ألترا صوت- فريق التحرير
دون شك، تحلّ القراءة ضمن المراكز المتقدّمة في مشاريع القرّاء أثناء فترة إجازة عيد الميلاد وحتّى نهاية السنة أيضًا. ولكنّ المشكلة دائمًا ما تكمن في سؤال: ماذا نقرأ؟ في هذا المقال، نرشّح لكم 6 روايات عربية ومترجمة لإجازة العيد.
1- الصبية والسيجارة: أن تٌنقذ حياتك لفافة تبغ
ما يرتكز عليه الروائي الفرنسيّ بونوا ديتيرتر لبناء أحداث وسلوك شخصيات روايته "الصبية والسيجارة" (دار مسكيلياني/ منشورات تكوين) ترجمة زهير بوحولي؛ هو سيجارة فقط. سيجارة يُراقب القارئ تحوّلاتِها داخل العمل، وتبدّل أدوارها، من شيءٍ هامشيّ مُسلّمٌ بوجوده وتداولهُ بين الناس، باعتباره بات جزءًا من الحياة اليومية للبشر، إلى شخصيةٍ قائمةٍ بنفسها داخل العمل، تُحدِّد مصير البشر، وبدلًا من أن تقود المُدخّنين إلى الموت كما هو معروف، أو تُزعزع استقرار صحّتهم، تفعل العكس تمامًا، إذ تسيرُ بواحدٍ منهم نحو النجاة من الإعدام، بعد أن ساقتهُ – هي شخصيًا – قبل ذلك إلى السجن، حيث صدر هناك حكم الإعدام بحقِّه، ما يعني أنّ السيجارة كانت سببًا في صدور حكم الإعدام من جهة، وإنقاذه منه من جهةٍ أُخرى أيضًا، وهذا كلّه في ظلّ أحداثٍ ومتغيّراتٍ تجري بوتيرةٍ سريعة ومثيرة.
بونوا ديتيرتر يوسّع من دائرة استخدامه للسيجارة أدبيًا، أي داخل العمل الروائيّ هذا. فإلى جانب استناده إليها في تكوين شخصيات العمل، ورسم مصير كلّ شخصيةٍ على حدا، ورفع وتيرة الأحداث ومن ثمّ خفضها بعد ذلك، يكوّن مجتمعًا يندرج ضمن ما يُسمّى بـ"المدينة الفاسدة"، حيث هناك قوانين يدّعي من سنّها مثاليّتها المُطلقة، بينما تنطوي في الواقع على جُملةٍ من التناقضات التي تجعلُ منها قوانين بغير نفع أو قائدة. أضف إلى ذلك مجموعة الأشخاص المُمسكين بمصائر البشر في هذا المجتمع، والذين هم في الغالب عددًا من الحمقى الذي يسعون إلى توكيد فرض قوانينهم المثالية على البشر من حولهم، بحجّة تطبيق القانون، ومعرفة مصالح الشعب أكثر من الشعب نفسه.
2-حيّ الأمريكان: كاميرا تتجوّل في تفاصيل طرابلس وأحيائها الفقيرة
إن بحثنا عن وصفٍ دقيقٍ لرواية "حيّ الأمريكان" (دار الساقي، 2014)، لن نجد ربّما أدقّ من الوصف التالي: عدسة كاميرا متجوّلة تلتقط، من الهامش والشوارع الخلفية للحياة اليومية، تفاصيل مُهملة عن مدينة طرابلس، تلك التي ظهرت في العمل تمامًا كدمية الـ"ماتريوشكا" الشهيرة، ما معناهُ أنّ المدينة تحوي في داخلها مدينة أخرى أصغر، وتلك تتضمّن أُخرى أصغر أيضًا، وهكذا وصولًا إلى القطعة/ المدينة الأخيرة، تلك التي تجسّدت في شخصية الشاب إسماعيل بلال محسن.
إسماعيل بلال محسن كان في العمل تجسيدًا أصيلًا لطرابلس، بأسرارها، وأشجانها، وأزماتِها، حيرتِها، مآزِقها، والروح التشاؤمية التي تُخيّم على البشر هناك، سيما في الأحياء الفقيرة والعشوائية، وتحديدًا، حيّ الأمريكان الذي تدور بين أزّقته أحداث عمل الدويهي الروائي. لا يعكس محسن صورة الحياة اليومية في هذا الحيّ فقط، إنّما يعكس أيضًا تفكير سكّانه، خاصةً الشبّان الذي ضاقوا ذرعًا بالتهميش والإهمال الذي يعيشونه داخل الحيّ الذي تحوّل، نتيجة للتهميش والإهمال، أرضًا خصبة للتنظيمات المُتشدّدة لنشر أفكارها، وتجنيد الشبّان بذريعة مُحاربة من يشتغل على تهميشهم وإذلالهم وإفقارهم. ومن الفقر المدقع الذي يعيشهُ بلال محسن، ننتقل مع والدته التي تعمل خادمةً عند أعرق عائلات المدينة وأشدّها ثراءً إلى حياة مُختلفة عن تلك التي قرأنها في حيّ الأمريكان، حيث الثراء الفاحش، وتفاصيل حياة عبد الكريم العزّام الذي يُمضي جلّ وقته في منزل عائلته الكبير، بينما يستعد إسماعيل على الطرف الآخر للذهاب إلى العراق لتنفيذ عملية انتحارية بعدما نجحت إحدى التنظيمات المتشدّدة بتجنيده.
3- مشوار المشي: أن تسير بمحاذاة حياتك في يوم واحد
يستهلّ الكاتب والروائي السويسريّ روبرت فالزر (1878-1859)، قصّتهُ الطويلة، أو النوفيلا "مشوار المشي" (منشورات الجمل، 2018) ترجمة نبيل حفّار؛ بهذه الجُملة: "أحيطكم علمًا بأنني ذات يوم جميل، قبل الظهر، لم أعد أدري في أي وقت بالدقة، حضرتني رغبة في أن أتمشى، فلبست قبعتي، وغادرت غرفة الكتابة أو غرفة الأرواح، ونزلت على الدرج لأخرج بسرعة على الطريق".
عبارة كهذه تشيرُ، لا سيما لمن سبق وأن قرأ فالزر قبلًا، أو اطّلع على بعض تفاصيل حياته؛ بوضوحٍ وبشكلٍ مُباشر إلى أنّ الروائيّ السويسريّ يدوّن في هذا الكتاب نتفٍ من حياته الشخصية، بالأخص تلك المتعلّقة بالمشي والكتابة. ذلك أنّ فالزر، طيلة سنواتِ حياته، ظلّ مُتعلّقًا بهما، لا يتوقّف عن المشي إلّا ليكتب، ولا يتوقّف عن الكتابة ويُغادر الغرفة المٌخصّصة لها إلّا من أجل المشي. ومن المُفيد أن نُعيد التذكير هنا بأنّ فالزر توفيّ عندما كان يمشي أيضًا، عدا عن أنّ جلّ ما كان يفعلهُ أثناء وجوده في المصح النفسيّ هو المشي فقط، ما يعني أنّ المشي كان نمط الحياة الوحيد الذي سار صاحب "الفتاة البرلينية" وفقًا لهُ إلى أن مات.
بناءً على ما سبق، يكون "مشوار المشي" قائمًا ومبنيًا بصورة أساسية على تجارب فالزر نفسهُ، تأمّلاته أثناء المشي، الأفكار التي كانت تتبادر إلى ذهنهِ آنذاك، وصفه لما يُشاهدهِ أمامه، تأمّلاته، وكلّ تفاصيل ما كان يراه في مشاويره، قام بوضعها في هذا القصّة التي يُمكن القول إنّها اختزلت حياتهُ كاملةً في يوم واحد فقط، لفرط الذكريات والتفاصيل التي كانت تُسرد في العمل.
4- يا مريم: من يستطيع الصمود أكثر؟
يستحضر سنان أنطون في روايته "يا مريم" (منشورات الجمل، 2013) مناخات الحروب التي مرّ بها العراق حربًا تلو أخرى، ويحضر مناخ الحرب الأخيرة، أي الطائفية، التي حوّلت البلاد إلى مساحاتٍ للفزع والرعب والموت والتعذيب. مناخات تحملّ كمًا هائلًا من الأسى، نقرأهُ في الحديث الحاد الذي يدور بين بطليّ العمل، يوسف، رجل مسيحيّ في خريف العمر يعيش وحيدًا، ومها، شابّة مسيحية من أقرباء يوسف، تعيش في منزل الأخير برفقة زوجها بعد أن شُرِّدت عائلتها وتشتت بفعل الاقتتال الطائفي والتصعيد ضد المسيحيين في العراق.
يوسف يجسّد شخصية المواطن العراقيّ الذي لا يرى في الأزمات التي يمرّ بها العراق سوى أزماتٍ عابرة سرعان ما ستمرّ ويعود العراق كما عهدهُ في الحقبة الملكية وصولًا إلى تولي البعث للسلطة، أي أنّ البلاد الملوّنة بشتّى أطياف العنف ستعود مستقرّة كما اعتادت أن تكون، ولذلك، يرفض يوسف الهجرة، مصرًّا على البقاء في المنزل الذي بناه، بينما تصرّ مها على ضرورة الهجرة للتخلّص من كلّ ما يُهدّد وجودها كمسيحية. هذا التناقض يرسم صورة العمل، وواقع العراق، بين جيلٍ عالق في الماضي، مُعتاد على العيش فيه، وآخر ولد مع بدء الحرب والحصار وصولًا إلى الغزو الأمريكيّ ومن بعد ذلك الاقتتال الطائفيّ. وبالتالي، يرصد التشظّي الحاصل في المجتمع العراقيّ، وتلاشي الإيمان بفكرة الوطن، والرغبة الملحّة بالهجرة للنجاة من حول ما يحدث. بينما نرى يوسف مستغرقًا في عزلته، مُستعيدًا ذكرياتٍ سابقة عن عراقٍ سعيد غير الذي يعيشهُ الآن.
5- شمس آل سكورتا: الحياة برفقة العار
يتناول الروائيّ الفرنسيّ لوران غودة في روايته "شمس آل سكورتا" (دار الآداب، 2004) ترجمة بسّام حجّار؛ سيرة 5 أجيال مُتعاقبة يُلازمها عار قديم ومستمرّ، باعتبار أنّ العائلة كانت ثمرة اغتصاب رجل شقيّ لامرأةٍ عانس. ومن خلال هذه السيرة، يُحاول غودة تشكيل صورةٍ عن السلوك البشريّ في المجتمعات التي تعيشُ حالةً من القهر والإذلال والشقاء والبؤس.
هي إذًا حكاية المعتوه سكورتا مسكالزوني الذي يُمضي 15 عامًا في السجن بفعل الفساد الذي كان ينشرهُ في قريته، وما أن يخرج، كان أوّل فكّر فيه، وينوي القيام بهِ على الفور، هو تنفيذ ما كان يُخطِّط لهُ في طيلة سنوات الاعتقال، أي اغتصاب حسناء القرية لجُملةٍ من الأسباب، أبرزها تنفيذ وعدهِ لنفسه، وثانيًا ليتحدّى من خلال اغتصابها رجال القرية الذين سبق وأن حذّروه من الاقتراب منها، دون أن يُبالي بسيل التهديدات التي كانت تصلهُ، إذ نفّذ ما أرادهُ في ظهيرة أحد الأيام، في الوقت الذي كان فيه سكّان القرية مستغرقين في النوم كطريقةٍ لمواجهة الحر الشديد في قريتهم الواقعة جنوب إيطاليا. المفاجئة الأولى كانت لسكورتا كانت في معرفته، أثناء قيام رجال القرية برجمه، أنّ من أقدم على اغتصابها هي شقيقة الحسناء العانس، وليست الحسناء التي أمضى 15 عامًا يُفكّر ويُخطِّط لاغتصابها. أمّا الثانية، فكانت في ولادة العانس طفل سكورتا الذي أصرّ رجال القرية على قتله، لينقذه الكاهن ويتكفّل برعايته، دون أن يعرف أنّ هذا الطفل الصغير سوف يعيث فسادًا في القرية لاحقًا، مُطلقًا على نفسه لقب قصاص القرية.
6- أخيلة الظل: أسرار على مقعد قرب النهر
تضع الكاتبة والروائية المصرية منصورة عز الدين قارئ روايتها "أخيلة الظل" (دار التنوير، 2017)، أمام لعبة كبيرة من التخيّل والافتراضات التي يجد القارئ نفسهُ شريكًا أساسيًا فيها. هذا ما يتّضح من السطور الأولى للرواية: "تخيّلوا معي مقعدًا خشبيًا في الباحة الأمامية لبيت على ضفة الفلتافا، قريبًا من جسر تشارلز. على المقعد تجلس امرأة مكتنزة، شعرها يتلاعب به هواء الربيع وملابسها سوداء متقشفة. مستغرقة في تأمل مساحة صغيرة من الأرض بين قدميها المتباعدتين قليلاً".
على ذلك المقعد، يبدأ حوار بين تلك المرأة كاميليا التي تحدّق في الفراغ بين قدميها المُتباعدتين، ورجل يُدعى آدم يُحدّق هو الآخر في الأرض بتجهّم واضح. ومن خلال هذا الحوار الدائر بين كاميليا القادمة من القاهرة، وآدم القادم من سياتل، يسلك السرد مسارًا مختلفًا، إذ يعود إلى طفولتهما لنتعرّف عليها باعتبارها عاملًا أساسيًا في تشكيل سلوكهما، والعقد النفسية التي تُصاحبهما أيضًا. هكذا نعرف أن كاميليا تلّقت في صغرها ركلة من والدها، في عمر الخامسة تحديدًا. كما نعرف أنّ آدم، منذ أن كان صغيرًا، كان يحلم بأن يكون كاتبًا.
اقرأ/ي أيضًا: