26-فبراير-2023
مؤتمر غسّان كنفانيّ للرواية العربيّة

من جلسات المؤتمر

أقيمَ في العاصمة الأردنيّة عمّان في الفترة من 14 إلى 16 من شهر شباط/فبراير مؤتمر غسّان كنفانيّ للرواية العربيّة، فلسطين في الرّواية العربيّة: تحوّلات في الرؤية والتشكيل. وشمل المؤتمر الذي كان برعاية وزارة الثقافة الفلسطينية والأردنيّة المحاور الآتية: المحور الاول: فلسطين في أدب غسّان كنفانيّ. المحور الثّاني: بنية الشخصيّات الروائية: اللاجئ، المقاوم، المرأة، المثقف، اليهوديّ.. إلخ. المحور الثالث: صورة المكان: المدينة، القرية، المخيم، مدن الشتات.. إلخ. المحور الرّابع: سؤال الهُويّة والمنفى. المحور الخامس: عوالم الدستوبيا واليوتوبيا. المحور السّادس: جدليّة العلاقة بين الإيديولوجيّ والفنيّ؛ تكامل أم تضاد؟ المحور السّابع: فلسطين في المشهد الرّوائي الرّاهن: حضور أم غياب؟ المحور الثامن: الرّواية الفلسطينية والترجمة. المحور التّاسع: فاعليّة الذاكرة في الرواية الفلسطينية.

وقد قُدّمت في المؤتمر العديد من الأوراق النقديّة والشهادات، التي سوف نتوقف عند البعض منها.

ثمة أربع روايات شكّلت الأوديسيّة الفلسطينيّة، هي: "عائد إلى حيفا" و"ما تبقى لكم" لغسّان كنفانيّ، ورواية " المتشائل" لأميل حبيبي، وراوية "البحث عن وليد مسعود"

قدّمت نادية هنّاوي دراستها بعنوان: سرديّةُ الأرضِ في روايات غسّان كنفانيّ، عرضت في مدخل الدّراسة أوائل من استخدموا لفظة "الأرض" في أدبِهم الشعريّ، وتمحوّر هذه اللفظة بين الكتّاب والفلاسفة واقترانها بضديّة السّماء. وأشارت إلى أن الأرض تتعدد في معانٍ متنوّعة لكنها تتأصل في معنى الوطن. ومن هذا المَعنى عرضت هنّاوي مجموعة من التأصيلات تتعالق مع معنى الوطن في الأرض، وقد سمّت هذه التأصيلات: تمفصلات سرديّة الأرض، وكانت في حدود ثلاثة تمفصلات: التمفصل الوجوديّ، حيث كان حاضرًا في رواية "رجال في الشمس"، إذ وجد البطل راحته في الأرض التي رآها شاخصة من لحم ودم، تخفق وترتجف. كذلك في رواية "ما تبقى لكم" حيث تعتري السّارد الذاتيّ، حامد، مشاعر مخيفة فلم يكن يطمئن لشيء إلّا للأرض. التمفصل الفكريّ، وضّحت فيه هنّاوي مشروع غسّان كنفانيّ بأنّه مشروعٌ فكريّ؛ حيث شكّلت فلسطين هتروتوبيا (Heterotopia) كأرض مغايرة لأي أرض، فلا هي الجنّة الموعودة، ولا هي جهنّم المنبوذة. مشيرةً إلى أنّ رواية "ما تبقّى لكم" تمثل نموذج هتروتوبيا الحقّ في الأرض. التمفصل الأنثويّ، فيه تكون الأرض امرأة هي الأمّ والحبيبة، وكانت رواية "أمّ سعد" أكثر الروايات التي تمثل التمفصل الأنثويّ حيث الأرض هي أم سعد، وأم سعد هي الأرض.

عرض جمال مقابلة دراسة بعنوان: تحوّلاتُ العائدِ قراءةٌ في أوديسيّة فلسطين. حيث قرأ المقابلة تحوّلات العائد، انطلاقًا من علائقيّة تشاكلية للفظة "العائد" في أربَعِ روايات شكّلت بنظرهِ الأوديسيّة الفلسطينيّة، كما أنّها شكّلت علاقة تحاور وتداخل على مستوى النصّ والفكرة، وهذه الروايات: "عائد إلى حيفا" و"ما تبقى لكم" لغسّان كنفانيّ، ورواية " المتشائل: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النّحس" لأميل حبيبي، وراوية "البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا. أراد المقابلة في دراسته تطوير مصطلح "الراويّ في الرواية" وهو مصطلح تبناه للتحليل السرديّ، يقوم على استثمار المعنى اللغويّ للرواية والمعنى الاصطلاحيّ لها، والتناصّ والوعي بالكتابة والميتاقصّ ونظريّات الأدب المقارن وربطها بقلق التأثّر عند هارولد بلوم. أمّا فلسفة التسمية فنجد ربط العودة والعائد والباقية وسعيد ومسعود، وهي من جذر واحد "عود"، وهذا ما نجده في الروايات الأربعة، كما أيضا نجد الفداء والتضحية في الابن والأخ والأب.

الناقِد والمفكّر السعوديّ سعد البازعي استنكر غياب فكرةِ فلسطين عن الرّواية العربيّة، فقدّم دراسته المعنونَة بـ: فلسطين في شَتاتِ الرّواية العربيّة نماذج للحضور الفلسطينيّ، كان النموذج الأوّل: رواية للكاتب المصريّ صنع الله إبراهيم "أمريكانلي" يرويها أستاذ تاريخ يذهب إلى أمريكا بدعوة من مركز دراسات جامعيّة لتدريس التاريخ المصريّ، وهناك يمكن للقارئ أن يجد الإشارات الآتية للقضية الفلسطينية: البطل شكري يلتقي بباحث فلسطيني مختص بالأدب ينتقد السياسة الأمريكية ومؤمن بنظرية المؤامرة. كما تظهر إشارة إلى زميل بطل الرواية شكري مع يهود غير صهاينة، كما كان في الرواية إشارة إلى كِتاب "التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي" وغيرها من الإشارات. هدف صنع الله من الرواية، وفق رأي البازعي، هو حضور الشتات من ناحية، والتأريخ للمواقف الغربيّة الأمريكيّة بصفة خاصّة تجاه فلسطين وإسرائيل التي تحضر بوصفها الكَيان المسؤول عن الشتات والنّكْبة.

والنموذج الثاني كان رواية "البحريّات" للكاتبة السعوديّة أميمة الخميس، حيث تتحدث الراوية عن نهضة عمرانيّة وفكريّة في منطقة الرياض في ستينيات القرن الماضي، ومن هذه النّهضة كانت نهضة التّعليم، وتعليم المرأة السعوديّة، ومن هنا كان التعاقد مع معلّمات عربيّات قادِمات من البَحر يسمين بالبحريّات، حيث تطلق هذه التسميّة للقادمين من البحر، ومن البحريات كانت المعلّمة الفلسطينية رِحاب القادِمة من بيروت إلى شتات آخر، تحمل أثقال خيانة العرب لفلسطين، وأثقال خيانة عشيقها لها، وهناك تحدث المفارقة والتواصل والإشارات المختلفة للقضية الفلسطينية وقضية تحرير الأرض.

قدّم الدكتور نبيل حدّاد دراسة بعنوان: الشّخصيّة الدستوبيّة في رواية "الشيء الآخر أو من قتل ليلى الحايك"، وفيها عرض لأهم منجزات الأدب الدستوبيّ في الوطن العربيّ ليقارنها مع رواية من قتل ليلى الحايك، ليخلص حدّاد في دراسته بأن هذه الرواية لا ترتقي لأن تصل إلى مفهوم الأدبِ الدستوبيّ ذلك لأنّها تفتقد البعد المكانيّ أي المدينة الخراب، كما أنّها تفتقد لعوامل البؤس، بل هي أقرب إلى حالة باريسية برجوازية على مستوى الشخصيّات، وأضاف حدّاد في دراسته: إنّ البنية الحكائية لروايةِ من قتل ليلى الحايك بصورتِها الحالية لا تحتمل الإطار الروائي، بل قد يلائمها إطارً أضيق هو إطار القصّة القصيرة أو النوفيلا على أبعد تقدير لسبب ربما بدا بسيطًا؛ أن المتن الحكائي قد حشر على سعته وتشعباته ضمن رسالة يكتبه صالح لزوجته ديما مجددًا تأكيد إخلاصه ومحبته وبعض الوقائع التي لا تشفي له غليلًا، مما يُدرج الزمن الفني للرواية ضمن زمن قراءة العمل.

قدّمت سمر عبد العظيم دراسة بعنوان: المرجعيّة السياسيّة في أدب غسان كنفانيّ. حيث نمذجت مجموعة من المرجعيّات السياسيّة في أربع روايات لغسّان كنفاني: رجال في الشمس، ما تبقى لكم، أم أسعد، عائد إلى حيفا. وقد خلُصت على أنّ أهم الأحداثِ السياسية وثّقت بطريقة السرد الكنّفاني، وكانت خلاصة هذه الأحداث المتواترة في السّرد الكنفاني: إنهاء ثورة عام 1936، وكسر إضراب الستة أشهر وفق مصطلح الخيانة. بيع البرجوازية العربية وبعض أهل فلسطين أجزاء من أرض فلسطين. شح السّلاح بيد رجال المقاومة. ضعف القيادة العربيّة. هجرة اليهود إلى فلسطين. دور الصّحافة السلبيّ في تغطية الحرب، جرائم اليهود قبل الحرب وأثنائها. تواطئ الإنكليز مع اليهود.

غامر غسّان كنفانيّ في رواية رجال في الشمس في اختيار شخصيّاته وفي صياغة اختيار طريقهم ، وذهب بعيدًا عن بعض التصوّرات الواقعيّة التبسيطيّة المحدودة التي كانت بقاياها لا تزال حاضرة في بعض الكتابات العربيّة 

قدّم الباحث حسين حمّودة دراسته بعنوان: تقاطُعات اللّقاء والطّريق، وقد تطرّق في هذه الدّراسة إلى بعضِ المفاهيمِ النقديّة الّتي استخدمَها النّاقد الروسيّ ميخائيل باختين وإسقاطها على رواية رجال في الشمس: كرونوتوب اللقاء، وكرونوتوب الطريق ليصل إلى أنّ رواية رجال في الشمس ترقى إلى مستوى الأمثولة، وفي هذا يقول الباحث: غامر غسّان كنفانيّ في اختيار شخصيّاته وفي صياغة اختيار طريقهم ، بالذهاب بعيدًا عن بعض التصوّرات الواقعيّة التبسيطيّة المحدودة التي كانت بقاياها لا تزال حاضرة في بعض الكتابات العربيّة خلال زمن قريب من زمن كتابة رجال في الشّمس، وهي تصوّرات دارت حول البطل الإيجابي الذي تشير في النهاية إلى مستقبل قريب مشرق قادم وقريب.

أمّا الشهادات فقدّم الروائي السوريّ المغيرة الهويدي الحاصل على جائزة غسّان كنفاني للروايّة عن روايته "قماش أسود" في دورتها الأولى 2022، إذ كانت شهادتهُ فكرة لا تحتاج للفهم، بل تحتاج للإحساس وذلك في حدود تعبير غسّان كنفانيّ لذلك يقول الهويدي: سأكتبُ عن الإنسانِ الّذي فقدَ حقّهُ في إثبات وجوده، وصارَ صوتُه أنينًا ضعيفًا غاب خلف زوابعِ الخِطابات الصّارخة والمزاودات والتخوين.. وأضافَ المُغيرة: لأكثرَ من ثلاثِ سَنواتٍ وأنَا أكتبُ في روايةِ قِماش أسود، أجمعُ وأوثّقُ الانتهاكات التي حدثت. والمادّةُ الّتي جَمعْتُها كانت كبيرةً جدًّا، وهي تخصّني بشكل شخصيّ، قمتُ بتوظيفِ بعضِها بما يتناسبُ مع القصّةِ مثل اختطاف واغتيال بعض أقاربي وأصدقائي من الناشطين والمدنيين قُبيل سيطرة التنظيم. أضافَ المغيرةُ: كانَ غسّان كنفاني دومًا تعبيرًا عن فلسطين الّتي عشْنا نحلمُ بها، ونخيطُ الحدّ الفاصل معها بالألم المشترك والتاريخ والذاكرة.. كان أدبُ غسّان كنفاني نافذةً أُطِلُّ منها على الإنسان ومعاناته، فرأيتُ في خيامِ النّزوح التي عاش بها أهل المخيّمات الفلسطينية، وسمعتُ صوت أم سعد ترد: خيْمة عنْ خيْمة تفرق، وأدركت مرارة هذا الفرق الّذي تشيرُ إليه وأنا أقلّب بالصور التي كانت تصلني عن مخيّماتٍ أقام فيها أهلي.

الأديبة سامية العطعوط قدّم شهادتها في ثلاث عتبات: النشأة، وفيها تحدّثت عن لحظات دخول اليهود إلى نابلس، وتحوّل حياتها من الرفاهية، إلى الفقر والعدم وبداية تعلّقها بالقراءة، ثم تحدثت في عتبة إشكاليّة الهوية عن الشعور بنقص الهُوية في أتون المدّ الماركسيّ والشيوعي والقومي. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت الهُويّة تتشكل بعيدًا عن الجذور الفكريّة. وفي عتبة الآن.. الوجهة أشارت عطعوط إلى مسألتين يجب أن يبرزا في أهداف المؤتمر: المصطلحات الإعلامية في التعامل مع عمليات المقاومة. وأيضًا زيادة اهتمام المؤسسات الفلسطينية والجامعات العربية بالسردية الفلسطينية كمشروع مضاد للسرديّة اليهوديّة.