17-نوفمبر-2018

تزداد شعبية حزب الله مقابل انحسار شعبية حركة أمل في الأوساط الشيعية (Getty)

ترتبط الإجابة عن السؤال حول مصير حركة أمل بعد نبيه بري ارتباطًا وثيقًا بالشيخوخات المتعددة التي مرت بها الحركة، وتحديدًا بعد منتصف الثمانينات إلى اليوم. وعمليًا، فإن شيخوخة حركة أمل مترافقة مع شيخوخة رئيسها (80 أو 82 سنة)، فمن خلال النظر إلى السياق الزمني المرحلي لحركة أمل يمكن فهم أكثر أين هي الحركة اليوم وماذا يعني نبيه بري لها.

تتميز حركة أمل عن حزب الله عقائديًا، إذ إنها لا تلتزم بولاية الفقيه وإن كان لديها ميثاق يقوم على الإيمان، ولديها ثقافة إسلامية عامة

في هذا السياق، يرى الكاتب والصحفي قاسم قصير في حديثه لـ"ألترا صوت"، أن حركة أمل مؤسسة حزبية، وإن كان لشخصية الرئيس بري دور أساسي في القيادة ومتابعة الأمور السياسية والتنظيمية. وتتميز الحركة عن حزب الله عقائديًا، حيث إنها لا تلتزم بولاية الفقيه وإن كان لديها ميثاق يقوم على الإيمان، ولديها ثقافة إسلامية عامة، وليس كل عناصر الحركة ملتزمين إيمانيًا. فحركة أمل ليست حركة علمانية ولكنها ليست حركة إسلامية أيضًا.

بينما يوضح الكاتب والمحلل السياسي لقمان سليم لـ"ألترا صوت"، أن "المرحلة الأولى من الشيخوخات بدأت عام 1985عندما دخل حزب الله بالكسر والخلع إلى الساحة الشيعية في لبنان، وعلى متن الثورة الإسلامية في إيران، وظل الحزب في حالة الكسر والخلع حتى عام 1989 للحصول على شرعيته". وتكرست هذه الشرعية مع ما يسمى اتفاق دمشق الذي أنهى حرب أمل- حزب الله في مطلع عام 1989، وثبت الاتفاق حزبين قائدين داخل طائفة واحدة هي الطائفة الشيعية.

تلى ذلك مباشرة دخول حزب الله إلى البرلمان اللبناني مع انتخابات عام 1992، وأشار ذلك إلى تغير داخل حزب الله بين فريقين، فريق طهراني لا يريد تلويث يديه في دهاليز السياسة وبين فريق براغماتي، نجح في فرض دخول الحزب إلى النظام السياسي اللبناني وحصل على عدد من المقاعد النيابية.

تجلت المرحلة الثالثة في حروب عامي 1993 و1996 اللتين ثبتتا حزب الله ليس كشريك في الساحة الشيعية وكشريك على المستوى اللبناني، وإنما أسست لشراكته كصاحب لليد العليا فيما يتعلق بالحرب والسلم والسياسة الدفاعية في لبنان، وهو ما استمر حتى انسحاب إسرائيل عام 2000.

اقرأ/ي أيضًا: صراع أمل والتيار في لبنان.. نقطة اللاعودة في حرب "الحلفاء الأعداء"

كان هذا المنعطف حاسمًا في علاقة حزب الله بحركة أمل، وعلاقة الشيعة كوجدان يتجاوز الحزبين. فصحيح أن حزب الله يرشي ويجامل حركة أمل وجمهورها بالإشارة لها عندما يتحدث عن المقاومة، لكن الحزب يعرف جيدًا، وجماهيره تعرف ذلك، أن المجهود المقاوم اُحتكر بيد حزب الله دون غيره. إلا أن الحزب يعمل على إشعارهم بملكية ما حازه من سيطرة على لبنان شرط عدم إبداء أي آراء تعارض نهجه. وهكذا أصبحت حركة أمل الأخ الكبير الذي يجب الوقوف عند خاطره ومراعاة شعوره، وفي النهاية يفعل الحزب ما يريده بمعزل عن الحركة.

لا يثق  حزب الله بحلفائه اللبنانيين ولا حتى بحليفه الشيعي المتمثل بحركة أمل

كانت المرحلة المفصلية التالية عام 2005، عندما انسحب الجيش السوري من لبنان تحت الضغط الدولي، تاركًا فراغًا أمنيًا وعسكريًا ملأه بطبيعة الحال حزب الله على حساب بقية الأحزاب اللبنانية ومنها حركة أمل، وعلى حساب الحكومة اللبنانية وجيشها.

كذلك، ففي عام 2005 دخل حزب الله إلى الحكومة اللبنانية وتقاسم بذلك الوزراء الستة الشيعة مع حركة أمل، وفي مقابلة للشيخ نعيم قاسم قال حينها قبل تشكيل الحكومة: سندخل إلى الحكومة لأننا لا نملك الثقة بهذه السلطة التنفيذية ويجب أن نكون داخلها لنراقب عملها.

خلال الوجود السوري كان جيش النظام السوري هو الضامن للحزب، ومع الانسحاب لم يعد هناك ضامن، وهذا ما كان معناه أن حزب الله لا يثق بحلفائه اللبنانيين ولا حتى بحليفه الشيعي المتمثل بحركة أمل. وتعتبر هذه اللحظة مهمة لأنها رسخت الدخول إلى الدولة من باب التمثيل الشعبي والدخول إلى كل الملفات الصغيرة والكبيرة في الدولة عبر مجلس الوزراء.

تعززت الشيخوخة في حركة أمل في المرحلة المتمثلة بحرب تموز 2006، التي بدا واضحًا منها أمران:

1- تقلصت شعبية حركة أمل لأن حزب الله خاض الحرب وقطف ثمارها باعتباره منقذ لبنان واللبنانيين والعرب والمسلمين من العدو الإسرائيلي. وبدت هنا الوظيفة الحقيقية لحركة أمل بأن تكون وزارة الخارجية والديبلوماسية لهذا الجسم الكبير المسمى حزب الله، وهذا السبب في الإبقاء عليها وهذا كان دورها ومهمتها. وتحول نبيه بري إلى شخص أشبه بطارق عزيز عشية الغزو الأمريكي للعراق، أي وزير الخارجية المسيحي في نظام صدام حسين، والمفاوض الشكلي الذي زار الفاتيكان عشية الغزو. وتقلصت مهام حركة أمل لتصبح مهام ثانوية وليست مهامًا مركزية قيادية.

2-  تجلى في وضوح أجندة حركة أمل اللبنانية المعبرة عن مزاج شيعي رافض للحرب. وتبدى ذلك واضحًا في لقاءات بري- فيلتمان ووثائق ويكيليكس المتعلقة بحرب تموز.

 جاءت "الحملة التأديبية" التي مارسها حزب الله في 7 أيار/ مايو، وهو اليوم الذي أسماه الحزب بـ"اليوم المجيد"، وخسرت حركة أمل دورها كمحرك أساسي للساحة الشيعية إلى أدوار ملحقة، وتبين في النهاية أن الحركة تتبع حزب الله وأنها شاركت في العمليات العسكرية كتابع. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان بمقدور حركة أمل ونبيه بري عدم المشاركة في حرب 7 أيار؟! يومها كانت الإشاعات تسري بين الشيعة بأنهم مستهدفون في بنيتهم العسكرية التحتية وبأن السفن تنتظر على الموانئ لتهجيرهم من لبنان، مما جعل الرأي الشيعي مناصرًا بأغلبيته الساحقة للحرب، ووقع نبيه بري أمام الاختيار بين السيئ والأسوأ. إذ لو لم تشارك الحركة في "الحملة التأديبية" كان سينسلخ جمهورها الميال والمعبأ للحرب، عنها. ومرة أخرى قطف حزب الله الثمار عسكريًا.

بعد "الحملة التأديبية"، اهتزت صورة نبيه بري ولم تستفد حركة أمل لأنه من خلال توريطها عسكريًا بدت وكأنها تابع لحزب الله، وفي الحالتين كانت الحركة ستخسر، وبدا أن الوجدان الشيعي أكثر ميلًا للمنطق العسكري الذي مثله حزب الله. وكما يوضح لقمان سليم، فإن جمهور حركة أمل في الطبقات ما دون المتوسطة مستلب أيديولوجيًا إلى حد ما من قبل حزب الله. ويضيف أن "أحد المقاتلين قال بأننا أخذنا بيروت بالصراخ، فلم يكن هناك أحد ليقاتلنا".

كانت الشيخوخة اللاحقة بعد التدخل في الحرب السورية، حيث تبين أن حركة أمل تنظيم له أجندة لبنانية بينما حزب الله تنظيم له أجندة ما فوق وطنية إقليمية، وهو ما انطوى على مصالح فعلية لشرائح كاملة من الشيعة. حيث سمحت الحرب السورية لحزب الله بامتصاص جزء من الأزمة الاجتماعية للشيعة عبر إفادة ما يقارب من 60 ألف شيعي متدخل في الحرب السورية بشكل عسكري مباشر أو غير مباشر، فصار جسم حزب الله كبيرًا على القميص. ويقول سليم "إن حرب سوريا سابقة في تاريخ الشيعة لأنها دامت سنوات، وهذه الحرب أعادت الهندسة الاجتماعية والاقتصادية للشيعة في لبنان وبات الحزب في الطليعة".

اقرأ/ي أيضًا: خطورة ميشال عون

تجلت دلالة أخرى مهمة على الشيخوخات المتتالية بانكسار كلمة بري، عندما وافق مكرهًا على الإتيان بمرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية، بينما سقط مرشحه سليمان فرنجية، الذي يعتبر حليف حزب الله المقرب، ولأنه لا يملك القدرة على قول "لا"، وهو يدرك جيدًا أن أحد شروط بقائه في هذه الحيثية مجاملته وإرضاؤه لحزب الله.

هنا تجلت دلالة إضافية، حين ترك الوزير جبران باسيل لمدة يومين أو ثلاثة يحرض على الرئيس بري ووصفه بالبلطجي، بينما سكت حزب الله عن الأمر وترك الشارع يفلت لمدة 48 ساعة، ثم أنهى المبارزة عبر اختلاق تصريح على لسان وزير الأمن الإسرائيلي المستقيل، أفيغدور ليبرمان، والقول للجميع بأن المعركة الآن مع إسرائيل فلتأجلوا مبارزتكم. وهكذا أنهى السجال من خلال إعطاء الأولوية لتصريح الوزير الإسرائيلي.

سمحت الحرب السورية لحزب الله بامتصاص جزء من الأزمة الاجتماعية للشيعة عبر إعادة إنتاج الهندسة الاجتماعية للشيعة في لبنان وظيفيًا

تلت ذلك إشارة مهمة أيضًا، وهي دخول جميل السيد إلى لائحة التحالف الشيعي في بعلبك الهرمل خلافًا لتمنيات الرئيس بري، وترؤسه اللائحة بأعلى نسبة أصوات، مما دل على هامشية حركة أمل ونبيه بري. كذلك نجد أن الرئيس بري لم يذهب إلى سوريا منذ مدة وبأن حزب الله أصبح الطفل المدلل للنظام السوري.

ومن الناحية الثقافية، كانت هناك إشارات ذات أهمية بالغة أيضًا، فنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يقول في إحدى خطاباته: "كثر عدد المحجبات وكثر عدد المؤمنين في الأربعين سنة الماضية في لبنان لأننا قدمنا نموذجًا رائدًا للإسلام، وسيكثرون أكثر فأكثر لأن الإمام المهدي يريدهم معه ونحن نقوم بتهيئتهم لتلك اللحظة ليكونوا جنودًا له". ومن يلاحظ المشهديات البصرية والصوتية والرسائل الواعية واللاواعية في المناطق الشيعية، يدرك أن ثقافة الحزن واللطم والآحادية والتربية الدينية التعبوية العقائدية والعسكرة تتسع بشكل مضطرد في البيئة الشيعية، فيما تتقلص المساحة المدنية والوطنية التي تدعي حركة أمل إنها تحمل لواءها.

الأصوات التفضيلية ونتائجها

أتت الانتخابات النيابية 2018 كشيخوخة أخيرة وكانت مناسبة انتهزها حزب الله لتسفيه حركة أمل، على مستوى تمثيلها الشعبي. حيث حصلت الحركة على 180027 مقابل 320192 صوت لحزب الله. حيث بدا أن حركة أمل أخرجت من بعلبك الهرمل وكان لها مرشح وحيد هو غازي زعيتر، علمًا أن الأصوات التي نالها زعيتر تتسم بطابع عشائري أكثر منها أصوات مؤيدة لحركة أمل. وهكذا الحال في تتبع الأصوات التفضيلية للعديد من مرشحي الحركة.

كما اتضح  في محافظة صور أن حزب الله لم يقترح أي مرشح إلى جانب نبيه بري، وكان أن حصل نبيه بري على 40137 صوتًا تفضيليًا، فهل كانت ستكون النتيجة هكذا لو كان هناك مرشح لحزب الله إلى جانب نبيه بري؟ أو هل ستكون النتيجة لصالح حركة أمل بعد نبيه بري. هكذا يمكن تتبع أكثرية الأصوات التي نالها نواب حركة أمل بأنها أصوات تعتمد على الولاء للشخص لا للنهج. بينما كانت الحال مختلفة لدى حزب الله، ناهيك عن الأصوات التي أعطاها الحزب لحلفائه وناهيك عن 11 ألف صوت في جبيل لمرشح حزب الله الخاسر الحاج حسين زعيتر.

في هذا الصدد يرى  لقمان سليم أنه لن يكون هناك رئيس لمجلس النواب من ضمن حركة أمل بعد نبيه بري ولن يكون من حزب الله أيضًا، فالحزب سيسعى لملء المنصب بشخصية مقربة منه. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيرتفع التمثيل النيابي والوزاري لحركات أمل أم سينخفض؟ إن الجواب واضح من السؤال إذ إنه بمجرد وجود حركات أمل مفتتة بدل حركة أمل موحدة، فإن الحركة سوف تصاب بنكسة من الناحية النيابية والوزارية وسوف يستأثر حزب الله بالحصة الأكبر، أي 5 وزراء من أصل 6 وزراء شيعة، وما لا يقل عن 20 نائبًا من أصل 27 نائبًا شيعيًا، وسوف يستأثر حزب الله كذلك الأمر بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ويعين من هو مقرب منه داخل هذه المؤسسة الدينية الشيعية الوطنية.

وتجدر الإشارة إلى أنه في انتخابات عام 1992 في منطقة بعلبك- الهرمل، فازت لائحة حزب الله بـ8 مقاعد ومقعدين فاز بهما حسين الحسيني ويحيي شمص وخسر غازي زعيتر حينها.

وبحسب سليم فإن معظم الموظفين منذ عام 2005 دخلوا إلى الدولة بالتوافق مع حزب الله وليس هناك حصص نقية لحركة أمل. ومن المعروف أن ابن حركة أمل يجنح ويميل صوب حزب الله ولا يحصل العكس، لذا فهناك نزوح من جانب واحد باتجاه الحزب فقط. بالإضافة إلى أن كثرًا من الموظفين الشيعة في المناصب العليا يراعون حزب الله، ولا يمكنهم أن يمارسوا ولاءهم فقط لحركة أمل، فحزب الله في نهاية المطاف هو من يملك القوة العسكرية.

بينما يرى قصير أن "حزب الله متقدم على الحركة شعبيًا ولكن الدور السياسي والخدماتي للحركة أقوى بسبب حضورها في مؤسسات الدولة وشخصية الرئيس بري القيادية. أما على صعيد مؤسسات الدولة سيظل الموظفون مرتبطون بقيادة الحركة إلا إذا برزت قيادات جديدة على مستوى الدولة".

التركة الشيعية؟

يُعتبر الرئيس نبيه بري الوريث الحقيقي للزعامة الأسعدية التي تمسك العلاقة مع الجمهور بواسطة مصالحهم مباشرة. وتستخدم الحركة العصبية الشيعية حسب الظروف، في حين أن تعبئة حزب الله مستمرة ودائمة، في السلم وفي الحرب.

تستخدم حركة أمل العصبية الشيعية حسب الظروف، في حين أن تعبئة حزب الله مستمرة ودائمة

وبرأي سليم، فإن الصراع موجود داخل حركة أمل ووظيفة بري تحكيم هذا الصراع، وبعد بري سوف تصبح وظيفة حزب الله تحكيم الصراعات بين الأجنحة داخل الحركة. فحزب الله سيتولى مهمة توزيع التركة وسيصبح ولي أمرها، "فأينما أمطرت فخراجها عنده".

ومن المتوقع أن يرث حزب الله جزءًا فقط من حركة أمل، حيث إنه لا يمكن لأحد أن يرث نبيه بري ويأخذ مكانه كاملًا. والسؤال المطروح: هل هناك آليه لولاية العهد داخل حركة أمل؟ الجواب أنه سوف يكون هناك ورثة كثر وبري ليس من مصلحته أن يسمي وريثًا، وربما يحاول توريث أجزاء من الحركة لأن ليس بمقدوره توريث الكل.

 وتقديريًا، فإن هناك أربعة أجزاء، منها ما هو محسوم لحزب الله ضمن ما هو شائع في التيار الموالي للحزب داخل الحركة. أما الجزء الثاني فهو جنوبي خاص لا يمكن لحزب الله أن يرثه، ويضم رجال الأعمال ومن يعارضون الحرب، وهناك الجزء الثالث البقاعي، حيث ستصبح بعلبك الهرمل بكاملها تحت لواء حزب الله، بالإضافة إلى فئة الصامتين الذين لم يشاركوا في التصويت في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهؤلاء من الشيعة في المهجر ورجال الأعمال وقسم منهم لا يعتبر أن هذا التحالف الشيعي يمثله، لذا فهم في حالة تربص لما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل لتحديد خياراتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحالة "الباسلية".. باقية وتتمدد

الإقطاع السياسي اللبناني.. ع السكين يا جمهور!