11-يونيو-2016

(Getty)

تصفيق بطيء لأربعين عقدًا من البكاء والهراء. والحمد للـ "حاجة" وأمها الاختراع.

لم نسمع كـ "جيل ما بعد الحرب الأهلية" من جيل "الحرب وما قبلها" يومًا بأن القتل عادة سيئة، بل إن الحاجة علمتنا أن الحرب مدمرّة لكنها في الوقت نفسه تبني لنا كرامة أوراقنا الثبوتية التي تحدد المكان والزمان الذي اختاره جيل البوسطة لنا لنولد في لبنان ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية.

لن يعترف جيل الحرب أنه بحالةٍ نفسية وهم جميعًا بحاجة لمعالجة نفسية جذرية. لكن لن يحصل هذا الشيء، فأبناء الحرب لا يعترفون بالطب النفسي

نحن الذين لا ننتمي لأي مكان، نحن أبناء التسعينيات الذين سمعوا بالحرب الأهلية وما زلنا نعيشها، بدون خطوط تماس.

وبالطبع لن يرضى جيل الحرب أن يعترف أننا ما زلنا نعاني من الصدمة التي تحملونها كأبناء الخمسينيات حتى السبعينيات. لن يعترف جيل الحرب أنه بحالةٍ نفسية سيئة، وهم جميعًا بحاجة لمعالجة نفسية جذرية. لكن لن يحصل هذا الشيء، فأبناء الحرب لا يعترفون بالطب النفسي.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. بيئة خصبة للإفلات من العقاب

منهم من لا يعترف بسبب رفضه للطبّ والعلوم (كالإسلاميين المتشددين) ومنهم من سيعترف بالطب النفسي، نكايةً بالذين يرفضون، لا لأسباب تطوّر العقلية الأكاديمية في مجتمعاتهم، بل لأنهم يؤمنون بأن ما تجلبه لنا أوروبا إلى العالم العربي هو ما علينا التقيّد به كأوروبيي الأصل. صدقًا، هذا الكلام ليس افتعالًا بل تجسيدًا لشريحة كبيرة من اللبنانيين.

وباقي التصنيف في الموقف الشخصي أمام "الطب النفسي" فيكمن في عقليات من قاتلوا وخسروا في الحرب الأهلية، الذين كانوا حمقى حين انخرطوا في الميليشيات اللبنانية بهدف "حماية النفس ومن حولي من طوائف تحميني"، وهم الذين أيضًا يرفضون العلاج النفسي لأن الحياة علمتهم أن لا أحد سيعالج أحد ولا أحد سيساعد أحد، خوفًا من الأطباء السماسرة الذين تكمن مهنتهم بتوزيع الحبوب المهدئة للأعصاب أو الأدوية الخاصة بالإحباط والقلق أولًا، وثانيًا بسبب عدم اطلاع هذا الجيل على أهمية الراحة النفسية.

ولطالما سمعت هذه الجملة من الذين ترعرعت بينهم من أصدقاء أهلي وعائلتي: "الحياة صعبة، بعد بتشوف أكتر وأسوأ".

اقرأ/ي أيضًا: حين قررت ألا أكون متدينة!

ماذا تعلمنا من جيل الحرب؟

اللبنانيون يُعرفون بطائفيتهم وعنصريتهم وطبقيتهم وذكوريتهم الفاحشة في جميع نكاتهم وأحاديثهم اللامبالية. فعلى سبيل المثال، معظم النكات المنتشرة في المناطق اللبنانية هي تجسيد لاستياء "الفينيقيين الجدد" الذين يؤمنون أن لبنان هو دولة حاضنة لأبنائه وسكانه الأصليين فقط.

فينتقل التنمر ليصبح بين اللبنانيين والسوريين الذين تركوا بلادهم لإعمار بلادنا، والصورة التي احتضنها العقل التسعيني اللبناني هي أن جميع السوريين هم عمّال بناء وأن جميع "الحماصنة" بلهاء، وأن سوريا ستبقى وتتمدد لطالما بقي الأسد (تغيرت وتيرة الكلام ابتداءً من 2005).

اللبنانيون ما زالوا يعلِّمون أبناءهم يومًا بعد يوم بأن "اللبناني" هو الذي لا يقهره أي ظرف أو زمان أو مكان. أن اللبناني هو طائر الفينيق الذي لا يُقهر.

يُقهر اللبناني أحيانًا، حين لا يجد مكانًا يحتضنه ويحتضن خبراته الأكاديمية والعملية والمهنية والابتكارية والموسيقية والفنية والدينية والحربية والعسكرية وكل ما يمكن أن يمتلكه من عقلٍ وجسد ووجود في الحياة بسبب طائفته أو مذهبه الذي لم يختر الانتماء إليه كرضيع أبله ينتظر الخروج من الرحم من أجل التنفس. التنفس فقط.

ويُقهر العشريني أحيانًا، حين يصبح كل شيء بالتزكية، من الانتخابات إلى المطالب حتى المرشحين. لأن وللأسف لم يتعلم جيل الحرب الأهلية اللبنانية "جيل البوسطة والشياح وعين الرمانة وخطوط التماس" الجيل الذي لم يُقهر ولم يتعلّم رغم القتل العشوائي أن بعد اتفاق الطائف، الذي شمل الأطراف المتنازعة التي ما زالت في سدّة الحكم البرلماني والحكومي والحزبي في لبنان بعد 41 سنة على اندلاع الحرب الأهلية وبعد 15 عشر سنة من الحرب و26 سنة من الانتظار للحرب القادمة مرورًا ببعض الحروب التي قضت على العشريني حاليًا.

وبعد جمع الرزنامة بأكياس الدم والفساد ما زال جيل الحرب الأهلية (جيل البوسطة) يبشرنا بأن علينا أن نتناسى وأن نتابع حياتنا، كالرضيع الأبله الذي يريد التنفس وبلا علم النفس.

اقرأ/ي أيضًا:

ذكرى "مسيرة العودة" من اليرموك إلى فلسطين

التطرف في رمضان.. من ينهي التكفير؟