25-يناير-2016

شرطتك يا مصر؟! (Getty)

يجلس شريف في شقته بالمنيرة. يفكر في هند التي فارقته مؤخرًا وانقطعت أخبارها عنه. يشعر بفقدان وحنين حقيقي لها. يسحب نفس أخر من الجوب ويمر لحاسبه لتشغيل أغنية ما كانت أخبرته يومًا ما بمصادفة أن تسمعها عدة مرات في أماكن مختلفة عندما تشعر بالاشتياق له. ليرى رسالة من أحدهم على موقع التغريد. تفيد الرسالة بتحذير "حسن" صديقه ورفيق السكن له وضرورة الاحتياط حيث أن المباحث قد اقتحمت العديد من منازل الأصدقاء بالحي. هلع ما غير مبرر يصيبهم في الذكرى الرابعة لثورة يناير.

_"ثورة ايه بس يابني"

_"الحكومة خاربة الدنيا يا شريف، خد بالك"

_" dont worry smsm حكومة؟"

_"يابني فوق وقوم انزل عشان هما في أول الشارع وبيعدوا على بيت بيت"

_" انا بتاع نسوان يا مان ماليش دعوة بالكلام ده"

_" يابني بياخدوا عاطل ف باطل "

_" what do u meen about atel f batl?"

_"احا.. خد الموضوع بجدية شوية"

_"اهدى يا مان اهدى iam never give a fuck"

يرى حسن الرسالة ولا يرد.

يمر ليكتب شيء ما على صفحته ليسخر مما يحدث. قبل أن يطرد الفكرة من رأسه ويشعر بشيء من الجدية. يتعين عليه أن يكون يقظ في هذه الثواني كما أخبره صديقه. يهب واقفًا وينظر في الفراغ.

التراب يملأ الجو وباب الشرفة لغرفة حسن المفتوح عن آخره يوضح ذلك. يذهب لإغلاق الباب خشية التأثر جراء حساسية الصدر التي يعاني منها. وينظر من الشرفة فيشعر بالدوران جراء السطل وارتفاع الشرفة المُطلة من الطابق التاسع. فيغلقها ويعود ويقف أمام حاسبه ويفكر.

لا فائدة من الكتابة. ماذا ستفعل الشبكات الاجتماعية في هذا الموقف. الكثير من إعادة التغريد. ولكنهم هنا في الحى كما قال حسن. ويفصلني عنهم عدة عقارات. لا فائدة حتى من النزول بعد انتشار أخبار الاعتقالات في وسط العاصمة كلها منذ الصباح. سيوقفونني لمظهري. هؤلاء الجهلة لن أستطيع إقناعهم بأن طول شعري وضفائره لا علاقة لها باهتمامي بالشأن العام. هذا قد ينجح في جلسة مع أحد الغرباء في حضور بعض أصدقائي. لكن هؤلاء لا يعترفون بوجهات النظر والإقناع. يفكر في تشغيل الموسيقى الصاخبة قبل أن تسقط الفكرة من ذهنه. فالمزيكا تلفت النظر إليه أكثر. يترك الجوب في الطفاية ويلملم بقايا جلسات أصدقائه. وكأنه يستعد لاستقبال صديقة.
" إيه الهبل ده؟ هو هند جاية وعندي بنات. ده الحكومة جاية. الحكووومة"

ويضحك كثيرًا وهو يلقي ما جمع على الأرض. قبل أن ينظر للسقف ويفكر. كان في الغرفة الأخرى منذ يومين "مصطفى" صديق حسن. لا يحبه شريف ولكن لا يهم. فلقد أخبره حسن ليلتها. بأن الحشيش جيد حيث أن مصطفى نسي "اللابتوب" الخاص به. وهو مهتم بالشأن العام. بالتأكيد عليه الكثير مما يبحث عنه هؤلاء.

يمر للغرفة ويجد دليل الإدانة. يفتحه قبل أن يتذكر ضرورة إخبار حسن حتى لا يثور مصطفى في حالة علمه أو في حالة أن يحتوي الجهاز على معلومات هامة. يمسك بهاتفه ويتصل به. ويفيد الهاتف بانشغال صديقه.
"رد يا عم"

يعاود الاتصال وهو يمر لمحتويات الجهاز. على "الديسك توب" صور كثيرة للمعتقلين. علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وأحمد ماهر، وفتى الوطن بدون تعذيب. يكرر المحاولة قبل أن تظهر صورة إحدى المعتقلات المحسوبة على التيارات الإسلامية.

"ايه ده يا مان"، يتمتم

ويقوم بمسح الصورة بسرعة، قبل أن تظهر له صورة أحد المتهمين بقضايا أنصار بيت المقدس لا يعرفه هو ولكنه يفهم خطورته من مظهره

"أوفر أوي مصطفى"

ويقوم بمسح الصورة، لتظهر أمامه صورة أحد قيادات الأولتراس المعتقلين الذي صاحب اعتقاله ضجة كبيرة

"اكستريم كدة يا مان"

ويمسح الصورة. ويفكر في عدم جدوى تصفح بقية الصور. فالوقت لن يسعفه فيمسح كل الصور التي تظهر أمامه بضغطة واحدة. يتصل رقم غريب عليه فلا يرد، وهو يحاول المرور لبقية محتويات الجهاز بالداخل. فيرن هاتفه مجددًا من نفس الرقم غير المعنون
_ هالو
_ أيوة يا شريف أنا مصطفى
_إيه يا برنس

_ بقولك إيه انزل من البيت عشان الحكومة في الشارع عندكم وخد اللابتوب معاك نسيته في أوضة الضيوف

_ ضيوف إيه أنا مش هينفع أنزل

_ لازم ده لسة واخدين ناس في البيوت اللي جنبكوا

_ يا مان هياخدوني تحت واللابتوب بتاعك ده تهمة

_ انت فتحته؟

_ أنا مسحت صور المحابيس كلهم اللي ع الديسك توب

_ وازاى تعمل.....

فيقاطعه :

_ حاولت أتصل بحسن يقولك بس مشغول

_ طب هتعمل ايه؟

_ مش عارف بس مش هانزل.. انا دخلت أدور لو فيه حاجة تاني محتاجة تتمسح عندك

_ حاجة إيه بس ده كله قضايا، إنت ناسي إني أنا فوتوجرافر يابني

_ فوتوجرافر! لاء معرفش انا فاكرك عضو في حزب التهتك

_ حزب إيه؟

_ مش مهم يا مان المهم عندك حاجة تاني تتمسح؟

_ أه بس دول مهمين جدًا معنديش منهم تاني

_ معلش بقى يا مان أحسن ما نتحبس

_ طيب افتح "الـدي" هتلاقي فيه 15 فولدر دور شوف اللي محتاج يتمسح هيبقوا 8 فولدرات. و"الإف" خش هتلاقي خمس فولدرات امسح اتنين منهم مفهمش صور دول مهم جدًا تمسحهم

_ إنت أوفر يا مصطفى

_ طيب معلش اعمل اللي بقولك عليه

_ طيب

_ وخلي بالك عشان المخبرين مرشقين الدنيا متقفش في الشباك واطفي أنوار الشقة

_ خلاص يا أوفر.. سيبني امسح. باي

يلقي بهاتفه على الفراش. ويذهب ليطفئ أنوار الشقة كلها. ويقوم بجمع زجاجات الخمرة جميعها ويضعها أعلى طاولة كبيرة. ويمر لغرفته فيجمع بعض الملابس الداخلية النسائية وينشرها على فراشه.."مفيش إرهابيين هنا".

ويعود لحاسب مصطفى. قبل أن يسمع صوت إنذار ما. فيلقي بالحاسب على الفراش. يستمر الصوت. يذهب لباب الشقة بسرعة وخفة وينظر من خلف العين السحرية. لا يرى أحد. يتوقف الصوت فيتبين ذهنه بأنه صوت الميكرويف. فيضحك ويدق على بابه. كنت قد أخبرت حسن بضرورة إصلاحه. ينزع الفيشة ويعود لغرفة الضيوف. يرسل رسالة لهند على "الواتساب" يخبرها بما يحدث كي يجعلها تقلق عليه وتهاتفه. ينتظر أن تظهر علامة رؤيتها للرسالة. دقيقة، ومثلها، ولا تظهر العلامة، فيعود بخيبة أمل لحاسب مصطفى، ويمر لما أخبره الأخير، فيشاهد ملفات قضايا مجتمع مدني ويرى صورًا للفقراء في كل ملف منهم، عمال متظلمين، وأصحاب منازل منهارة، تعتليه نظرة تقزز واستياء من الصور، فيمحيها بسرعة، بعض صور توضح اعتقالات الحكومة لبعض الشباب في تظاهرات صغيرة لبعض الطلاب، إحدى الصور يمسك الضابط بشعر شاب من "البوني تيل" فتمر القشعريرة لنفس ويمسح بيده اليمنى على شعره، يمسح كل الصور بالملف ويمر لآخر. قبل أن يقرر بأنه يحتاج لجوب لكي لا يتأثر نفسيًا. فيمر للخارج ويأخذ نصف الجوب الذي تركه بالطفاية، يشعله ويأخذ نفس، ويعود بسرعة للحاسب.
"إيه يا مان كل الكآبة دي وبتستغرب أن الحشيش حلو"

يضغط بالخطأ ويمسح كل ملفات "الدي". لا يهم سأخبره بأنها سهوًا. يمر للـ "الإف" آخر ما نبهه إليه. يمر للملف ولا يجد صور فيمسحه، ومثله آخر، وغيره، يتبقى خمس ملفات. لن تأتي الحكومة قبل أن أمحي كل شيء. ويمر لآخر به بعض الصور لمصطفى مع فتيات.

" أيوة بقى يا مان مش كله كآبة بس"

فيهم بالخروج من الملف، قبل أن يلمح شيء ما يجبره على النزول للأسفل. فيرى صورة لهند كانت قد وضعتها على الفيسبوك منذ عدة أيام. يعيد النظر للحاسب للتأكد من أنه حاسب مصطفى وليس حاسبه. تتسع حدقة عيناه وهو يمر للأسفل. بعض الصور لهند ويظهر أنها "فوتوسيشن" كان قد أجراها لها المصور صاحب الجهاز. تؤلمه حدقة عينه وهي تزيد في اتساعها من رؤية بعض الصور لهند وهي في وضع حميمي مع مصطفى. لا تشعر بالغرابة التي مرت إليه. يضرب رأسه بيده كي يستفيق لو كان يحلم. يمسك بالقداحة ويشعلها ويمر بإصبعه فيشعر باللسعة. فيمر للأسفل ويجد الكثير من الصور التي توضح بعضها أنها التقطت في الفترة الأخيرة. والبعض الآخر منذ فترة. يشعر بالسقوط ويتوقف تمامًا عن الاستيعاب. يفكر فيما يتعين عليه أن يفعله. ولا يدرك.

في الوقت ذاته. يوجه حارس المدينة الصغير حديثه لحارس العقار الكبير وهم في طريقهم للمصعد..

_ عايزين العيال اللي مأجرة عندك وسنهم من 20 لـ35 

_ حاضر يا باشا.. العمارة مليانة عيال

يضغط الضابط على زر المصعد وهو يقول:

_ اللي بيسكروا، بيحششوا، مظاهرات، بيزورهم نسوان

يفتح البواب المصعد للضباط وهو يقول:

_يبقى نبدأ بالتاسع فيه 3 شقق كدة وبعدين ننزل للسادس

ويصعدون..

اقرأ/ي أيضًا: 

علبة سجائر على قبر جدي

قصائد للجوعى