01-يوليو-2019

حازت ألمانيا على بطولة العالم 4 مرّات

ماذا تعرف عن ألوان المنتخب الألماني؟ ولماذا تختلف عن ألوان العلم الألماني؟ لماذا یقال عن كلوزه و بودولسكي من أصول بولندیة؟ وراء هذه الأسئلة حملة صلیبیة في قلب أوروبا، أول دولة بروتستانتیة في التاریخ، الإمبراطوریة الألمانیة وحربین عالمیتین.

یعد المنتخب الألماني من أقوى المنتخبات على الصعید الدولي و یحظى بالكثیر من المشجعین داخل و خارج المانیا خصوصا في عالمنا العربي ، وقد لفت نظري ذاك الاختلاف البین بین ملابس الفریق الاساسي و العلم الألماني الحالي ، مما دفعني للبحث وراء قصة هذه الالوان.

ترجع ألوان المنتخب الألماني الى مملكة بروسیا، أقوى الممالك الألمانیة التي وحدتها ضمن الإمبراطوریة الألمانیة عام ١٨٧١ فیما یسمى بالرایخ الثاني أي الامبراطوریة الثانیة " الأولى هي الإمبراطوریة الرومانیة المقدسة و الثالثة هي الدولة النازیة" یعود أصل كل من اللاعبین كلوزه وبودولسكي الى احد مقاطعات بروسیا التاریخیة وهي سیلیزیا التي ضمت الى بولندا بعد الحرب العالمیة .

علم مملكة بروسيا حتى عام 1918

 تقع -أو وقعت - مملكة بروسیا على الأراضي الممتدة على طول الساحل البلطیقي الجنوبي من لیتوانیا حالیا مرورا ببولندا حتى القسم الشرقي من المانیا الحالیة. تشكلت نواة هذه المملكة على شریط ساحلي ضیق من نواة من احد تنظیمات الفرسان الصلیبیة " التنظیم التیتوني" Order Teutonic نسبة إلى التیوتنیین أحد القبائل الجرمانیة القدیمة.

 تأسس هذا التنظیم في القدس ١١٤٣ وكان شعار هذا التنظیم هو الصلیب الأسود على خلفیة بیضاء. خدم هذا التنظیم في الحملات الصلیبیة في المشرق، ویدار كغیره من تنظیمات الفرسان براهب یسمى "المعلم الأكبر". مع إعلان البابا الكسندر الثالث في ذلك الوقت عن الحملات الصلیبیة الشمالیة عام ١١٧١ لتنصیر قبائل الساحل البلطیقي وهم آخر وثنیي أوروبا في ذلك الوقت استدعي تنظیم الفرسان التیتوني من قبل أحد الحكام البولندیین المحلیین وهو دوق كونراد عام ١٢٢٦ للمساعدة على تنصیر القبائل البروسیة الوثنیة الواقعة في الزاویة الجنوبیة الشرقیة من بحر البلطیق. و تم وعدهم باقتطاع أراضي بناء على خدمتهم. ومع مرور الزمن ازداد التنظیم نفوذا و قوة خاصة قت ازدادت هجرة الجرمان الى مناطق التنظیم وأسسوا عددا من المدن مثل ماریونبیرغ و كونینزبیرغ كالینینغراد حالیا.

ترجع الوان المنتخب الألماني الى مملكة بروسیا، أقوى الممالك التي وحدتها ضمن الإمبراطوریة الألمانیة عام ١٨٧١ فیما یسمى بالرایخ الثاني 

 أدى ذلك النفوذ المتعاظم إلى الاصطدام مع الحكام البولندیین المجاورین والدخول معهم في عدة حروب ومعارك تبادل فیها الطرفان الاستیلاء على الأراضي كان أهمها معركة جرینولد عام١٤١٠ والتي هزم فیها التنظیم هزیمة ساحقة كادت أن تقضي علیه نهائیا لولا الحذر من الإخلال بالتوازنات السیاسیة في شرق أوروبا.

حملات التوسع لفرسان التنظيم التيتوني على سواحل البلطيق

بعد فترة من انكفاء التنظیم في معاقله الساحلیة أتت الدعوة البروتستانتیة التي مثلت ثورة ثقافیة واجتماعیة في أوروبا ، وقد جذبت العدید من نبلاء وحكام أوروبا إلیها بسبب موقف مارتن لوثر من إقطاعات وأموال الكنیسة حیث دعا لأن تكون تحت تصرف الحكام المحلیین.

وكان وقتها المعلم الأكبر للتنظیم التیتوني وقتها البرت من أسرة هوهنزولرن والذي قرر ترك الرهبنة و التحول إلى حاكم علماني مؤسسًا بذلك دوقیة بروسیا عام ١٥٢٥أول دولة بروتستانتیة في التاریخ وذلك حتى قبل انشقاق الملك هنري الثامن لتأسیس كنیسة انكلترا.

دخلت دوقیة بروسیا في معترك السیاسة الأوروبیة من باب التزاوج السیاسي. المصاهرة مع دوقیة براندنبورغ (برلین وما حولها) أدخل بروسیا في تعقیدات الإمبراطوریة الرومانیة المقدسة الداخلیة حیث كانت هذه الإمبراطوریة عبارة عن كونفدرالیة مهلهلة من عشرات الممالك و الدوقیات الصغیرة في قلب أوروبا .

 وكان آل هابسبرغ حكام النمسا واسبانیا وقتها من أقوى العائلات الحاكمة في أوروبا على الإطلاق وقد احتكروا بشكل شبه كامل منصب الإمبراطور الروماني المقدس بمزیج من النفوذ السیاسي والمالي. تحولت بروسیا على ید فریدریك ویلیام إلى مملكة عام ١٧٠١ وتزاید التنافس مع آل هابسبرغ على زعامة الممالك الألمانیة، خاضت بروسیا عدة حروب لاقتطاع الأراضي والنفوذ من آل هابسبرغ في شرق أوروبا أبرزها حرب السبع سنوات ١٧٥٦-١٧٦٣ والحرب النمساویة البروسیة، مما یفسر العلاقة الجیدة بین بروسیا وألمانیا لاحقا وبین العثمانیین جیران آل هابسبرغ الجنوبیین المتربصین.

درع تنظيم الفرسان التيتونيين الصليبي

خرجت بروسیا من هذا التنافس أكثر قوة ونفوذا في أوروبا على حساب الهابسبرغ الذین حلت إمبراطوریتها المقدسة عام على ید نابلیون بونابرت. تنامت في القرن التاسع عشر النزعة القومیة في أوروبا وخصوصا ضمن الممالك والدوقیات الالمانیة الصغیرة بسبب الاحتلال الفرنسي النابلیوني الذي وحدها ضمن كونفدرالیة الراین، وبعد سقوط نابلیون تشكلت الفیدرالیة الألمانیة الشمالیة من مجموعة الممالك والدوقیات ذات الغالبیة اللوثریة حیث كان لمملكة بروسیا الكلمة الفصل كونها الأقوى عسكریا واقتصادیا وبقیت النمسا وبافاریا وبعض الدوقیات الصغیرة الجنوبیة خارج هذا الإطار التنظیمي.

وصل أوتو فون بسمارك لمستشاریة ملك بروسیا فریدریك ویلهيلم وقد كان سیاسیًا محنكًا وسع من سلطات الملك وزاد من نفوذ بروسیا وقوتها في سلسلة من الحروب مع الدانمارك و النمسا وفرنسا وهي الأهم حیث أن بسمارك استفز الإمبراطور الفرنسي نابلیون الثالث الذي بدوره هدد بشن الحرب مما أخاف الممالك والدوقیات الألمانیة الصغیرة المتبقیة خارج سلطة بروسیا وانتهت الحرب البروسیة الفرنسیة باحتلال باریس وإعلان ویهلیم الأول امبراطورًا لألمانیا من قصر فیرساي في باریس عام ١٨٧١.

وقد شكلت الامبراطوریة الألمانیة قوة دولیة سیاسیا واقتصادیا وعسكریا حتى نهایة الحرب العظمى حینما أعلنت المانیا الهدنة ١٩١٨ وأعقبها مؤتمر فیرساي الذي فرض شروطا مذلة على الألمان واقتطع مدینة دانسك إلى بولندا لإعطائها منفذا ساحلیا على البلطیق مما مهد لصعود الحزب النازي بزعامة هتلر فیما بعد ووصوله إلى المستشاریة الألمانیة عام ١٩٣٣ وفي عهد الحزب النازي كان الرجل الثاني في النظام النازي هیرمان غورینغ هو رئیس بروسیا ضمن الدولة الألمانیة بالإضافة لكونه قائد سلاح الجو الالماني.

انتهت الحرب العالمیة الثانیة كما نعرف بهزیمة النازیة وانتحار هتلر، حیث احتلت ألمانیا من قبل الحلفاء المنتصرین الذین قرروا حل بروسیا نهائیا وتهجیر الألمان الذین یستوطنون مناطقها التاریخیة قسریا، حیث تشیر التقدیرات إلى تهجیر ما یقارب ١٢-١٤ ملیون الماني من مناطق بروسیا والسودیت في التشیك وهنغاریا وتم استعمال معسكرات الاعتقال النازیة نفسها في عملیات التهجیر القسري من ١٩٤٧ حتى عام ١٩٥٠ التي یعتبرها المؤرخون الأكبر في التاریخ، و قد مات في ظل هذه الظروف المأساویة ما یقارب ٢-٤ ملیون مدني الماني حسب بعض التقدیرات.

مملكة بروسيا وتوسعها لضم الممالك والدوقيات الألمانية"الخط الوردي حدود الأمبراطورية الرومانية"

وتم منح معظم أراضي بروسیا الى بولندا و ضم الاتحاد السوفییتي جیب كونینزبیرغ (موطن الفیلسوف الألماني إیمانویل كانط) إلى روسیا ولیس إلى الجمهوریات السوفییتیة فیما یسمى حالیا بـ كالینینغراد لإیجاد منفذ بحري على ساحل البلطیق. خلال الحرب الباردة انقسمت ألمانیا بین شرقیة سوفیتیة وغربیة تابعة لحلف الناتو وفي نهایة الحقبة السوفیتیة وسقوط جدار برلین عاد الهاجس البروسي الى أذهان الحلفاء.

عارضت فرنسا وبریطانیا الوحدة الألمانیة مخافة عودة الهیمنة و التوسعیة الألمانیة السابقین، ولم یتم إعطاء الضوء الأخضر التوحید الا بعد اتفاقیة تسویة الوضع النهائي الألمانیة مع الحلفاء الغربیین والاتحاد السوفییتي عام ١٩٩٠ والتي نصت على تنازل ألمانیا عن كل الأراضي البروسیة التي اقتطعها الحلفاء ودفع ٥٥ بلیون مارك ألماني للاتحاد السوفییتي. في عام ١٩٥٧ تشكلت مؤسسة الحفاظ على التراث البروسي بقرار من الحكومة الألمانیة الغربیة وقتها للحفاظ على الإرث الثقافي والتاریخي لبروسیا وما زالت قائمة بأعمالها إلى یومنا هذا. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

دوري أمم أوروبا.. أيام عصيبة على المانشافت

"ألماني حين أفوز ومهاجر حين أخسر".. أوزيل يعتزل دوليًا بسبب العنصرية