه بعد.


نور جمال: معلّقة دمشق

  • شاعرة من العراق

أتذكر مقولة دانتي في كتاب "الجحيم": "من دون أمل نعيش على الرغبة". ولأنني أعيش على رغبتي، فأنا أرغب في القراءة دومًا كما أرغب في أي شيء بديهي من بديهيات الحياة، جاعلةً من كل الأيام والمناسبات، سواءً كانت دينية أم وطنية أو حتى شخصية، فرصة رائعة للقراءة والتعلّم والبدء مع الكتب من جديد.

يرقد إلى جانب رأسي، منذ توقيعه لي، كتاب محمد مظلوم الذي حمل عنوان "معلّقة دمشق". كتاب شعري رائع لدرجة أنني حفظت ما كُتب على غلافه الخلفي من إحدى قصائده، التي يقول فيها: "كانت دمشق تخاطبني: أرني خريطة معصياتك أيها الملاك الضال/ واكتبها على وجهي/ كشامةٍ من أسرارٍ لا يراها سواك".

هناك كتاب آخر، سيرة ومجموعة قصصية، أسعى إلى إكمال قراءته. وهو بعنوان "رقعة الشطرنج والرجل العاري" للكاتب والصحفي والروائي البرازيلي فرناندو سابينو، ترجمة عوني إبراهيم الديري. وجدت الكتاب صدفة دون أن أتذكر متى حظيت به. وما أثارني فيه هو جملة أشار إليها المترجم في بداية الرواية، حيث يقول: "إن رقعة الشطرنج ليست بيضاء بمربعات سود ولا سوداء بمربعات بيض. إنها لون آخر بمربعات سود وبيض. إنها ترتكز بالنسبة لفرناندو سابينو إلى الحقيقة التي تختبئ تحت ظل الواقع، والتي لا يمكن أن تخرج من مخبئها إلا عبر الحلم، والتصور، والخيال المبدع".


سليم بطي: ماذا وراء هذه الجدران

  • روائي من لبنان

تجتمع في رواية "ماذا وراء هذه الجدران" (دار الآداب، 2015) للكاتب السوري راتب شعبو، عناصر الملهاة بعناصر المأساة. لكن المأساة هنا لا تنتهي بنهاية سعيدة كما علّمتنا مسارح العصور الوسطى في إسبانيا وإيطاليا. كما أنها لا تنتهي أيضًا نهاية مأساوية. إنها، ببساطة، لا تنتهي.

السرد في هذه الرواية مناجاة طويلة بصوت تسمعه عيناك قبل أذنيك. هي لعبة الحواس التي تعلّمناها من معتقلي سجن تدمر، هؤلاء الذين باتوا ينظرون بأرجلهم ويسمعون بأعينهم ويرون بآذانهم ويتألمون من الليل.. الرقيب الأزلي على نومهم. وفي الرواية، نحن نسمع من راتب؛ راتب السجين، وراتب الروائي، وراتب القاص الذي شرّح نفسه أمامنا، ودعانا إلى الوليمة. راتب الذي يتحدث إلينا هنا بضمير المتكلم "أنا"، كأنه بتلك لـ "أنا" يختصر الكثير من الأنوات الأخرى التي تقاسمت معه هذا الضمير في مكانٍ لا يعترف بالضمائر.

في هذه الرواية أنت على موعد مع تعبيرات ومفاهيم لغوية جديدة تليق بمكان لا يشبه سواه، حيث ستتعرف إلى عملية "حَفَر" الحائط بإبرة الخياطة، وأهمية "الدوسير"، وفوائد المصطبة، والبعد الفلسفي من وجودها في السجن. كما ستختبر أيضًا أهمية أكياس الخبز، التي لا تقل أهمية بالنسبة إلى سكان سجن تدمير عن أهمية احتياطي النفط العراقي للأميركان.


هيلان الماجري: الصبي والنهر

  • قارئة من تونس

"الصبي والنهر" (منشورات تكوين، 2020/ ترجمة محمد آيت حنا) للروائي هنري بوسكو، هي رحلة تذكُّر للمغامرات الخطرة واللذيذة المليئة بالمفاجأت، التي كان يقوم بها، سرًا وعلانية، الطفل الذي يسكننا. كما أنها تعكس، في جانبٍ منها، مبحث مارسيل بروست في سلسلة "البحث عن الزمن المفقود"، لناحية التركيز على لحظات الحياة المميزة الراسخة في الذاكرة الفردية، عبر التركيز على علاقات ثنائية كالمكان/ الزمان والماضي/ الحاضر، وخاصةً في الجزء الأول الذي خصصه لذكريات طفولته في بيت جده في ريف "كومبريه" الفرنسي.

تبحث هذه النوفيللا أيضًا في علاقة الطفل بمحيطه ومكانه وزمانه، وتخرج في ثوب فانتازيا طفولية تداعب مخيلة الأطفال وذاكرة الكبار. في كتابه "جماليات المكان"، حدّثنا غاستون باشلار عن أن المكان هو المكان الأليف، والألفة المقصودة هنا هي تلك التي تجلت، بوضوح، في علاقة العجوز باسكاليه، الذي يحدثنا عن ذكريات صباه مع النهر، وصديقه غاتزو.


هدى مرمر: سنة واحدة تكفي

  • قارئة من لبنان

فرحة العيد توائمها فرحة الحصول على وقت إضافي مخصص للقراءة بعيدًا عن التزامات العمل أو المجتمع، إذ لا أحد غير العائلة المقربة تشاركك أوقاتك. وتتضاعف هذه الفرحة بالهروب من المدينة إلى الضيعة، التي توفر مساحات خضراء للقراءة والتأمل بالإضافة إلى الاسترخاء الحقيقي في أحضان الربيع.

في هذه العطلة ترافقني ثلاثة كتب متحمسة للغوص في عوالمها. الكتاب الأول هو بعنوان "سنة واحدة تكفي" (هاشيت أنطوان نوفل، 2019) للكاتب الأردني هاشم غرايبة، الذي وجدت سرده ممتعًا، وأفكاره مؤثرة، ولغته جذلة. لذلك أتوقع أن أنتهي منه في وقت قصير، الأمر الذي سيتيح لي قراءة الكتاب الثاني الذي اخترته للعطلة، وهو الرواية الثانية للكاتبة اللبنانية ديما عبد الله الصادرة بالفرنسية تحت عنوان "زرقة الليل" (Bleu Nuit) عن دار "سابين ويسببرز" (Sabine Wespieser Editeur)، والتي انتقيتها بعد تجربتي المذهلة مع باكورتها الأدبية "أعشاب ضارة" (Mauvaises Herbes) الصادرة عن الدار نفسها. أنصح القراء الفرنكوفونيين باكتشاف قلمها.

أما ثالث كتاب أتمنى أن يسعفني الوقت لإنهائه، فهو كتاب الشهر في نادي الكتاب الذي يحمل عنوان "إلى البرية" (Into the Wild) الصادر عن "دار أنكور" (Anchor Books) لمؤلفه جون كراكوير. تقضي خطتي بأن أنهي الكتاب وأتبعه بمشاهدة الفيلم المبني عليه، وهو من إخراج شون يِن، ويحمل العنوان ذاته "Into the Wild" (2007). ستكون فرصة مميزة، مثل قدر مكتوب، أن أقرأه في الحديقة بعيدًا عن زحمة الناس، وقريبًا من الأشجار المثمرة والعصافير الحرة.