13-أبريل-2019

صورة مركبة لآسانج وأصدقائه الخمسة

تطاولت الكثير من منصات الإعلام التقليدي المحافظ واليميني غالبًا على سمعة جوليان آسانج، صاحب الوجه الأكثر انتشارًا خلال الأيام الأخيرة. لم تحضر السلسلة الشاهقة من التطاولات في باب الخلاف السياسي أو النقاش الفكري حول ما يمثله أسير الديمقراطية المدعاة والعدالة الزائفة في مملكة البريكست المتحدة، بل تركز كثير منها في مساحات الشخصنة والنيل من الخصوصية بالتلفيق والكذب والتبجح، ووصف الأمانة الموضوعية في توفير المعلومات بالتلصص والسرقة حتى!

ما يحتاجه العالم اليوم صحافيًا هو صحافة آسانج وأمثاله، المنهجية الممكنة لإنقاذ صحافي، بما فيها من تشذيب وضبط للبروباغندا لصالح العمل الحقيقي

 في عالم لا يراهن على مواقفه السائدة، الابنة الوفية لمنظومة الهيمنة، لم يكن آسانج أو أي أحد من الدوائر الضيقة المحيطة به ليستغرب كم التعسف الذي مورس ضده، ليس إعلاميًا فقط، بل استخباريًا وعملياتيًا. أحدث ما وقع في حقه عملية الاعتقال والتعدي المزدوج على حقوقه من طرف الدولة البريطانية رفقة نظام لينين مورينو الزاحف من الإرث الاشتراكي العمالي الذي أوصله السلطة إلى خندق اليمين الفاشي المتفاقم، لينضم إلى قائمة أصدقاء دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في القارة اللاتينية.

اقرأ/ي أيضًا: جوليان آسانج معتقلًا في لندن.. مرحبًا في "مزرعة الأخ الأكبر"

لن يقدم أي جديد الحديث عن مدى الانتهاك لمطالبات الأمم المتحدة وقانونها الدولي لأجل آسانج، ولمجمل سردية الحق في الوصول إلى المعلومة  في ما يتعرض له الصحفي والناشر شديد الندرة، بنوعه ومستواه ومشروعه، جوليان آسانج  هذه الأيام.

لأن الحدث فريد من نوعه، كما بطله، فلن تخدم المطولات والكلمات الممطوطة بشيء، إنما لفهم واضح ومدقق للحالة التي يعيشها جوليان آسانج اليوم يجيب عدد من الشخصيات المقربة منه على سؤال: "ماذا تقول بشأن جوليان آسانج ولأجله اليوم؟" 

عالم اللسانيات والأنثروبولوجي الأمريكي نعوم تشومسكي: أقل ما يمكن أن يقال بشأن اعتقال الصديق جوليان آسانج أنه حدث فضائحي ضخم. وهو فضائحي من عدة زوايا، أولها أن الشبكة المتعاونة في العمل ضده وصولًا لاعتقاله، هنا أقصد بشكل أساسي الولايات المتحدة وبريطانيا، السويد سابقًا، وطبعًا الإكوادور بحكمها اليميني الوقح، كل هدفها من حملتها الكبرى هذه يتمثل في إسكات صحفي، الإسكات بمعناه الحرفي. وهنا لا نتحدث عن صحفي يكتب عمود رأي جريء أو صاحب رسم كاريكاتوري فاضح، إنما هي عملية إسكات لصحفي حر قدم للناس الكثير من المعلومات التي لا يريد أهل السلطة لها أن ترى النور.

من نافل القول أن جل هذه المعلومات تتعلق بجرائم حقيقية وموسعة بحق شعوب كثيرة. وهنا أهمية ويكيليكس ومكمن قوتها، أي أن يتوفر للناس ما يجب عليهم معرفته كما حصل دون مقدمات أو ترجمات أو استعراضات إعلامية. هذا ما تكرهه السلطة تمامًا. هذا النمط من إسكات الأصوات التي تحمل ما يفيد الناس وتقوله بشجاعة هو للأسف ما يحصل مرارًا وتكرارًا في العالم الذي نعيش فيه.

لنأخذ مثالًا لا يختلف كثيرًا عما قامت به الإكوادور مع آسانج. لننظر إلى جارتها البرازيل، التي تمثل أهم بلد في أمريكا اللاتينية، والتي شهدت وتشهد تطورات غاية في الخطورة والأهمية منذ سنوات وحتى الآن. كانت البرازيل، منذ زمن غير بعيد فقط في بداية هذا القرن، أي أثناء حكم الرئيس لولا دي سيلفا، أكثر بلدان العالم احترامًا. كانت تمثل صوت عالم الجنوب، لكن هل هذا يناسب الإمبريالية العالمية وأذرعها الفاشية؟ بالطبع لا، لذلك تم تنفيذ انقلاب ناعم وخفي وطويل الأمد ضد الرئيس سيلفا ومنجزاته، التي وصفها البنك الدولي حتى، وليس أنا فقط، بأن سنوات سيلفا هي العقد الذهبي لتاريخ البرازيل الاجتماعي والاقتصادي.

كان الرفيق سيلفا في حرب ضروس ضد الفقر ولأجل جميع السكان، الفلاحين والقبائل الأصلية والعمال، لكن هذا المسعى لم يتم التسامح معه يومًا من قبل قوى الهيمنة العالمية. لذلك نجد هذا الرجل اليوم معزولًا في أسوأ ظروف سجن يمكن تخيلها، ممنوع من الزيارات ومن الكتب ومن متابعة الإعلام، ومن الحديث لأي أحد، في عزل انفرادي حتى ظروفه الحياتية والصحية تعجيزية.

كل هذا لماذا؟ فقط ليقوموا بإسكاته، ومنع صوته ومواقفه وأفكاره من أن تصل إلى الناس. يمثل دي سيلفا أهم سجين سياسي في العالم في الوقت الحالي، لكن هل نسمع عنه أي شيء؟ حالة الصديق آسانج قريبة جدًا من هذه الحالة حد التماثل. كل ما يهم أعداءه هو إسكاته. وهنا أتذكر حكومة موسوليني عندما اعتقلت أنتونيو غرامشي، وقول القاضي بوجوب إسكات هذا الصوت لعقدين من الزمن. هذا هو لولا وهذا آسانج وذلك غرامشي، كلها حالة واحدة وفضيحة واحدة متماثلة.

أما الجزء الثاني الفادح والصادم من الفضيحة هو النفوذ الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة، والذي دفع بالأمور لأن تصل إلى هذا الحد مع جوليان آسانج. من أعطى الولايات المتحدة الحق بأن تملي على العالم ما يفعله؟ هذا هو السؤال المهم كمنطلق لفهم منظومة الهيمنة التي تعادي الحقيقة والحرية. الإمبريالية المتعنتة هي الفضيحة المستمرة، وحتى تحت أقسى الظروف فإن آسانج وأمثاله يشكلون الشمس التي ترفض الانطفاء وترك العالم على ظلاميته.

الرئيس الإكوادوري السابق رافائيل كوريا: عندما قررت بلادي، ديمقراطيًا، منح الصحفي جوليان آسانج حق اللجوء في سفارة الإكوادور في لندن، لم يكن قرارنا متعلقًا بواقع صداقتي الشخصية مع جوليان آسانج، ولا لأن مبنى سفارة بلادي في لندن يشكل طموحًا أو حلمًا سياحيًا لدى آسانج. جاء ذلك القرار لإدراكنا العميق للمخاطر التي كانت وما زالت تحيط بمصير هذا الصحفي الشجاع. أنا وحزبي وبلادي انحزنا للحقيقية وللمدافعين عنها، لذلك قمنا بما قمنه به من مساعدة عندما احتاجها آسانج. ولو تكرر الزمن لكررت ذات الموقف، ولو كنت في موقع قرار لم أكن لأخون ثقة إنسان ملاحق ومهدد يطلب الحماية والأمان من بلادي.

ما قامت به الإدارة الحالية للإكوادور لا يمكن وصفه بأقل من جريمة مخزية. للأسف أن جوليان آسانج وجد نفسه في موضع دفع ثمن الانتقام الذي تمارسه الإدارة الحالية من حقبتي. لكنني لست مستغربًا البتة، الخيانة هي أبرز صفات الإدارة الحالية، فمن ينقلب على برنامجه وعلى من صوتوا له في الانتخابات ويتحول ليصبح ألعوبة في يد رجال المال الفاسدين وبعض سفراء الدول الإمبريالية يجب عليه أن يتفكر مع نفسه حول المستوى الذي أوصل نفسه وبلاده إليه.

أعزي نفسي وأعزي بلادي وأعزي المواطن الإكوادوري المغدور جوليان آسانج بحالة الخيانة العظمى التي تعرضنا لها جميعًا، بعد الفساد والكذب قرر الرئيس الحالي لينين مورينو تجريب الخيانة العلنية، لذلك اعتبر من اليوم أن للخيانة مرادف وحيد، هو مورينو.

المسرب الأمريكي المطلوب إدوارد سنودن: في طبيعة عملنا وطوال السنوات التي مضت وفي كل مرة تعاملنا مع وثائق وحقائق وجب نشرها، لم تكن السهولة سيدة الموقف. ما اخترنا القيام به، جوليان آسانج وأنا وآخرون ليس مهمة ترفيهية، بل هو قتال على جبهة غاية في الشراسة والمخاطرة.

رغم كل ما يمكن أن نسمعه ضد جوليان، إلا أن لا أحد يستطيع تجاوز هذه اللحظات القاتمة في تاريخ الصحافة وتاريخ الحقيقة وتاريخ مواجهة جريمة الطغيان. ولا يمكن أن يكون لأحد الحق في إغماض العين عن المجرمين الحقيقيين الذين فضحهم آسانج والمطالبة بملاحقته هو. إذا كانت الأمم المتحدة نفسها ترفض ما يتم ضد جوليان آسانج وتعتبره جريمة، ليس مؤخرًا فقط، بل طوال السنوات الـ7 المنقضية، فهل يمكن لشخص ملاحق ومعرض لمصير مشابه لمصير آسانج مثل حالتي أن يعتبر ما تم أقل من جريمة كبرى، بل جريمة شنيعة ومخزية. والمخزي أكثر سيكون تقبلها أو السكوت عنها وهو أخطر من التواطؤ معها حتى.

أود القول أن آسانج ليس وحده من تهمه الحقائق ووصولها إلى الناس، لذلك لن تتحقق أحلام كل من يريدون إخراس آسانج، لأن ويكيليكس قائمة وفاعلة، وفي كل الحالات ما زال هناك الكثير لنشره وقوله للناس، والاعتداء على آسانج لن يرهب من اختاروا لأنفسهم مهمة فضح الإجرام الذي يراد تمريره في وضح النهار.

الفيلسوف الكرواتي سريكو هورفات: بعيدًا عن الفلسفة أو قريبًا منها، الواقع يقول أن الاعتداء على جوليان آسانج بالطريقة التي تابعناها شائن، خاصة إذا ذهبت القضية نحو تسليمه إلى الولايات المتحدة، فإن هذا باختصار يعني إطلاق رصاصة متفجرة على نخاع الصحافة الاستقصائية في العالم.

لم يشكل اعتقال صديقي جوليان، والشريك الحقيقي في حركة ربيع أوروبا، أي مفاجأة لي، لكنه بالتأكيد فاجأ كل من لم يكن متابعًا للحرب التي تشن ضد آسانج منذ سنوات. تخيل أن مجموعة دول، لا دولة واحدة، تشن حربًا ممنهجة ضد إنسان واحد!

قمنا الأن في حركة الديمقراطية في أوروبا – ربيع أوروبا، بإطلاق حملة شعبية ورسالة مفتوحة للحكومة البريطانية تطالبها بأن لا يتم تسليم جوليان آسانج للولايات المتحدة، وأيضًا تنشد العدالة له، فهو ليس صاحب جرم أساسًا كي يتم اعتقاله. اعتدت على جوليان أن يبدي قدرة تحمل مذهلة لأجل قناعاته ورسالته في العالم. ربما أقل هذه التضحيات أن يحرم من الشمس والعناية الطبية أكثر من 7 سنوات. سأستكمل جهدي ومع حركة الديمقراطية في أوروبا ومع جميع الأصدقاء حول العالم كل الجهود الممكنة في شتى الحقول المتاحة للدفاع عن جوليان آسانج وحياته، لأنني على يقين أن جوليان كان ليفعل أكثر بكثير لو تعرض أحد أصدقائه لما تعرض هو له، أو حتى لأي إنسان يقع عليه ظلم، جوليان مهجوس ومهووس بالمظلومين والمحرومين من فهم حقيقة ما يلحق بهم وقد نقل لي ولكثيرين غيري هذه العدوى المهمة.

وزير الاقتصاد اليوناني السابق ومؤسس حركة الديمقراطية في أوروبا يانيس فاروفاكيس: ليس من باب الصدفة أن يأتي اعتقال جوليان آسانج في هذه المرحلة، إذ أن مثل هذه الجريمة شيء محتم حصوله مع توسع أقصى اليمين وتغلغل الفاشية في الخطاب والممارسة أكثر وأكثر.

يقول لنا الاعتداء على آسانج، أن حقوق الإنسان والحريات بمجملها رفقة الصحافة الحرة كلها مهددة وفي أصعب فتراتها في عالم اليوم. ما تعرض له صديقي جوليان أسانج خارج عن العادة، لوحق وتم الاعتداء عليه دون ذنب إلا نشره الحقيقية، ما الذي لدى السلطات البريطانية ضده أساسًا؟ هل تستطيع بريطانيا تبرير موقفها وتقديم سند لكل ما قامت به ضد آسانج؟

لا أريد التحدث عن الإكوادور وسأترك القول بشأن الموقف المخزي لنظام مورينو للصديق كوريا كي يعقب عليه وأنا متأكد أنه سيفي الأمر حقه. وأكرر التأكيد على موقفي الذي أوضحته سابقًا، إذ أدين بشدة ما تعرض له الصديق جوليان آسانج من خطف، عداء المنظومة المهيمنة للحقيقة وللصحفيين ولحرية الرأي لا يحتاج أي دليل بعد اليوم. إنها مزرعة الأخ الأكبر، وهذا ما يجب رفضه. السؤال الذي لم ينفك عن الدوران في رأسي مفاده ما مصير مواجهة الهيمنة إذا كان المناضلين لأجل عالم حر سيسكتون عما يتعرض له آسانج من محاولة تصفية صريحة؟ هذا هو آسانج يدفع ويواجه ثمن قناعاته وانحيازه للحقيقة بكل فخر وشجاعة.

 

إلى هنا، يقف آسانج أسير "الديمقراطية" البريطانية وشركاؤها لنشره الحقيقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جوليان آسانج.. صحافي نادر على طريقته

كيف عرّى جوليان أسانج التلفيق والفبركة في مؤسسات إعلامية كبرى؟