31-ديسمبر-2020

مما اختاره القرّاء (ألترا صوت)

ألترا صوت - فريق التحرير

مثلت القراءة خلال السنوات الأخيرة عدّادًا مجديًا لهروب الأيام من أيدينا، خصوصًا في هذه الحقبة التي تستحوذ عليها التكنولوجيا، جاعلةً من الوقت يتسارع بشكل جنوني، غير قابل للقياس أو حتى الشعور به.

ولكنها، هذا العام، أخذت منحىً مختلفًا بسبب تداعيات انتشار وباء كوفيد – 19، والإجراءات المتبعة لمواجهته، وفي مقدمتها الإغلاق العام، والحجر المنزلي الذي دفع الكثيرين حول العالم للبحث عن متنفس يساعد في تخفيف ما فرضه الوباء من أعباء وضغوطات، يتقدمها الخوف والقلق، ويملئ أيضًا حالة الفراغ الذي تسبب بها بعد تعطيله جميع نشاطات الحياة.

وقد أظهرت القراءة خلال هذه الفترة، نتائج إيجابية في تعديل أو تحسين المزاج خلال فترة الحجر، خصوصًا وأنها بدت مُدركة وواعية بشعور الفرد ومزاجه في ظل هذه العزلة التي فُرضت عليه دون إرادته.

هنا مجموعة متنوعة من القرّاء، تتنوع مشاربهم وجغرافياتهم، لكنهم ينتمون إلى قارة الكتب التي تصنع عالمًا واحدًا، يوازي العالم الواقعي من جهة، ويخترق بلادتهم من جهات عديدة. من هذه القارة تصلنا أصواتهم، حيث يختار كل واحد منهم كتابًا هو الأبرز برأيهم بين قراءات هذه السنة القاسية على البشرية، والموشكة على النهاية.


علي فائز: الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة

  • كاتب وباحث من العراق

من أفضل الكتب التي قرأتها في عام 2019 هو كتاب "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" للمفكر العربي عزمي بشارة، والصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بواقع 928 صفحة. إذ إن هذا الكتاب له الدور الكبير في تحطيم الأوهام التي خُدعنا فيها جميعًا بخصوص الطائفية، وما أنتجته من مآسٍ في الوطن العربي، والتي أخذ العراق ولبنان فيها الحصة الأكبر، إذ تبين أن الطائفية التي نعيشها هي متخيلة، ونتاج لعقلية سياسية سلطوية، وأنها لا تمتلك جذورًا راسخة حتى نتعامل معها كواقع حتمي مفروض.

ومن بين ما أثار دهشتي في الكتاب، هو أن بشارة أعاد قراءة السردية التاريخية من وجهة نظر موضوعية، أشبه بالطبيب الجراح الذي يتعامل مع جثة، على خلاف بعض المفكرين أو الكتاب، الذين قرأوا تاريخ شعوبهم من وجهة نظر طائفية خالصة، يحكمهم منطق الـ "مع والضد"، فساهموا بتعميق أزمة الهوية في العالم العربي، وأسقطوا الحاضر على الماضي، واستخدموا نظريات لم تعد ذات نفع، من قبيل إعادة نظرية "العصبية الخلدونية" التي تفسّر علاقة الطائفة بالدولة، متجاهلين أن الدولة في العصر الحديث باتت هي من تنشئ العصبية وليس العكس.

أمل السعيدي: الحجلة

  • كاتبة وإعلامية من عُمان

الكتاب الأكثر تأثيرًا عليّ من قراءات هذا العام القاسي، هو "الحجلة" للروائي الأرجنتيني خوليو كورتاثر. علاقتي بالأدب اللاتيني متواضعة، لم أكن أتوقع أن تعجبني هذه الرواية لهذه الدرجة، لطالما سمعتُ عن أهميتها من الناحية التجريبية، إذ تعد مثالًا على شكل الرواية المعمارية/ الهندسية، وربما كان ذلك الشعور قادمًا من هذه الفكرة. فما الذي يعنيه أن يقول لك كاتب أن هذه الرواية تُقرأ بأكثر من طريقة؟ وهي أشبه بمتاهة عليك أن تواصل التقدم فيها حسب خريطة بعينها؟ ومع ذلك، وجدتُ هذا منسجمًا مع الموضوعات والمعاني التي تماس هذا العمل معها، فلعبة الحجلة هي متاهة أخرى لها قوانينها التي تحكمها. كانت الحجلة بالنسبة لي هي "الكتابة"، كيف يمكن أن تكتب الجملة التالية، كما لو أنك تفكر بالقفزة التالية في الحجلة؟

نعرف أن شخصية لكاتب موجودة في الحجلة، سئمت من كتابات التحليل النفسي، الكتابات المنضبطة، وهو مؤمن أن قيمة هذا الفن تحديدًا في حريته، وقدرته على أن يكون ساحرًا كل مرة عبر الاحتمالات اللانهائية فيه. إنها لعبة مشتركة، الخالق ليس سلبيًا فيها، بل يدعو أولئك الذي يراقبون، كمشاركين إيجابين في النظر والتلاقي مع مصائر الشخصيات في القصة. كانت الفصول التي اقترح كورتاثار إمكانية الاستغناء عنها، تخطفني وتفاجئني بأنها رد على أسئلتي التي تولدت في مسار القصة الرئيسية في الفصول الأساسية. إنها عمل لا ينسى.

أحمد جابر: رحلة ابن فطومة

  • كاتب وقاص من فلسطين

رواية "رحلة ابن فطومة" للكاتب والروائي المصري نجيب محفوظ، تسائل العقل دون أن تنبش القلب. قصة ابن فطومة (وفي ذلك إسقاط للرحالة المشهور ابن بطوطة)، الذي ترك بلاده بحثًا عن الجنة أو ما يسمى بدار الجبل. حيث لم يعد منه أحد قط. رحلته التي ابتدأت بالفشل في دياره الأصلية، حيث لا عدالة. يتنقل بين عدة بلاد أو دول، ضمن تخبطات عديدة من زواج وسجن وأطفال ومحاولة تنشئتهم وحرب وسبي. حكاية ترتكز على الاختلافات بين هذه البلاد. والتي أعطى كلًا منها اسمًا يميّزها، فهناك (المشرق) بلاد العبادة الوثنية، ثم (الحيرة) بلاد العبودية، ثم (الحلبة) بلاد الحرية المطلقة، ثم الأمان والغروب وصولًا إلى دار الجبل.

مجتمعات تعيش في هذه البلدان بمميزاتها الإيجابية والسلبية، فيها إسقاطات رمزية للحكم العلماني والوثني والديني والشمولي الديكتاتوري والليبرالي الرأسمالي والديموقراطي والشيوعي الاشتراكي. وكما قيل في "نوبل" وصفًا لنجيب محفوظ: هذا عمل فني يتداخل مع جميع البشر، وأزيد عليه، والتاريخ. رواية تحكم على الآراء التي نتربى عليها في الصغر بالديمومة. لم يركز على الطعام أو اللباس أو الصفات الشكلية للبشر في كل منطقة، بل جرّدها من ذلك إلا من حكمها السياسي الاجتماعي، والذي لم يتواجد ما نستطيع وصفه بالكامل أو الحكم الذي يسعد كافة البشر.

نور جمال: خاسران على الناصية

  • كاتبة من العراق

بمناسبة نهاية هذا العام الشاق، المليء بالقلق ولحظات الفقد، والموت القريب، أستعيد كلام يُنسب للكاتب الفرنسي غريغوار دولاكور عن علاقة الكتب بحياة الإنسان، يقول: في الكتب فقط، يمكن للمرء أن يغيّر حياته، يمكنه أن يمحو كل شيء بكلمة، أن يخفي وزان الأشياء، أن يمسح الدناءات، أن يلقى نفسه فجأة في أقصى العالم. 

عوضًا عن المعرفة، أهدتني الكتب السكينة التي فُقدت بسبب أحداث هذا العام، حيث كانت تمدني بالتؤدة كما لو كانت مصل يُصنع لنا وحدنا، نحن أصحاب الحروب الشاقة مع النفس ومع هذا العالم المجنون.

وبلا مبالغة، عانت مكتباتنا من مزاجاتنا المتقلبة هذا العام، وخاضت بدورها حروبها الشخصية بوصفها عالم آخر نقضي فيه الحجر المنزلي/ الصحي الذي فُرض علينا، وتصدت بدورها، شأنها شأن الإنسان، وبطريقتها الخاصة، للوباء الذي سلب الاعتيادية من حياتنا، وجعلنا نفقدها أيضًا. والخلاصة أن وفرت المكتبة لنا عوالم مفتوحة، سحرية وواقعية، والكثير من الأشياء، في ظل تقلّص حياتنا بفعل الوباء.

قرأت هذا العام الكثير من كتب الشعر، وفضلت منها مجموعة تحمل عنوان "خاسران على الناصية" للشاعرة الأمريكية كيم أدونيزيو، ترجمة سامر أبو هواش. وكتب الفلسفة التي فضلت منها كتاب "الجمال"، للفيلسوف الإنجليزي روجر سكروتون، بترجمة وتقديم بدر الدين مصطفى. بالإضافة إلى الروايات التي فضلت منها رواية الكاتب العراقي أحمد سعداوي "مذكرات دي"، ورواية "العلموي" لمرتضى كزار.

أما المجموعات القصصية، أعتبر مجموعة "قبو البصل وقصص ألمانية أخرى"، ترجمة سامي حسين الأحمدي، الأفضل هذا العام. وكان كتاب "الفنون البابلية" للدكتور زهير صاحب، أهم ما قرأت في التاريخ. وبالنسبة لكتب السيرة الذاتية التي تجعلنا نعرف من نقرأ سيرهم، كما لو كانوا منا، فضلت منها هذا العام كتاب "أنا عبوة ديناميت: حياة فريدريك نيتشه" للكاتبة سو بريدو، ترجمة مشتركة بين احمد عزيز سامي، وسارة أزهر الجوهر. بالإضافة إلى كتب إنجليزية وأخرى مترجمة وعربية متفرقة عن الفن والتشكيل والعمارة.

خلود الفلاح: سيرة حياة فريدا كاهلو

  • صحافية وشاعرة من ليبيا

لا أحب حصر عدد الكتب التي أقرأها في كل عام، أبدو وكأني في سباق مع الأيام، ما يهمني أن يترك الكتاب أثر في قلبي. ولكن أستطيع أن أشير إلى كتاب "فريدا: سيرة حياة فريدا كاهلو"، ترجمة علي عبد الأمير صالح.

مؤلفة الكتاب، هايدن هيريرا، لا تترك أي تفصيل من تفاصيل حياة فريدا من دون أن تذكره، حيث تعقبت، على سبيل المثال، مشاجراتها مع زوجها الفنان دييغوا ريفيرا، انفصالاتها عنه، والمصالحات بينهما، وإدمانها في اللحظات الأخيرة من حياتها على تعاطي الأدوية المخدرة. أنا كقارئة من عشاق هذه التجربة الإنسانية العميقة التي تغلب فيها كائن وحيد وعاجز على الألم بالخطوط والألوان.

هناك أيضًا رواية "الشاطئ الرابع" للكاتبة البريطانية فرجينيا بايلي، ترجمة فرج الترهوني، حيث الوصف الدقيق للحياة الليبية، إبان فترة الاحتلال الإيطالي، حتى يمكن القول إنها وثيقة تاريخية على تلك المرحلة. فريدة، وستيفانو، وسعيدة، ونادية وليليانا، أجيال تم من خلالها سرد ما حدث فترة الاحتلال وما بعدها.

محمد عبد العزيز: آل بن لادن وعالم النفط والمال والإرهاب

  • كاتب من مصر

كتابي المفضل لعام 2020، هو كتاب "آل بن لادن وعالم النفط والمال والإرهاب" من تأليف ستيف كول. والكتاب ضخم، يقع في زهاء 800 صفحة، ومليء بالمعلومات والتفاصيل الدقيقة أيضًا. ولقد أحسنت "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" إخراج هذا الكتاب في ترجمة جميلة وطبعة أنيقة، لا تسرد لنا سيرة أسامة بن لادن وحياته الدرامية فحسب، بل تقدم رؤية أشمل لدور عائلة بن لادن في تاريخ السعودية. وفي طي قصة العائلة، نرى تفاصيل تاريخ السعودية الحديث، وأحداث الطفرة النفطية وحادثة جهيمان، فضلًا عن تفاعل عائلة بن لادن مع العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية.

نور حطيط: جماليات المكان

  • كاتبة وباحثة من لبنان

لا تخطر في رأسي المفاضلة. علاقتي بالكتب، علاقة شاعرية بعض الشيء، أبحث عن كتاب لأعيد إحياء كلماته داخلي، بلا سلطة، أو منطق علوي، أنا والكتاب نتحدّ بالمتعة. هذا العام قرأت الكثير من الكتب، عادةً لا أحب الحديث عمّا قرأته وإن كان السؤال ما الفائدة من قراءة هذه الكتب؟ أقول للتسلية. أحببت باشلار في "جماليات المكان"، وأنا الماكثة في البيت تحت تأثير عزلتين، إحداها قسرية بسبب إجراءات الإغلاق الناجم عن تداعيات انتشار وباء كورونا، في قريتي الصغيرة، أحدّق بالأعشاش، بأحلامي التي تنساب بهدوءٍ على منضدتي. كما أحببت ألبرتو مانغويل في كتابه "مدينة الكلمات"، تحديدًا رؤيته في ملحمة جلجامش، وفي حديثه عن النبي أيوب، خصوصًا وأنني مهتمة بالديانة اليهودية، والـ "قابالاه" على وجه الخصوص. ولأنني كذلك، أحببت كتاب هارولد بلوم "خريطةٌ للقراءة الضالة".

لا أحب إنهاء كتابًا يعجبني بشدة. "ثلاثية نيويورك"، و"أيام هادئة في كليشي"، وكل ما كتب كولن ولسون. هذه عادتي التي أحتفظ بها، لئلا أتوقف عن القراءة.

زينب رياض: ساعة الصفر

  • كاتبة من المغرب

لم أقرأ كثيرًا في 2020، إذ كانت هذه السنة بالنسبة لي حافلة بأشياء أخرى غير الكتب، لكنني عدت في شهر شباط/ فبراير لزيارة روايات أجاثا كريستي وقصصها، فقد كنت من قبل مهتمة بأسلوب هذه الروائية العظيمة، والكيفية التي تخلق عبرها شخصياتها التي تبدو حقيقية، إذ لا يمكننا الجزم عند تتبعنا لتحركاتها وكيفية تخمينها وحدسها العالي، بأنها من نسج خيالُ عقلٍ مُنتج ومُبتكر.

لقد قرأت العديد من روايات أجاثا كريستي منها "ساعة الصفر"، وفيما يخص القصص أحببت الذكاء أحبّ الذكاء الكامن في "تحريات بوارو"، و"القضايا الأخيرة للآنسة ماربل"، والعديد من الكتب الأخرى التي كانت تشع بالدهاء، وتتميز بالحبكة القوية، ودائمًا ما تنتهي بفكرة أن هؤلاء المحققين لا يمكن إلا يكونوا نتيجة خبرة عميقة، تسمح بالتعمق في النفس البشرية، ومعرفة أسرارها وخباياها.

اقرأ/ي أيضًا:

أبرز 5 أدباء عرب رحلوا في 2020

كتّاب عالميون رحلوا في 2020