1. ثقافة
  2. فنون

مئوية حامد ندا وعبد الهادي الجزار... استعادة إرث رائدي جماعة الفن المعاصر

16 مايو 2025
عبد الهادي الجزار أرشيف العائلة
عبد الهادي الجزار (أرشيف العائلة)
محب جميلمحب جميل

يحتفي المجلس الأعلى للثقافة ووزارة الثقافة المصرية الشهر الجاري بمئوية ميلاد الفنانين حامد ندا (1924 – 1990) وعبد الهادي الجزار (1925 – 1966)، وهما من العلامات البارزة في تاريخ الفن التشكيلي المصري المعاصر ولا تزال أعمالهما الفنية تنبض بروح الأصالة والمعاصرة حتى يومنا. ومن يتابع تاريخ الفنون في مصر، لا بد وأن يدرك قيمة كل منهما ومدى تأثيرهما على العديد من الأجيال التي لحقتهما. وهكذا تبقى ذكرى ميلادهما، فرصة سانحة لتذكير الأجيال الجديدة بالبصمات التي تركاها في الفن والحياة.

جماعة الفن المعاصر

من الصعب الحديث عن حامد ندا وعبد الهادي الجزار دون الحديث عن "جماعة الفن المعاصر" والتي شكَّلت الشرارة الأولى لهما لاقتحام عالم الرسم والألوان. فقد تكوَّنت هذه الجماعة تحت إشراف المُربي حسين يوسف أمين عام 1946، حيث اختار مجموعة من تلاميذه بمدارس حلوان وفاروق الأول والحلمية الثانوية بالقاهرة. وكان أعضاؤها هم: سمير رافع، عبد الهادي الجزار، إبراهيم مسعودة، كمال يوسف، حامد ندا، سالم عبد الله الحبشي، محمود خليل، ماهر رائف. وقد نال جميعهم دبلوم كلية الفنون الجميلة، إلى جانب المعارض الفردية والجماعية التي أقاموا وأبرزت موهبة ومهارة كل فرد منهم على حدة.

لا يمكن الحديث عن حامد ندا وعبد الهادي الجزار دون الحديث عن "جماعة الفن المعاصر" والتي شكَّلت الشرارة الأولى لهما لاقتحام عالم الرسم والألوان

جاء معرضهم الأول في مدرسة الليسيه في الأربعينيات، حيث يشير الناقد الفني صبحي الشاروني في "موسوعة الفنون التشكيلية المصرية: مائة عام من الإبداع" إلى أنهم "قد أخذوا عن جماعة الفن والحرية تمردها على الفن الأكاديمي، وميلها إلى المدارس الفنية الحديثة في الغرب وخاصة السريالية، وارتكزوا في موضوعاتهم على الخرافات الشعبية، حيث استطاعوا أن يتوصلوا إلى ما وراء الظواهر اليومية في الحياة اليومية وأنماط السلوك، وأن يرجعوها إلى مخزون العقل الباطن الجماعي، وليس العقل الفردي كما فعل فنانو جماعة الفن والحرية، لهذا اقتربوا من عالم المعتقدات والأساطير الشعبية والرؤى الغيبية المتأصلة فيها. وكان ذلك يشكل من الناحية الاجتماعية وجهًا من أوجه التخلف في حياة الطبقات الفقيرة".

لم تتمكن جماعة الفن المعاصر من الاستمرار في نشاطها الفني، لأسباب تاريخية معقدة مثل التحولات الجذرية التي حدثت في المجتمع المصري إلى جانب غياب أبرز أعلامها.

حامد ندا... فنان الخرافات والأساطير الشعبية

نشأ حامد ندا (1924 – 1990) في الخليفة بالقلعة، لوالد متدين ميسور الحال يقوم بالإشراف على مساجد عدة. وقد أتاحت له نشأته في هذا الحي التاريخي أن يختبر تناقضات الحياة منذ طفولته، من التفتح إلى الخرافة ومن الثراء إلى الفقر ومن الشبع إلى الجوع. كما استمع في طفولته إلى حكايات الجدات عن العفاريت والجان والساحرات والديوك المذبوحة والقطط ذوات السبعة أرواح. ناهيك عن أنماط العمارة الإسلامية المتشابكة في هذا الحي، من الطُرز المملوكية والأيوبية والعثمانية. وإلى جانب هذا كان للموالد الشعبية، دور مؤثر في تكوينه الفني لما بها من طقوس وفقرات جذابة.

فجاءت لوحاته الأولى خلال عام 1946، بسيطة تعكس مفردات الطفولة والبيئة التي نشأ بها، قبل أن يتعرف بعدها على الحركة السوريالية. فراح ينهل منها ويشاهد أعمال روادها ويقرأ يونج وفرويد وإدلر عن الوعي واللاوعي ومناهج التحليل النفسي. فكان يشعر في قرارة نفسه أن يكمل ما قرأه في كتاب طفولته وصباه وما صوره في رسوماته والتي يصفها الناقد الفني عز الدين نجيب في دراسته عنه بمجلة إبداع (تموز/يوليو 1990) بقوله: "كانت السمة العامة لهذه الرسوم هي البدائية الساذجة التي تناسب مضامينها ورموزها الخرافية، وهي سذاجة فطرية ساذجة لا أثر فيها للتصنع أو الحرفية".

كانت حقبة الخمسينيات من المحطات الفارقة في مسيرته، حيث تحرر شخوصه من الجمود ودبت فيهم الحركة والنشاط. وكان السر وراء هذا التحوّل البنائي هو انفتاحه على الفن الفرعوني والشعبي. وهي المرحلة التي يصفها نجيب بقوله: "وأصبح الوضع الجانبي للأشخاص هو المفضَّل دائمًا لديه، مع الاهتمام بحركات الأذرع والأيدي والسيقان العارية ذات اللون البني الدافئ الذي يحاكي لون الأجسام الفرعونية".

ولم تنفصم لوحاته في أي لحظة عن الواقع الذي عايشه، فجاءت أعماله في الستينيات مواكبة لروح العصر ومستلهمة لمفاهيم التحرر الوطني والعدالة المجتمعية. قبل أن ينتقل إلى مرحلة السبعينيات ويدخل في حالة من "الصفاء النوراني الشفيف" بتعبير نجيب. ويبدو السر وراء ذلك هو ضعف حاسة السمع لديه، مما جعله أكثر تأملًا وانعزالًا عن العالم الخارجي. وبدأت مفردات جديدة تتسلل إلى معجمه البصري مثل الحصان والكتابات العربية والهرم والفونوغراف وغيرها. وفي مرحلة الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ازداد حس التهكم والسخرية لديه مع استخدام أوسع للإيقاعات الشرقية والطبول والأبواق.

لقد كان حامد ندا بتعبير د. نعيم عطية "رائد الاتجاه نحو الشعبية" في التصوير المصري المعاصر، كما وصفه في دراسته الشيقة عنه بمجلة المجلة (تموز/يونيو 1969).

عبد الهادي الجزار... رسام الفضاء والخرافات الشعبية

ولد عبد الهادي الجزار (1925 – 1966) في حي القباري بالإسكندرية، قبل أن يقضي طفولته وشبابه في حي السيدة زينب بالقاهرة. وكما الحال مع ندا، فقد تفتح وعي الجزار مبكرًا على مظاهرة الحياة المترسخة في واحد من أبرز الأحياء الشعبية بالقاهرة، حيث طقوس الحياة اليومية الحافلة بالموالد وحفلات الزار والأحجبة والحواديت الخرافية. وتفتحت موهبته الفنية في مراحل مبكرة، حيث تعرف إلى الأستاذ حسين يوسف أمين ودرس على يديه لعامين، قبل أن ينضم إلى جماعة الفن المعاصر. ففي عام 1942، خاض الجزار أول مسابقة للرسم وهو لم يزل طالبًا في الثانوية. وكانت عبارة عن رسم لوحة إعلانية لاستخدامها في غرض للدعاية الصحية. ففاز بالمركز الأول، ليدرك أن الرسم، هو المسار السليم الذي لا بد وأن يمضي به.

وفي المسابقة العامة في المرحلة التوجيهية، فاز أيضًا بالمركز الأول بين الطلاب. والتحق بعدها بكلية الفنون الجميلة، بعد أن اجتاز اختبار القبول، متفوقًا على كل أقرانه. ونجح في الحصول على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف وتم تعيينه معيدًا بقسم التصوير بالكلية، قبل أن يسافر عام 1958 إلى إيطاليا في بعثة رسمية. وهناك حصل على دبلوم الترميم، إضافة إلى شهادة التخصص في التكنولوجيا من أكاديمية الفنون الجميلة في روما. وذلك قبل أن يعود مجددًا إلى مصر عام 1961. وقد حصد خلال حياته العديد من الجوائز المحلية والعالمية المرموقة، حيث كرمته الدولة قبل وفاته بمنحة جائزة الدولة التشجيعية في التصوير عن لوحته "السد العالي".

بدأ الجزار حياته المهنية بمجموعة من الأعمال التي تتناول نشأة الإنسان وعلاقته بالكون المحيط إلى جانب عالم البحار والقواقع. قبل أن يبدأ في مرحلة جديدة من نهاية الأربعينيات، مستمدًا عناصرها الفنية من البيئة الشعبية المصرية، فكانت هذه الأعمال من أبرز ما قدم في حياته.

يقول عن تجربته الناقد الفني د. صبري منصور في دراسة بمجلة إبداع (أيلول/سبتمبر 1984): "ونعتقد أن الصواب قد جانب النقاد الذين نظروا إلى الجزار على أنه فنان سريالي، تلك الصفة التي كانت تتطلق على أي فنان يحمل عمله قدرًا من التشويه أو تحريف الشكل الطبيعي، والجزار نفسه ينفي هذا الوصف عنه، إذ كان يعتقد بأنه يختلف عن فناني السريالية اختلافًا واضحًا، فينما هم يعبرون باللاشعور، ويعالجون موضوعاتهم بما يقع خلف العقل الواعي، فإنه يتقدم إلى الأمام، ويدرس ظواهر الطبيعة نفسها لتكون رموزًا حسية أقرب إلى الأذهان. وذلك لا ينفي بالطبع أن أعمال الجزار قد حملت في ثناياها إيحاءات سريالية بل ورمزية وتعبيرية أيضًا، لكنه يظل بمنأى عن قولبته داخل إحدى هذه المدارس أو حصره في إطار تعاليمها".

لم يكن الجزار في لوحاته التي استمدت عناصرها من محيطه الشعبي، منفصمًا عن بيئته بل نجد أن بعض لوحاته كانت تلقي ظلالًا كثيفة على العادات السلبية بالمجتمع مثل الاستسلام للخرافات أو التجرد من الكرامة أو الجوع والفقر. ولذلك لم ينجو من تجربة السجن والاعتقال في نهاية الأربعينيات، حيث صورت لوحته "الجوع" أو "الكورس الشعبي" والتي تصور مجموعة من الشخوص يقفون أمام جرار وأطباق خاوية. وقد اعتبرتها السلطة الحاكمة حينها، تعبيرًا صارخًا على نقد الأوضاع المعيشية.

كان الجزار من أكثر الفنانين مواكبة لعصره، فعند عودته من بعثته إلى إيطاليا كانت مسألة غزو الفضاء من الأمور المطروحة بقوة على الساحة. ولذلك بدأت لوحاته تأخذ منحى جديدًا كليًّا، بعد أن تشبَّعت مرحلته الوسيطة في تناول البيئة الشعبية وما فيها من غرائبية وطقوس. فظهرت مرحلة رجال الفضاء والكواكب الأخرى وما إلى ذلك. وسرعان ما تأخذ حياته المنحى اتجاهًا جديدًا، عندما يزور موقع بناء السيد العالي عام 1963 ويتأثر في موقع البناء بثنائية الإنسان والآلة الميكانيكية الضخمة. لتصبح لوحاته بعد ذلك تعبيرًا عن سطوة الآلة على الإنسان وانسحاقه في التروس العملاقة.

وبعد رحيله بعام كتب عنه حسين يوسف أمين مقالًا رثائيًّا نشرته مجلة المجلة (نيسان/أبريل 1967) جاء فيه: "إن هذا الفنان الشاب قد افتقدناه بل افتقدته مصر والأمة العربية في الوقت الذي كنا فيه أحوج ما نكون إليه. طواه الموقت بعد رحلة قصيرة من العمر ولكنها رحلة طويلة شاقة حافلة بالجهاد صارع خلالها بشجاعة تيارات الرجعية وللخلاص من آثار التبعية ومركب النقص الذي كان يسود حياتنا في العهد الماضي".

كلمات مفتاحية
ملصق المسرحية (صفحة allo beirut)

"وداد النملة يلّي عم تحفر بالصخر".. حكاية امرأة تنتزع الذاكرة من غياهب النسيان

مسرحية تعيد النبش عن المفقودين وتداعيات الحرب الأهلية في لبنان

القصر الكبير في باريس (الموقع الرسمي)

القصر الباريسي الكبير يحتضن مركز "بومبيدو" الثقافي مؤقتًا

إعادة افتتاح القصر الكبير في باريس بعد أعمال ترميم ليصبح المقر المؤقت لمركز بومبيدو الثقافي

لوحة بيكاسو المتضررة (شبكات تواصل اجتماعي)

ناشط مناخي كندي يقدم على تخريب لوحة لـ"بياكسو"

تخريب لوحة لبابلو بيكاسو في مونتريال بكندا من قبل أحد الناشطين في مجال المناخ

الاتحاد الأوروبي
حقوق وحريات

تحقيق أوروبي يرصد إخلال إسرائيل بالتزاماتها.. ومراجعة مرتقبة للشراكة الاستراتيجية

من المتوقع أن يناقش الاتحاد الأوروبي يوم غد الإثنين "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"

ملصق المسرحية (صفحة allo beirut)
فنون

"وداد النملة يلّي عم تحفر بالصخر".. حكاية امرأة تنتزع الذاكرة من غياهب النسيان

مسرحية تعيد النبش عن المفقودين وتداعيات الحرب الأهلية في لبنان

منصة المحاضرة (وكالة الأنباء القطرية)
نشرة ثقافية

محاضرة بمركز "حسن بن محمد للدراسات التاريخية" حول تاريخ المتاحف العربية

محاضرة حول تاريخ المتاحف في الوطن العربي مع التركيز على تجربتي مصر وقطر

القصر الكبير في باريس (الموقع الرسمي)
فنون

القصر الباريسي الكبير يحتضن مركز "بومبيدو" الثقافي مؤقتًا

إعادة افتتاح القصر الكبير في باريس بعد أعمال ترميم ليصبح المقر المؤقت لمركز بومبيدو الثقافي