02-سبتمبر-2018

صورة: كيفن وينتر (Getty)

ثار جدل حول  قرار "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة"، المشرفة على جوائز الأوسكار، بإنشاء جائزة جديدة "للأفلام الجماهيرية"، وكذلك حول نقل البث المباشر. المقال المترجم الآتي عن مجلة "نيويوركر" يتوقف عند تفاصيل هذا الجدل وأسبابه ومآخذه، ويقدم وجهة نظر مختلفة.


غدت الفجوة بين الفن وصناعة الأفلام أكبر من أي وقت مضى، ويبدو أن التغييرات المزمع إدخالها على حفل توزيع جوائز الأوسكار، والتي أعلنتها اليوم أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، هي استجابة يائسة لسد تلك الهوة.

تخطط الأكاديمية لنقل تاريخ البث المباشر للحفل حتى أوائل شباط/فبراير، وذلك لتقليص مدة البث إلى ثلاث ساعات من أجل تقديم "حفل جوائز أوسكار يسهل الوصول إليه من قبل مشاهدينا حول العالم"، وإنشاء فئة جديدة "للإنجازات البارزة في صناعة الأفلام الجماهيرية".

التغييرات المزمع إدخالها على حفل توزيع جوائز الأوسكار تهدف إلى التصدي لانخفاض نسبة المشاهدة للبث

ظاهريًا، يبدو أن التغييرات المزمع إدخالها على حفل توزيع جوائز الأوسكار تهدف إلى التصدي لانخفاض نسبة المشاهدة للبث (والتي كانت هذا العام في أدني مستوياتها على الإطلاق). لكن التأثير العام لذلك يشير إلى ردة فعل لمشكلة أكبر بكثير تواجه هوليوود: انقطاع متزايد في صلة ما تقدمه بفنّ صناعة الأفلام.

اقرأ/ي أيضًا: يوتيوب يحذف تريلر فيلم الرعب "The Nun" ويحذّر المشاهدين!

هذه مسألة أقرّها حتى أعضاء الأكاديمية -والعاملون في هوليوود وما يتصل بها من أعمال تجارية- بتصويتهم في حفل توزيع جوائز الأوسكار في السنوات الأخيرة. في عام 1939، على سبيل المثال، رُشّح أفضل 9 أفلام من حيث الأرباح في تلك السنة لجائزة أفضل فيلم. كان بعضها، في الواقع، (بما في ذلك Stagecoach لجون فورد، وNinotchka لإرنست لوبيتش، وأظن كذلك The Wizard of Oz) عظيمًا بشكل استثنائي.

على النقيض من ذلك، في عام 2017 جاءت الأفلام الأكثر تحقيقًا للأرباح بين المرشحين (Dunkirk وGet Out) في المركزين الرابع عشر والخامس عشر من حيث إيرادات شباك التذاكر المحلية السنوية؛ وجاء فيلم The Shape of Water الفائز بجائزة أفضل فيلم في المرتبة السادسة والأربعين. كما جاء Moonlight، الفائز بجائزة أفضل فيلم في السنة السابقة، في المركز السابع والتسعين.

والأكثر من ذلك، بالنسبة للإيرادات على النطاق العالمي -حيث تجني أفلام هوليود ذات الميزانيات الضخمة نسبةً كبيرة من أموالها- فإن معظم هذه الأفلام تراجعت لأدنى المراتب، وذلك لأن الأفلام المحلية ذات السمات الثقافية لا تنتقل بسهولة عبر الحدود مثل تلك القائمة على الخيال.

بين الفينة والأخرى، يتم إنتاج الأفلام ذات الميزانية الضخمة مِن قِبل مخرجين مُلهَمين باستطاعتهم، إذا مُنِحوا قدرًا كافيًا من الحرية، تحويل إنتاج استوديوهاتهم إلى أعمال أصلية وشخصية يمكنها منافسةَ أفلامٍ أخرى شخصية أكثر بشكل لافت - يحضرني هنا فيلم Wonder Woman وكذلك، بشكل خاص، فيلم Black Panther. ولكن هذه هي الاستثناءات. إذْ إنّ استوديوهات هوليوود -مثل معظم الشركات الكبرى- تتقدّم ببُطء.

لقد كان تغيّرهم بُطيئًا في مواجهة التغيُّرات الثقافية والسياسية في حقبة الستينات؛ كما ارتبكوا في مواجهة المنافسة الفنية القائمة مِن قِبَل صناع الأفلام والمنتجين المستقلين في التسعينيات. وعندما نتج عن المنافسة مرورهم بضغوط مالية بسبب ما يسمى "التلفزة عالية الجودة"، تخلّوا عن إنتاج الأفلام المعتمدة على قيادة المخرج، في سبيل الأفلام القائمة على قيادة المنتجين المستقلين، ومن ثم حفروا قبرهم الفني بأنفسهم.

عندما جلب جيل جديد من صنّاع الأفلام (ممن تلقوا تعليمًا جيدًا في أكثر التيارات تطرفًا في فن السينما، وذلك بفضل توافر أنظمة الفيديو المنزلية VHS وأقراص الفيديو الرقمية DVDs) أفلامًا ذات إحساس أصيل، وجدوا أنفسهم بصورة متزايدة محاصرين بالمتطلبات التجارية للمنتجين وميزانيات الاستوديو.

لقد صنعوا أفلامهم فقط حين تدخّل ممولون مستقلون من الأثرياء محبّي الأفلام -ذوي الفهم لكون أصالة الإخراج ذاتها هي سلعة ثمينة في السوق السينمائية- وقدموا ميزانيات منخفضة في مقابل توفير حرية فنية استثنائية.

بشكل عام، فتلك الأفلام التي نتجت من هذه الصلات المستقلة، هي التي تمّ ترشيحها لجوائز الأوسكار؛ وهي تلك التي يعترف النقاد والمتخصّصون في صناعة السينما بأنّها في صميم هذا الفن أو قريبة منه.

وبالنسبة للمشاريع التي أُنتجت بشكل مستقل، فالفوز بجائزة الأوسكار له أهمية تجارية خاصة، وهو ما يدفع بالأفلام الأقل شهرة وتكلفة وإيرادات بشباك التذاكر إلى منصة الصيت العالمي. وليس من قبيل الصدفة أن مفهوم حملة الأوسكار نفسه، مفهوم بذل المجهود المضني وراء الكواليس لحصد الجوائز، كان إحدى بنات أفكار هارفي واينستين، المنتج المستقل المتعاوِن مع شركة ميراماكس، والذي استفاد من الجوائز ليقفز بأفلامه وشركته إلى مستوى بالغ الأهمية في هوليوود يتناسب مع تلك الاستوديوهات.

يبدو أن تلك الفئة الجديدة لجوائز الأوسكار، المخصصة للأفلام الشعبية، لعبة من الاستوديوهات لاختلاس بعض الفوائد التجارية للجوائز

نظرًا للأهمية التجارية الكبيرة جدًا للجوائز التي تُمنَح لأفلامٍ صغيرة تجاريًا، فإن قرار الأكاديمية بإنشاء جائزة جديدة "للأفلام الجماهيرية" هو أكثر من مجرد سخافة وتهور: إنه أمرٌ مسيءٌ في المقام الأول.

لم تُفصِح الأكاديمية بَعْد عن الكيفية التي سيتم بها تحديد الفئة الجديدة: هل سيتم ذلك على أساس الميزانية أم شباك التذاكر أم اعتمادًا على قرار المنتجين الخاص. على أي حالٍ فلن تقلل الجائزة الجديدة من قيمة الجدارة الفنية التي تصاحب الاحتفاء بجائزة أفضل فيلم، إذ لا يمكن خداع أحد. لكنها ستصرف جزءًا من الأضواء بعيدًا عن الفائزين والمرشّحين الحقيقيين لجائزة أفضل فيلم، مما يترتب عليه تحوّل بعض الأهمية التجارية عن تلك الترشيحات والجوائز أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: 4 أفلام أجنبية في السينمات خلال عطلة الأضحى

يبدو أن تلك الفئة الجديدة ما هي إلا لعبة من الاستوديوهات لاختلاس بعض الفوائد التجارية للجوائز، بهدف إعادة توزيع الأموال المتعلقة بالأوسكار، لتسحب من المنتجين المستقلين صعودًا إلى الاستوديوهات، وللترقيّ من إنتاج يتكلف ويدر عشرات الملايين إلى إنتاج ضخم بمئات الملايين. إن تلك الفئة في الأوسكار هي نظير مقترح "إصلاح" الضرائب الذي تقدّم به الحزب الجمهوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الذاكرة تستيقظ.. عن الخارقين وسحر الغرائبي

في 7 أسئلة.. كل ما تريد معرفته عن مهرجان كان 2018