29-يوليو-2018

استعان مؤتمر السيسي للشباب بمواد صحفية من موقع مصر العربية المحجوب والمعتقل رئيس تحريره (يوتيوب)

مصر المتناقضة، أو كما تقول كلمات الأغنية: "كل حاجة و عكسها". يمكن لمحللي الأخبار السياسية والمتابعين، أن يحاولوا خلق أطر تنظيرية لمؤتمرات الشباب التي ينظمها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظامه تباعًا، خاصة في ظل محاولات تغيير خارطة وشكل الإعلام المصري تمامًا، ليكون نسخة واحدة متعددة الصور بلا أي إبداع. لكن المشكلة أن الطبخة تنقص في كل مرة شيئاً ما، فتفسد.

اعتمد مؤتمر الشباب الذي يعقده السيسي هذه الأيام، في إحدى جلساته، على مواد مصورة لموقع مصر العربية المحجوب ورئيس تحريره معتقل!

انطلق أمس السبت، مؤتمر الشباب في دورته السادسة، بجامعة القاهرة. ويُعقد المؤتمر خلال الشهور الأولى من الفترة الرئاسية الثانية للسيسي. ويتناول في أهم محاوره منظومة التعليم الجديدة المقترحة من قبل وزير التربية والتعليم.

اقرأ/ي أيضًا: بعد التحفظ على "مصر العربية".. رئيس التحرير لـ"ألترا صوت": القرار فاشي!

في هذا السياق، وفي جلسة "إستراتيجيات التعليم" التي قاربت الساعتين، شاهد السيسي فيلمين تسجيلين عن التعليم في مصر، أولهما فيلم تحت عنوان "أهل العلم"، يتعرض لبدايات التعليم في مصر، حيث برز أهم شخصياته في التاريخ المصري مثل أحمد لطفي السيد ونبوية موسى، وغيرهما. أما الفيلم الثاني الذي أفسد الطبخة، فكان فيلم يتعرض لمشكلات التعليم بجرأة غريبة على السياق العام الذي يرضي مزاج السلطة في مصر الآن، وإن كان قد تم تذييله في النهاية بجمل من النوع الذي تفضله سرديات السلطة عن "الأمل" و"الإرادة" وعدم مقاومة التغيير.

غير أن المفاجأة في هذا الفيلم، اعتماده على تقارير مصورة من موقع مصر العربية، المنصة الإعلامية الإلكترونية التي تعرضت لأشرس حملات الهجوم والتضييق والحجب طبعًا، حتى أن رئيس تحرير الموقع، عادل صبري، معتقل الآن!

الصحافة النزيهة تفرض نفسها

الفيلم الذي عرضه المؤتمر تعرض لتحديات التعليم في مصر، مُصدرًا تعليقات ومشاهد صادمة من واقع الشارع المصري، حيث تناول السياسيات المتغيرة المتعاقبة التي أصابت الشارع المصري بالارتباك والغضب والحسرة، وترك لديه شعورًا دائمًا بأنه مجرد حقل تجارب لأمزجة الحكومات المتعاقبة.

وكان غريبًا أنه استعرض رأي الشارع المصري بصراحة عن محتوى المناهج التعليمية الذي يعتمد التلقين والحفظ، ولا يفيد الطالب في سوق العمل في النهاية. كما أنه تناول الحديث عن واحدة من أهم الأزمات التي يعاني منها الطلاب في كل محافظات مصر، وهي عدد الطلاب في الفصول، والذي قد يصل إلى 55 طالبًا في الفصل الواحد، أو أكثر.

وفي سياق الترويج لخطط التعليم الجديدة التي تنادي بها وزارة التربية والتعليم في مصر تحت رئاسة طارق شوقي وزير التربية والتعليم، والتي تقابل معارضة كبيرة من الشارع المصري؛ بث الفيلم مشاهد لغضب هيستيري لطلبة ثانوية عامة خارجين للتو من الامتحانات وسط صراخ وبكاء وحزن وحالات إغماء وغضب كبير من الأهالي.

في الدقيقة "1:39" يظهر رجل يبدو أنه من الريف، يهتف في وجه المذيع: "أنا عاوز حق بنتي في ظل دولة القانون"، وهي جملة ستُعجب من يسمعها على أساس أن الحقوق في مصر مكفولة بالقانون. هذه الجملة مقتطعة من تقرير أعده موقع مصر العربية تحت عنوان: "ولاد المسؤولين بياخدوا مكان الغلابة في الجامعات"، ويعود للعام 2015.

وفي هذا التقرير المصور، يشتكي أهالي الطلاب من تلاعب مكاتب التنسيق بمصائر أولادهم في الكليات، حيث يكون الطالب مجبرًا على ملء ورقة التنسيق بـ48 رغبة ليختار له مكتب تنسيق الجامعات الرغبة التي تناسب مجموعه، ولكن الأهالي فوجئوا بمكتب التنسيق يرد عليهم بأن "الطالب قد استنفذت رغباته"، وهو ما يعني حرمانه من مكانه في الجامعة في العام الدراسي.

المفارقة التي يثبتها المشهد، أن مصر يضيع فيها القانون، ولكن القائمين عليه يستعينون باستغاثات "الغلابة" بالقانون كديكور ضروري للمصداقية!

المقطع الثاني أشار إليه أحمد محمد عبد الجواد، نائب رئيس تحرير موقع مصر العربية، في منشور له على فيسبوك، يشير فيه إلى أن وزارة التربية والتعليم، حين أرادت الإشارة إلى مشاكل التعليم في مصر، اعتمدت بنسبة كبيرة على تقارير ميدانية من موقع مصر العربية، الذي تعتقل رئيس تحريره عادل صبري بتهمة نشر أخبار كاذبة!

المفارقة الواضحة، هي أنه لا يمكنك أن تتهم موقعًا بنشر أخبار كاذبة ثم تستعين بمحتواه، لأن ذلك يعني أن الموقع فيه محتوى احترافي إلى الحد الذي يجعل الاستعانة به أمرًا يفرض نفسه، كما يعني أن الكاذب في هذه المعادلة ليس موقع مصر العربية.

عادل صبري خلف القضبان

في نيسان/أبريل الماضي اقتحمت السلطات المصرية مقر موقع مصر العربية بحي الدقي في الجيزة. لم يكن ذلك الاقتحام الأول على أية حال، غير أنه كان أولى بشارات الفترة الرئاسية الثانية للسيسي.

وقد تعرض موقع مصر العربية، المُشهر، والمرخص، للعديد من التضييقات، إحداها حين فرض المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أعلى هيئة تابعة للدولة لإدارة شؤون الصحافة والإعلام في مصر، غرامة على الموقع قدرها 50 ألف جنيه مصري، أي قرابة ثلاثة آلاف دولار أمريكي، وذلك بسبب نشره ترجمة لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يقول إن جهات مقربة من الدولة، قدّمت رشاوي للمواطنين أثناء الانتخابات الرئاسية المصرية.

وجدير بالذكر أن الموقع كان يعمل وهو في حالة حجب، مثله مثل حوالي 500 موقع إلكتروني آخر، حجبتهم السلطات المصرية، من بينهم موقع "ألترا صوت".

تعرض موقع مصر العربية للعديد من التضييقات والاقتحامات، فضلًا عن اعتقال رئيس تحريره، وتعرض الموقع للحجب

وأعقب الاقتحام الذي نفذته قوات أمنية لمقر مصر العربية، اعتقال رئيس تحرير الموقع، الصحفي المصري عادل صبري. ورغم صدور قرار من محكمة الجنايات بإخلاء سبيل عادل صبري في العاشر من تموز/يوليو الجاري، بعد سداد الكفالة، إلا أن جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقًا)، أعاد التحقيقات معه مرة أخرى، وجدد حبسه على ذمة التحقيقات!

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مؤتمر الشباب".. ممارسات قديمة بأدوات جديدة

الصحافة في مصر.. تهمة كافية!