07-مارس-2018

شارلوت سالومون/ ألمانيا

مدخل

"إما أنّك تُحبّ أو لا تحبّ، لا يُمكنكَ أن تُمَنْطِق الحبّ".

1

لستُ من اللواتي يكتبنَ عن الحبّ ليُقدمنَ أنفسهنّ كعاشقات، أنا أكتبه لأقدّم نفسي على أنّني كاتبته وفيلسوفته ومفكّكته ومحلّلته وسابرة أغواره، يُغويني الحبّ كموضوع للكتابة أكثر مما يُغريني كشعور يُمكن أن أقع فيه. وأجزمُ أنّني لو وقعتُ فيه لظللتُ أقدّم نفسي على أنّني كاتبته وفيلسوفته ومفكّكته ومحلّلته وسابرة أغواره، ولحيدتُ صفتي "العاشقة" في الكتابة وأبقيتها متوارية عن الأنظار. أجل.. سأمسكُ صفتي الشعورية كعاشقة وأخبئها خلفَ واجهة الموضوع، سيقرؤني الكلّ ويقولون: إنّها تتعاطى مع الحبّ كموضوع، فتكتبه وتُفلسفه، وتُفكّكه، وتحلّله، وحده حبيبي من سيُمكنه قراءة ما خلفَ الواجهة، سيضحكُ كثيرًا وهو يقرأ نصّ الواجهة فيلمحُ في كلّ حرف من حروفه وزاوية من زواياه صفتي العاشقة الخجولة متوردة الوجنتين وهي تطلّع إليه معترفة بأنّه وحده أساس تكوينها، وأنّها لولاه لما كانت، ومن يدري ربّما هو الآن يفعلُ ذلك.

 

2

السماء في هذه الليلة صافية وخالية من الغيوم، الغيوم بالنسبة لي فكرة حمائِية، تتشكّل فوق رأسي فأحتمي منها من الوقوع في فخاخ الأسئلة الصعبة، لا غيوم فوق رأسي هذه الليلة، لكن هناك سؤال يتسلّل إلى رأسي داخل غيمة تُشبه الوردة ولها بتلات، هيَ غيمة على شكل وردة، يتسّلّل منها سؤال الحبّ أو اللاحبّ، فأُمسكها بيدي وأستعينُ بها في الإجابة عليه، أقشّر عنها بتلتها الأولى وأقول: يُحبّني، ثمّ بتلتها الثانية وأتابع: لا يُحبّني.. ثمّ الثالثة فالرابعة فالخامسة فالسادسة وهكذا، حتى أبلغ العاشرة.. العاشرة هي الأخيرة، هي البتلة والبطلة، بتلة الحظّ وبطلة الإجابة، لكن ما الإجابة؟ لا حظّ لي في الحبّ، عرفتُ ذلك منذ البداية، واستعنتُ بالسؤال وسمحتُ له بالتسلّل داخل غيمة على شكل وردة مكوّنة من بتلات، في كلّ بتلة هناك فكرة حمائية ما، أما الأخيرة ففيها فكرة حمائية موجّهة ضدّك تحميني منك ومن احتمال الحبّ وتقرّ بأنّه لا حظّ لي منكَ ومنه.

 

3

هل سمعتَ عن امرأةٍ تُشْغِفُ قلبها عَمدًا لتدفع عنه ملل الحالات؟ تلكَ هي أنا، وشغفي بكَ ما هو إلا تعبيرٌ مني عن رغبتي الكبرى في دفع حالات الحبّ الاعتيادية عن قلبي، في الوصول معكَ إلى الأقاصي، في بلوغ مقامَ زليخة في حبّك، إنّ الشغف أريكة لحالة قصوى أحبّ أن أُجلِسَ عليها قلبي دائمًا، علّه يَقتنعُ بها فيُقنِع بها لساني فيرتّل كلّ حين: قد شغفها حبًّا، قد شغفها حبّاً، قد شغفها حبًّا.. يا أيها العزيز، صدّقني أنّ شغفي بكَ ما هو إلا تعبيرٌ آخر عن شغفي بالحالات القصوى، وإنني في كلّ مرّة أقصدكَ به أتعداك في تأويلي وأقصد كلّ حالة قصوى غيرك!

 

4

إنّني أحبّ أن تكون كلّ تطويقة تُطوقني في شكلها السهل الممتنع، حتى تطويقة الحبّ، وأحبّ لرغباتي في الحبّ أن تُستجاب لسببيْن؛ السبب الأوّل، أنّني أرفضً كلّ حبّ يريدُ أن يَفرض شكله عليّ ويأتيتي كما يريد لا كما أنا أريد. السبب الثاني، أنّني أرفضُ كلّ حبٍّ يريدُ أن يُطوقّني بالأبدية ويخشى على نفسه إن أتاني في شكله السهل الممتنع أن يخسرني وذلك عندما أقرّر في لحظة ما اختراق طوقه وتجاوز سهله وكسر ممتنعه والتحليق فوقه وخارجه.

 

5

وإن سألني أحدهم: لمَ خسرتِ الحبّ؟ فسأقول: لأنّني فتاة سيئة تُحبّ الطرقَ الطويلة ولا تستمعُ لنصائح الأمهات، كم نصحتني أمي بأن لا أتعامل مع الحبّ كما أكتبه، قالت لي مراراً: فلسفيه في الكتابة كما تشائي وتعاملي معه على الواقع ببساطة، ولأنّني فتاة سيئة تُحبّ طرق الفلسفة الصعبة ولا تستمع لنصائح الأمهات فقد أصررتُ على التعاملُ معه كما أكتبه، وكانت النتيجة أن خسرته هكذا ببساطةٍ بعيدة عن كلّ تعقيد تُشبه -مع اختلاف ضئيل- النهاية المعروفة لدى الجميع لحكاية ليلى والذئب، لقد ابتلعني ذئبُ الخسارة مرة ومرتين وثلاثة لكن -على عكس ليلى- لم يُنقذني أحد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نارُ الحربِ دمُ السلام

شكاوى اللغة إلى ساكنيها