11-يناير-2021

دمية على شكل ترامب (Getty)

شخصية يمكن وصفها بالغريبة اعتلت سدة الرئاسة الأمريكية عام 2016 وشكلت حالة مفصلية مثيرة للجدل في العالم ككل. دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي لم تترك صفة إلا وتم نعته بها، من المجنون إلى العفوي إلى المجرم إلى الهزلي والشعبي والشعبوي والمتطرف والمهرج، إضافة إلى نفي صفة الدبلوماسية عنه والكثير غيرها من الصفات التي طالته، كان محور عشرات العروض الكوميدية خلال فترته الرئاسية. 

كان دونالد ترامب يقوم بتقليد شخصيات أخرى كأنه يؤدي عرضًا على المسرح وليس بدوره رئيسًا لدولة

لا يخفى أن تصريحات دونالد ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي أو في خطاباته طيلة أربع سنوات كانت فجة وعنيفة وفي ذات الوقت كانت تحمل في طياتها الكثير من التأويلات الكوميدية، كما حديثه عن نجاح عملية اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مثلًا، أو بفعل الأصوات والتعابير والحركات الجسدية التي كان يقوم بها علنًا.

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

في بعض الأحيان كان يقوم ترامب بتقليد شخصيات أخرى كأنه يؤدي عرضًا على المسرح وليس بدوره رئيسًا لدولة، أو كان يسخر من الآخرين. كل ذلك شكل مادة دسمة للكوميديين في الولايات المتحدة وحول العالم في انتقاد أداء ترامب وتركيب عروض بأكملها حول شخصيته. حتى أن ترامب نفسه اتهم وسائل الإعلام بعدم تقدير "روح الدعابة" لديه، واضعًا نفسه في خانة من يمتلكون حسًا بالفكاهة.

ومع بداية انتشار فيروس كورونا تحدث دونالد ترامب عن إمكانية شرب أو حقن مساحيق المطهرات والمعقمات لمحاربة الفيروس. قامت حينها "سارة كوبر" بتصوير مقطع عبر "تيك توك" للسخرية من خطاب ترامب، لكنها فوجئت أن الفيديو شاهده 15 مليون شخص حول العالم. وكان ترامب مصدر إلهام للعديد من الكوميديين الذين تناولوا خطاباته، مثل أندرو لانكستر، الشاب المبتدأ الذي قدم عرضًا جميلًا من ضمن برنامج Britain's Got Talent.

أما ستيفن كولبرت فقد سخر من تغريدة ترامب حول امتلاكه أكبر زر نووي. وكان ترامب قد كتب التغريدة ردًا على رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي تحدث عن امتلاكه زر نووي. وجاءت سخرية كولبرت من ترامب كالتالي "أرجوك لا تبدأ حربًا نووية، Buttonhead" في إشارة إلى أن ترامب فارغ الرأس بحسب كولبرت.

 إلا أن ترامب لم يتغاضى عن هذه البرامج الكوميدية، بل هاجمها بقوة وسخر منها بدوره. فما  كان من مقدمي هذه البرامج إلا أن ردوا الصاع صاعين. مثلًا علق الكوميدي جيمي فالون، بعد أن هاجمه ترامب، بالقول "كنت أفكر في الرد على الرئيس بسبب إهانته لي على تويتر، لكن لحظة، لدي أشياء أهم أفعلها في حياتي. أليس لدى ترامب شيء أهم يفعله؟ ماذا تفعل يا ترامب، أنت الرئيس وتقوم بتضييع وقتك على تويتر!". لكن الحرب بين "ترامب" وصناعة الكوميديا تعود إلى ما قبل توليه الرئاسة بسنوات، فسلوكه بالرد والانشغال بما يقال عنه في هذا القطاع ليس بالجديد. بينما تعيد بعض التحليلات انشغال ترامب بمثل هذه الردود إلى كونه يحب التباهي والظهور مهما كان ثمن ذلك الظهور ونوعه.

 لم يتغاضى دونالد ترامب عن تناوله في البرامج الكوميدية، بل هاجمها بقوة وسخر منها بدوره

تقول الكاتبة الكوميدية واندا سكايز، عبر صحيفة الواشنطن بوست، أن دونالد ترامب أثبت أنه ليس مادة سهلة يمكن للكوميديين التصويب نحوها. وتشير إلى صعوبة كتابة مادة مضحكة وساخرة عن ترامب، وتصف ذلك بالقول "هذه المهمة تشبه السخرية من السخرية". وقد قال مقدم البرامج ستيفن كولبرت، في تعليقه على فعالية الكوميديا في مواجهة ترامب من عدمها، "ليس لدي أي وهم بتغيير العالم، فبرامج الكوميديا تعرض في وقت متأخر من الليل، وأحيانًا يكون النوم أفضل بعد مشاهدتها فقط".

ومما جعل أداء ترامب مادة للهجاء بالنسبة للكوميديين أنه يقول أشياء سخيفة في بعض الأحيان، كما يشير "كارلوس مازا" في برنامجه، مما يجعل من ترامب "منجم ذهب" بالنسبة لمؤدي الكوميديا السياسية أمثال سامانثا بي، جون أوليفر، ستيفن كولبرت، توم مايرز، مايك مايرز، جيمي فالون، جيمي كيميل وغيرهم. ويرى كارلوس مازا أن هؤلاء الكوميديين يتميزون عن القنوات الإخبارية في أنهم لا يرحمون ولا يمكن أن يتهاونوا مع نشر السخافة، لذا فإنهم يفندون خطابات ترامب ويعالجونها بسخرية حادة دون أخذها على محمل الجد، وبالتالي يسمحون للمشاهدين برؤية الأمور من زاوية مختلفة كليًا.

اقرأ/ي أيضًا: أبرز 5 لحظات لدونالد ترامب في عالم المصارعة الحرة

مع اقتراب رحيل ترامب عن البيت الأبيض، يبدو أن برامج الكوميديا السياسية ستفتقد لوفرة مادة دسمة كانت تتمحور حول "قفشات" الرئيس وتركز انتقاداتها على سلوكياته الغريبة، والتي كانت تستقطب نسبة عالية من الجمهور. لكن في بداية ولاية ترامب كان من الصعب مواجهته بواسطة الكوميديا، فقد اعتبر البعض أن ترامب لديه القدرة على مواجهة الكوميديا بالكوميديا والسخرية بالسخرية، لسبب جوهري، ألا وهو أن ترامب بحد ذاته شخصية "كاريكاتورية"، كما جاء في مقال نشره البروفيسور ليام كينيدي في موقع "سكرول إن". مع ذلك، وفي ظل اقتراب نهاية ولاية دونالد ترامب الرئاسية، لا يتوقع أن يغيب ترامب عن المشهد الإعلامي تمامًا وبالتالي عن صناعة الكوميديا، رغم أنه سيكون أقل حضورًا، مما سيحرم صناعة الكوميديا من مادة يومية كثيرة الوفرة.

ومن المنتظر أن يبدأ تصوير سلسلة وثائقية تتناول فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعلنت شبكة نتفليكس أن السلسلة التلفزيونية ستكون عبارة عن رسوم كوميدية وثائقية تتناول فشل ترامب، وتحمـــل السلسلة عنوان The G Word من تقديم آدم كونوفر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حروب دونالد ترامب المقدسة

ترامب الفاضح للحلفاء.. المفيد للأعداء!