12-أغسطس-2018

لا يبدو أن هناك فرصًا كبيرة أمام حل الأزمة الأمريكية التركية في المدى القريب (Getty)

ألترا صوت –  فريق التحرير

"علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في هذا الوقت"، بهذه الكلمات لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التطور السريع للأزمة الدبلوماسية التي وصلت لتقاذف التهديدات بين أنقرة وواشنطن، بينما شهدت الليرة التركية خلال الأيام القليلة الماضية انخفاضًا سريعًا لتسجل أدنى معدلاتها بأرقام قياسية مقابل سعر صرف الدولار الأمريكي، تجاوزت الجمعة أكثر من 6.80 ليرة تركية مقابل الدولار الواحد.

ترجع بداية نشوب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين لمنتصف الشهر الفائت، بعدما دخلت واشنطن في وساطة مع تل أبيب لإطلاق سراح الناشطة  التركية إبرو أوزكان

بداية الأزمة.. جدال على الصفقة

ترجع بداية نشوب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين لمنتصف الشهر الفائت، بعدما دخلت واشنطن في وساطة مع تل أبيب لإطلاق سراح الناشطة التركية إبرو أوزكان التي اعتقلها الجيش الإسرائيلي من مطار بن غوريون بتهمة التعاون مع حركة حماس، وفيما يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الصفقة تمت مقابل إطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برانسون، المحتجز لدى أنقرة بتهمة التعاون مع منظمة فتح الله غولن المصنفة على أنها إرهابية لدى تركيا، مهددًا بفرض "عقوبات كبيرة"، رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها بالنفي أن تكون الصفقة تضمنت إطلاق سراح القس، مشددًا على أن تدخل واشنطن جاء بواجب طلب "المساعدة" من أنقرة.

السجال الدبلوماسي بين الدولتين، وكل منهما عضو في حلف شمال الأطلسي - الناتو، استمر بالتصعيد، إلى أن أعلنت واشنطن فرض عقوبات على وزير العدل التركي عبد الحميد غول، ووزير الداخلية سليمان صويلو، وردت عليها أنقرة بالمثل بفرضها عقوبات على وزيري العدل والداخلية الأمريكيين، إلى أن تصاعّدت الأزمة بين البلدين اللذين تأرجحت علاقتهما خلال السنتين الفائتتين، بسبب الدعم الذي قدمته واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ومصنفة في عدد من البلدان بينها تركيا وألمانيا على أنها "منظمة إرهابية".

اقرأ/ي أيضًا: كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

وأعلن ترامب الجمعة فرض عقوبات جديدة على أنقرة في تغريدة كتبها على حسابه الرسمي في تويتر، قال فيها: "لقد سمحت للتو بمضاعفة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم من تركيا" بنسبة وصلت إلى 50%، ما أدى لتدهور الليرة التركية لمستويات قياسية، وذلك بعد أقل من يوم على فشل المحادثات التي أجراها الوفد التركي في زيارة لواشنطن، ضمن سلسلة لقاءات بين الطرفين.

هل تذهب نقرة مع واشنطن حيث تريد؟

كان واضحًا من خلال تغريدة ترامب أنها ركّزت على تراجع قيمة الليرة التركية، حين كتب ضمنها متفاخرًا أنها تتراجع "بسرعة مقابل دولارنا القوي جدًا"، وبالفعل تجاوز  سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية 6.80، قبل أن يستقر حتى لحظة إعداد التقرير على 6.42 وسط توقعات باستمرار تأرجح سعر الصرف.

في مقابل ذلك، لم تظهر تصريحات أنقرة أنها ماضية قدمًا لتنفيذ المطالب الأمريكية بشأن إطلاق سراح القس، فقد أكد أردوغان في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الخطوات التصعيدية التي اتخذتها واشنطن ضد بلاده أضرت "بالصداقة الطويلة"، محذرًا من أن "الفشل في تغيير هذا الاتجاه الأحادي وعدم احترام سيادة تركيا يتطلب منا البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد".

وبالفعل ففد سارع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لكتابة تغريدة وصف فيها العقوبات الأمريكية بأنها "مدعاة للخجل"، وأضاف أن طهران مثلما وقفت مع "جيرانها" سابقًا ستقف الآن أيضًا، ويأتي ذلك في ظل الحرب الكلامية بين طهران وواشنطن بعدما أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات جديدة على طهران، مهددًا الدول التي تتعامل مع طهران بأن واشنطن لن تتعامل معها.

وترتبط أنقرة باتفاقيات تنص على شرائها ما يقدر بـ9.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من إيران، حيثُ أكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز أن بلاده غير ملزمة بتنفيذ حزمة العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران مؤخرًا، الأمر الذي يعطي انطباعًا أوليًا بأن أنقرة لن توافق على الضغوطات الأمريكية، فيما بدأت تحسم خياراتها للاتجاه إلى حلف جديد، وهو ما يبدو منسجمًا مع الزيارة المرتقبة التي سيجريها أردوغان إلى برلين قريبًا.

تركيا.. ما بعد العقوبات

قبل يومين تمامًا من تصعيد ترامب اتجاه أنقرة، نشرت وزارة الخزانة والمالية التركية بيانًا قالت فيه إنها ستعلن النظام الاقتصادي الجديد للبلاد، متوقعة نموًا في الاقتصاد يتراوح ما بين 3 إلى 4%، وقللّت من "وجود مشاكل فيما يتعلق بمخاطر سعر الصرف والسيولة"، لكن تهاوي الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي دفع بالمستثمرين الأجانب إلى القلق من الوضع الاقتصادي المضطرب.

وفي كلا الحالين  فإن العقوبات الأخيرة تتضارب مع ما أعلنته السفارة الأمريكية في أنقرة منتصف الأسبوع الفائت، بأن واشنطن تربطها مع أنقرة "علاقات اقتصادية جيدة"، رغم ما وصفته بـ"التوترات" السياسية، ومن بين الملفات العالقة كذلك صفقة شراء مقاتلات F35 التي أبرمتها أنقرة مع واشنطن قبل أن يوقف مجلس الشيوخ الأمريكي قرار التسليم، ما دفع بالرئيس التركي للتهديد بأن بلاده ستلجأ للتحكيم الدولي في حال رفضت واشنطن تنفيذ الصفقة، وحتى الآن من غير المعروف إن كانت واشنطن ستمضي بتنفيذ صفقة المقاتلات أم أنها ستوقفها.

كما أنه لا يظهر أي انفراج لاحتواء التوتر بين البلدين اللذين شهدت علاقتهما منذ وصول ترامب للبيت الأبيض تذبذبًا منحدرًا باتجاه عدم الثقة، والذي لخصه أستاذ تاريخ الشرق الأوسط هوارد ايسنستات بقوله بوكالة رويترز: "هذا يشبه الطلاق البغيض حقًا حيث فقد الجانبان الثقة ببساطة في بعضهما البعض"، في مقابل أن البلدين يتجهان لتأسيس تحالفات جديدة بعيدة بشكل منفصل، وهو الأمر الذي يحدث في ظل سياسة ترامب أحادية الجانب التي يتخذها عالميًا، والشرق الأوسط تحديدًا، لكن الواضح أكثر أن تركيا ماضية في خياراتها الجديدة بالاعتماد على ثقل أنها تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي.

خطوة غير هجينة على سياسة ترامب الخارجية

كان واضحًا منذ استلام ترامب لمهامه كرئيس للولايات المتحدة أن يلاده شهدت تحولًا على مستوى السياسات الخارجية، من ناحية تجاهله لملف حقوق الإنسان في مختلف الدول، الذي تكلل بانسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان، ومنظمة اليونسيكو بسبب إسرائيل، وقبلهما اتفاقية باريس للمناخ، وأخيرًا الخلاف الذي شهدته بروكسل خلال اجتماع دول حلف شمال الأطلسي، حين خيّرهم بين زيادة نفقاتهم أو انسحاب بلاده من الحلف.

اقرأ/ي أيضًا: رضا ضرّاب.. عقدة المنشار في العلاقات بين تركيا والغرب

كل هذه الإجراءات إلى جانب تجاهله لانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، مصر، أو تذبذبه في بداية فرض الحصار على قطر، عزز لدى ترامب الشعور بمزيد من الغرور، وممارسة سياسة الابتزاز لفرض سياسة بلاده أحادية الجانب على حلفائها، إلا أنه من جانب الأزمة الحالية مع تركيا التي يطالبها بالإفراج عن القس المحتجز، يبدو قريبًا إلى ما أوردته أمانادا سالوت في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية من تحليل، حين كتبت أن ترامب مدفوع لحل قضية القس الأمريكي بسبب تصاعد الأصوات المحتجة من "المسيحيين الإنجيليين في قاعدة المصوتين الجمهوريين"، إذ إن ترامب يسعى لتحقيق إنجاز في قضية القس المحتجز قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2020، بعدما أعلن نيته الترّشح لولاية ثانية.

ويدعم فرضية عدم ظهور بوادر تسوية لحل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، ما توّقعه تيريز رافائيل في مقال نشره في موقع وكالة بلومبيرغ من عدم عودة العلاقات لسابق عهدها حتى في حال توصل الطرفين لاتفاق على حل خلافهما، ويضيف نقلًا عن أحد المحللين أنه "بدون تركيا، يصعب أن نرى كيف ستستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على ريادتها العالمية بهذه المنطقة، وكيف ستمكن بلورة سياسة ناجحة لاحتواء الفوضى بالشرق الأوسط".

كان واضحًا منذ استلام ترامب لمهامه كرئيس للولايات المتحدة أن يلاده شهدت تحولًا على مستوى السياسات الخارجية، من ناحية تجاهله لملف حقوق الإنسان حتى في بلاده

وفي مقابل ذلك، اعتبر مراقبون أن العقوبات الأمريكية التي جاءت ضمن تسلسل زمني قريب على إيران، ثم تركيا، وأخيرًا موسكو التي تدخل العقوبات المفروضة عليها حيز التنفيذ في 22 من شهر آب/أغسطس الجاري، أنه كان مخططًا لها لعدم اتفاق الدول آنفة الذكر مع سياسة واشنطن،  ما وضعهم في مركب واحد يفرض عليهم إنشاء تحالف جديد.

وتضيف سياسة ترامب الخارجية المزيد من الاضطراب في منطقة الشرق الأوسط، ووفق مصادر تحدثت لرويترز فإن إدارة ترامب تتجه لإنشاء "ناتو عربي- إسرائيلي" مكوّن من الرياض وأبو ظبي وتل أبيب، بدعم من الولايات المتحدة لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، أطلق عليه اسم "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، الذي في حال أطلق فإنه سيزيد من الانقسامات في المنطقة، كونه مبني أساسًا على تحالف لدول أججت من أزمات الشرق الأوسط العسكرية والسياسية بدلًا من أن تساعد على حلها.

وعلى ذلك، فإن العقوبات الأخيرة المفروضة على أنقرة ستدفع بالرئيس التركي لإنشاء تحالفات جديدة، فيما تتجه واشنطن من خلال ترامب إلى عقد تحالفات كان رفضها الرئيس السابق باراك أوباما بسبب ملف حقوق الإنسان، لكن الحال هنا مختلفة عمّا يمكن توقعه، خاصة إذا ما أصرت واشنطن على المضي في تنفيذ شعار ترامب "أمريكا أولًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 استفتاءات دستورية في تاريخ تركيا الحديث.. ماذا تعرف عنها؟

9 حقائق ومعلومات عن تركيا تسمعها لأول مرة!