"مؤسسة غزة الإنسانية".. توزيع مشبوه للمساعدات يستدعي من واشنطن فتح تحقيق
31 يوليو 2025
أثار عمل ما تُسمّى "مؤسسة غزة الإنسانية" موجة من الانتقادات، استنكرت أسلوبها وشكّكت في حيادها، بل حمّلتها مسؤولية المجازر التي وقعت عند نقاط توزيع المساعدات التي تشرف عليها. فقد تحولت تلك النقاط، مع مرور الوقت، إلى مصائد موت للفلسطينيين الذين ينتظرون المساعدات لساعات في أماكن تفتقر إلى الحد الأدنى من التنظيم والكرامة الإنسانية.
ومع تجاوز عدد الضحايا تلك المصائد 1300 شهيد، تصاعدت الدعوات إلى فتح تحقيق في دور "مؤسسة غزة الإنسانية" واحتمال تورّطها في الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق طالبي المساعدة.
وفي أحدث تحرك ضد هذه المؤسسة الأميركية الخاصة، التي تأسست في شباط/فبراير 2025 وأسندت إليها مهام توزيع المساعدات باتفاق أميركي–إسرائيلي، وجّه 93 نائبًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأميركي طلبًا إلى وزير الخارجية ماركو روبيو بفتح تحقيق عاجل في "هيكلية وعمل المؤسسة، التي تتولى حاليًا إدارة مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة".
وأعرب المشرّعون في رسالتهم إلى روبيو عن استغرابهم من أن مؤسسة بهذا القدر من الحداثة، وتفتقر إلى الكفاءة والخبرة، ماضية نحو أن تصبح المزود الرئيسي — وربما الوحيد — للمساعدات الغذائية في غزة. وهو ما يعزّز الشكوك حول الهدف الفعلي من تأسيسها، ومنحها صلاحيات شبه حصرية في التوزيع تحت رقابة جنود الاحتلال، وهو ما قد يفسر جزئيًا العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال محاولتهم الوصول إلى المساعدات.
وجّه 93 نائبًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأميركي طلبًا لوزير الخارجية ماركو روبيو بفتح تحقيق عاجل في هيكل وعمَل ما تسمى مؤسسة غزة الإنسانية
في العريضة التي قدّمها أعضاء في الكونغرس الأميركي، شدّد الموقّعون على أن "تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بشكل آمن وفعّال لا يُعدّ التزامًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة لأمن إسرائيل وضمان عودة الأسرى".
وتضمنت العريضة تحذيرًا من "خطورة عمليات مؤسسة غزة الإنسانية وافتقارها إلى الفعالية"، مشيرة إلى أن "نظام التوزيع القائم على أسبقية الوصول أدّى إلى حالة من الفوضى وسقوط ضحايا"، كما انتقدت "غياب الشفافية والرقابة" في عمل المؤسسة.
وفي ما يتعلق بتمويل المؤسسة، أبدى النواب استغرابهم من غياب المعلومات حول مصادر الدعم المالي، مطالبين بالكشف عن "مصادر تمويل المؤسسة، وتفاصيل تعاقداتها مع شركات الأمن، وأصول المساعدات وأسعارها".
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مصادر مطلعة أن وزارة الخارجية الأميركية تدرس تخصيص 500 مليون دولار دعمًا للمؤسسة، رغم التحذيرات من أن هذه الخطوة قد "تورط واشنطن بشكل أعمق في جهود إغاثة مثيرة للجدل، تشوبها الفوضى والعنف"، بحسب مسؤولين أميركيين كبار.
يُذكر أن "مؤسسة غزة الإنسانية" بدأت عملها في توزيع المساعدات داخل القطاع في أيار/مايو 2025، بعد تأسيس مقرها في جنيف وترخيصها القانوني في شباط/فبراير من العام نفسه. وقد سُجلت كمؤسسة أميركية خاصة، وعرّفت مهمتها بأنها "تخفيف الجوع في غزة وضمان عدم وصول المساعدات إلى حركة حماس"، وفقًا لما جاء في تعريفها الرسمي.
لكن تقريرًا لوكالة "رويترز" كشف عن علاقات تربط المؤسسة بجهات أمنية أميركية. ورغم نفي كل من واشنطن وتل أبيب تمويل عمليات المؤسسة، إلا أنهما، وفق مصادر متعددة، تمارسان ضغوطًا على الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية للتعاون معها.
وفي مطلع تموز/يوليو، طالبت أكثر من 170 منظمة إنسانية دولية بإغلاق "مؤسسة غزة الإنسانية"، متهمةً إياها بتعريض المدنيين للخطر. كما تعرضت المؤسسة، منذ بدء عملها، لانتقادات من جهات إنسانية، من بينها الأمم المتحدة، بسبب افتقارها إلى الحياد، إلى جانب استقالات متتالية من كبار موظفيها، ما اضطرها إلى تعليق عمليات التوزيع مرتين.
وفي أحدث إحصائية نشرتها وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الشهداء الذين قضوا في مواقع توزيع المساعدات نحو 1300 فلسطيني، سقطوا برصاص قوات الاحتلال. وخلال مؤتمر صحفي، طالب المدير العام لوزارة الصحة في غزة المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بزيارة مستشفى الشفاء "لمعاينة ما تسببه آلية توزيع المساعدات التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية"، حسب تعبيره.
إدانة لسياسات التجويع الإسرائيلية في غزة:
وجّه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي انتقادات حادّة إلى سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين في غزة. وفي هذا السياق، قال السيناتور الديمقراطي رافاييل ورنوك إنّ "تجويع الأطفال والمدنيين حتى الموت جريمة أخلاقية كاملة الأركان"، مشددًا على ضرورة تحرك إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي فورًا لتغيير هذا المسار وتوفير الغذاء لسكان القطاع.
من جهتها، اعتبرت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن أنّ حكومة نتنياهو "خلقت كارثة تاريخية في غزة"، مشيرة إلى وجود 6 آلاف شاحنة مساعدات عالقة على الحدود، في وقت "يتضور فيه الأطفال جوعًا".
أما السيناتور بيرني ساندرز، فوصف ما تفعله إسرائيل في غزة بأنه "تطهير عرقي"، مضيفًا: "الأطفال يموتون جوعًا، وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تشن حرب إبادة غير قانونية وغير أخلاقية ضد شعب غزة". وأوضح ساندرز أنّ القصف الإسرائيلي العشوائي دمّر أكثر من 70% من البنية التحتية والعمران في القطاع، وقتل أكثر من 18 ألف طفل فلسطيني، على حدّ تعبيره، قبل أن يختتم بالقول: "نتنياهو كاذب مقزز".