26-يوليو-2016

طلاب وأساتذة لأحد دفعات برنامج الدراسات الإسرائيلية الممول من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة

ضمن إطار التعاون الأكاديمي بين جامعة بيرزيت في رام الله والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، دشنت جامعة بيرزيت، أول برنامج ماجستير منفصل للدراسات الإسرائيلية في العالم قبل سنة ونصف تقريبًا. إذ يبحث البرنامج من خلال مجموعة من الحقول والمناهج المختلفة في بنية المجتمع والدولة في إسرائيل، سياسة وتاريخًا واقتصادًا واجتماعًا.  

وينطلق من وجهة نظر نقدية، فيتعامل مع المجتمع والدولة في إسرائيل بوصفهما مركبي حالة استعمار استيطاني كاملة وواضحة، مع إدراك لاستحقاقات هذا التعامل، ومع مراعاة لمتطلبات البحث العلمي وشروطه في نفس الوقت.

أثبت برنامج الدراسات الإسرائيلية في بيزريت أن كل معرفة أكثر عن الاستعمار، تحيل إلى قدرة أكثر على بناء نماذج نقدية معرفيًا وعمليًا

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي يقارب الذكرى المئوية للحرب العالمية

يهدف البرنامج كما يقول رئيسه الإداري د. منير فخر الدين إلى "إنتاج معرفة أكاديمية نقدية تضيف إلى النقاشات العربية والعالمية حول مختلف الموضوعات المتعلقة بدراسة إسرائيل والصهيونية، كحالة من حالات الاستعمار الاستيطاني"، وأيضا إلى "تطوير مهارات لغوية عالية في اللغة العبرية والأدب العبري عند الطلاب".

يقدم البرنامج مجموعة من الامتيازات غير المتوفرة في جامعات فلسطينية أخرى. مثل الدراسة مجانا، وتقديم منح مالية ثابتة كمرتبات شهرية للطالبات والطلاب، حتى يتسنى لهم تطبيق شرط التفرغ الإلزامي للدراسة، أحد شروط البرنامج الأساسية. إضافة إلى حصول الطلاب على امتيازات تتعلق بأماكن الدراسة مثل توفير مكاتب، ومكتبة خاصة تتضمن مجموعة من العناوين والكتب المتعلقة بحقول مختلفة في الدراسات الإسرائيلية، وتوفير الأدوات المطلوبة مثل أجهزة كمبيوتر محمولة لكل طالب من الطلبة العشرين المنضوين في إطار البرنامج حاليا.

والأهم أن مبدأ التفرغ الذي يقوم عليه البرنامج ساهم في توفر مجموعة من العناصر التي تميز بها، على غرار اشتماله على دورات مكثفة جدا للغة العبرية مضافة إلى المساقات، حتى ينهي الطالب المعتمد في البرنامج متطلبات القراءة الأكاديمية باللغة العبرية قبل التخرج. إضافة إلى ذلك فإن المطلوبات قراءة وكتابة من الطلاب توازنت مع هذا التفرغ، فيستطيع المساق الواحد تغطية عدد كبير من القراءات، وهو ما لا يتوفر في برامج أخرى.

ومع هذا، يواجه البرنامج مجموعة من الصعوبات على غرار غياب الميدان أو مجتمع البحث، فلا يسمح لمعظم طلبة البرنامج بالدخول لـ "إسرائيل". بالتالي فإن هذا الغياب فرض نمطا خاصا على تجربة البرنامج، وعلى مناهجه. ويستند الباحثون في البرنامج إلى تحليل مضامين وخطابات إسرائيلية مختلفة، لمحاولة تعويض هذا النقص.

واستطاع البرنامج بتميز عن معظم البرامج الأخرى في الجامعة، استقطاب مجموعة من الطلبة المتنوعين، فيدرس في البرنامج مجموعة من الطلاب القادمين من غزة، والقدس، ومعظم مناطق ومحافظات الضفة الغربية، ويسعى البرنامج إلى استقطاب طلاب من فلسطين المحتلة عام 1948، رغم كل الصعوبات التي تواجههم من أجل الدراسة في رام الله.  إضافة إلى ذلك، فإن البرنامج يتضمن مجموعة من الأسرى السابقين، وهؤلاء خريجو جامعات إسرائيلية، وأصحاب خبرة وتجربة مباشرة في التعامل مع السياسات الإسرائيلية المختلفة.

لعل أهم ما يقدمه البرنامج يتمثل في إضافة أدبيات عربية إلى النقاشات الأكاديمية عن إسرائيل والحركة الصهيونية

إبراهيم الطلاع (27 عاما) أحد طلبة البرنامج القادمين من قطاع غزة، موجود في رام الله من أجل إكمال الدراسة في البرنامج، يقول لـ ألترا صوت: "وجودي في هذا البرنامج جاء نتيجة رغبات مشتركة، في دراسة برنامج فريد وغير موجود مسبقا، ولم أجد شبيها له في جامعات عزة، إضافة إلى رغبتي القديمة بالدراسة في جامعة بيرزيت. والتسهيلات التي قدمها البرنامج كانت فرصتي لتحقيق ذلك"، ويضيف "استطاع البرنامج خلال سنة ونصف إثراء وجهة نظري النقدية عن دولة ومجتمع الاستعمار، فقد ألغى البرنامج التوتر المسبق، والحواجز التي توضع دائما بيننا وبين المعرفة عن العدو، وأثبت أن كل معرفة أكثر عن الاستعمار، تحيل إلى قدرة أكثر على بناء نماذج نقدية معرفيًا وعمليًا".

ويضيف مالك سمارة (26 عاما) "لا أبالغ إذ أقول إن معرفتنا عن إسرائيل مؤطّرة بتابوهات وقوالب مسبقة، وأنّنا بحاجة إلى تجاوز الكثير منها، بشكل واعٍ وعقلاني، لتحقيق فهم أدقّ عن الآخر/ العدوّ. الحديث عن اللغة يتّسق مع هذا الطّرح، فاللغة، بوصفها ممارسةً اجتماعيّة، كانت الأداة التي مكّنتنا من سبر غور آليات الخطاب التي تحكم ذلك المجتمع، والاشتباك أكثر مع مصادر المعرفة الأصيلة، ومن ثمّ قراءة المستعمِر من منظوره الخاصّ، لا من تصوّراتنا الذاتية فحسب".

يسلط جانب من مساقات برنامج الدراسات الإسرائيلية في بيرزيت الضوء على إشكاليات الهوية المركبة في المجتمع الإسرائيلي الهجين

وإضافة إلى تنوع الطلبة الموجودين، فإن البرنامج لا يستند فقط على أساتذة جامعة بيرزيت، والمهتمين بهذا المجال، بل استقطب مجموعة من الأساتذة الفلسطينيين ذوي الكفاءة، خاصة من الفلسطينيين في "إسرائيل"، الذي يدرّسون في جامعات إسرائيلية مختلفة، ما وفّر منطلقات واهتمامات مختلفة، ونقاشات دائمة وفعالة في البرنامج بين الطلبة والأساتذة.  

تتضمن المساقات التي يقدمها البرنامج، مساقات عن تاريخ الحركة الصهيونية من بدء تأسسها، وتأسس الدولة، والسياقات التي تشكلت من خلالها بناها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتسلط مساقات أخرى الضوء على إشكاليات الهوية المركبة في مجتمع هجين، يعرف نفسه ضمن أطر متناقضة دينيا وإثنيا وحتى عرقيًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل يثق المواطن العربي بمؤسسات دولته؟ المؤشر العربي

ولعل أهم ما يقدمه البرنامج، إضافةُ أدبيات عربية إلى النقاشات الأكاديمية عن إسرائيل والحركة الصهيونية، التي اقتصرت المعرفة عنها لفترة طويلة على اللغات الأجنبية. وذلك رغم استناده بالأساس مضطرًا على قراءات باللغات الإنجليزية والعبرية. ويفتح البرنامج المجال أمام تطور اهتمامات وحقول معرفية جديدة شبيهة، تسعى إلى دراسة إسرائيل من منطلقات نقدية وعلمية في نفس الوقت.  

وحسب إدارة البرنامج فإنه: "يوجد في الوطن العربي بعض المراكز البحثية التي تُعنى بالشؤون الإسرائيلية مثل "الزيتونة" في لبنان ومركز "مدار" في رام الله، فلسطين. لكن لا يوجد برنامج ماجستير للدراسات الإسرائيلية مشابه لهذا البرنامج. ففي جامعة القدس يوجد معهد للدراسات الإقليمية، يمنح شهادة ماجستير في الدراسات الإقليمية، وفيه ثلاثة مسارات، أحدها مسار الدراسات الإسرائيلية (والمساران الآخران هما مسار الدراسات العربية ومسار الدراسات الأميركية). وكل مسار يتكون من 12 ساعة معتمدة فقط. ومن الطبيعي أن يكون خريجو برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت أكثر فهما للمجتمع الإسرائيلي وأكثر تعمقا في دراسته"، وتؤكد جامعة بيرزيت على موقعها الإلكتروني أن برنامج الدراسات الإسرائيلية الممول من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "لا مثيل له في فلسطين، ولا في الوطن العربي، وهذه نقاط قوة تميز خريجيه".

اقرأ/ي أيضًا: 

المؤشر العربي.. حرية الإنسان هي الأولوية

اتجاهات الرأي العام الفلسطيني في المؤشر العربي

في مصر.. لا تعيين لحملة الماجستير والدكتوراه!