26-أبريل-2020

هاني عباس/ فلسطين - سوريا

تشابهت أحوالنا البشرية في زمن الكورونا تشابهًا مضى إلى التطابق في كثير من الحالات، أهمها في الحجر والاعتزال وإجراءات الوقاية. تشابهنا في الخوف من المرض، وفي الضجر من الحجر. تشابهنا في القلق والسأم والتأمل في الموت.

على الرغم من أن كل شيء أخذ عطلة إلا أننا لم نستعمل هذا الوقت كفسحة للتفكّر في أحوالنا

البعض منا قوّى علاقته مع الرياضة لأن جلسات المنزل الطويلة جعلت الأبدان توشك على التكلس، والبعض الآخر استعاد علاقته مع الطبيعة لكون الحدائق والبراري هي الأمكنة الوحيدة التي ظلّت في منأى عن الإغلاق.

اقرأ/ي أيضًا: فاعليّة المؤسّسات الدوليّة في زمن كورونا

ترغمنا هذه التشابهات الكثيرة على البحث عن التشابه في تفكيرنا بالمصير البشري في مرحلة ما بعد الجائحة، لكن المؤشرات البسيطة، التي تعتمد على ملاحظاتنا الشخصية، تقول إن شيئًا لن يتغيّر في هذا العالم، فالناس العاطلون عن الحياة في الوقت الحالي يترقبون فرصة عودتها لكي يستعيدوا كل ما كانوا فيه، الأمر ينطبق بالدرجة ذاتها من الترقب على المؤسسات الاقتصادية.

على الرغم من أن كل شيء أخذ عطلة إلا أننا لم نستعمل هذا الوقت كفسحة للتفكّر في أحوالنا، ما يعني أن تطلعاتنا ببحث البشر عن أساليب حياة جديدة أمر غير وارد في المدى المنظور.

في كل ما حدث من حولنا، ولنا، يبقى الخوف من الموت والنهاية الأكبر تأثيرًا، لكن سؤال الموت لا معنى له ما لم يرتبط بأسباب الموت ذاتها. صحيح أننا نموت من نفاد الزمن والتعب والشيخوخة، لكنّ في العالم أمثلة قوية عن موت آخر يأتي من سعار السلطة والفساد والجشع. 

ما حلمت به النظريات الكبرى وفشلت في تحقيقه سياسيًّا نجحت الطبيعة في جعله واقعًا، فها هو المرض أممي أكثر من الشيوعية، وعابر للحدود والقوميات أكثر من أعتى أحلام الرأسمالية، وذلك كله بدون نظريات فلسفية أو أحزاب أو هيئات أو منظمات مجتمع مدني، إنما بسبب التشابه الذي ننكره ونتعالى عليه، ونعطيه ما يلزم من أوصاف تبعده عن حقيقته الكلية: الإنسان واحد. لأننا نريد عزل التجارب البشرية، وتقسيم العالم، وتشييد حدود وهمية.

جاء الكورونا بأخطار الألم والخوف. هذا صحيح. لكنه جاء أيضًا ليفتح العيون على أشياء كثيرة، ليس أقلها أكاذيب الأنظمة التي لم تكن مستعدة لشيء، وهنا نتحدث عن دول عربية لا تَعِد مواطنيها حتى بقبور، في الوقت الذي تتمتع نخبها الحاكمة، ومن يدور بفلكها، بما يجعل فكرة الجنة مجرد مزحة أمام ما يملكونه.

الدولة الفاشلة في بناء مستشفى لا تستحق أن تُعطى فرصًا في أي مجال. وإذا كان هناك ما لم تكشفه الثورات فها هو الوباء ينزع ما تبقى من أقنعة، ليقول إنه ما من حلّ إلا أن تستمر الثورات، خصوصًا في المراحل المتقدمة التي وصلت إليها في تجارب الجزائر والسودان قبل الإجهاز عليها، ويقول لنا إن عليها أن تتوسع إلى دول أخرى في هذا العالم، وثمة فعلًا من يرشحها للاندلاع بقوة في دول جنوب أوروبا، فالوباء لم يأت إلا ليقول إنه آن الأوان لكي يتوقف الكذب.

لم تكن فكرة الآخر لتتعرض للانكسار والتهشم لولا الأنانية المسعورة وحب التملك والنزوع إلى الاستهلاك الذي جعلت الإنسان يتوهم نفسه آلة تنتج اكتفاء عن الآخرين

على صعيدنا الفردي، يجب أن تبقى العلاقة المستعادة مع الطبيعة أساسية، ويجب أن نحوّل العناية بالصحة إلى نمط عيش. ناهيك أن حياة التمدن، بطابعها الاستهلاكي تحديدًا، أعمتنا عن الحيوات المجاورة التي تبنيها عبقريات الكائنات في هندسات أقل ما فيها أنها تتحدى غرور الإنسان وتدعوه إلى التواضع.

اقرأ/ي أيضًا: حكاياتنا التي لن نرويها لأحد

من جهة العزلة التي سبّبها الحجر، ربما يتوجب علينا قبل التذمر من حظر التجوال أو منع التجمعات.. أن نستعيد الآخر كفكرة مفقودة في حياتنا، فعلاقتنا به، في الحب أو الصداقة، لم تكن لتتعرض للانكسار والتهشم لولا الأنانية المسعورة وحب التملك والنزوع إلى الاستهلاك الذي جعلت الإنسان يتوهم نفسه آلة تنتج اكتفاء عن الآخرين والعالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفيروس النيوليبرالي المُعولم

المساكين في مواجهة الطواعين