24-يناير-2019

تونسيون في شارع الحبيب بورقيبة (شاذلي بن حبيب/Getty)

طرأت رزم كثيفة من "الفانتازيا" التي أمست قابلة للتصديق بكثافة مع كل حفلة فضائحية سعودية منذ التحولات الشاسعة لناحية وضوح طبيعة "المجموعة الحاكمة" في مملكة آل سعود غير المسبوق. هذا أن مفاهيمية "النظام" ليست بالدقة الملائمة ولا مفهوم الدولة حاضر هناك، بقدر ما يشكل آل سعود، كما شكلوا دائمًا، ما هو ليس أكثر من مجموعة مستأثرة بالحكم والثروة ضمن حالة شرعنة مركبة يعوزها الكثير من الشرعية.

لا يأتي الموقف والتورط السعودي مع أمثال نتنياهو وترامب وبولسنارو، من باب أن هذا المتوفر وعلينا التأقلم، إنما تسعى السعودية للإسهام باستدامة مثل هذه الظواهر، والمشاركة في خلقها حتى

مع تصعيد الحضور العلني للنهج السعودي التخريبي في المنطقة العربية وقضاياها الأساسية في السنتين الأخيرتين، في جوهرها الصراع مع الصهيونية في فلسطين. أي بحضور سلمان بن عبد العزيز ملكًا وولي عهده محمد بن سلمان. بدا أنه لم يعد لدى حكام الرياض ما يخشون إخفاءه أو التبجح به. هذا إذا تم التسليم أساسًا، بأن القرار لديهم وبيدهم، وليس هابطًا من دهاليز أجندات أبناء زايد في أبوظبي وشلة مستشاريهم وصبيتهم، توني بلير ومحمد دحلان وآخرون.

اقرأ/ي أيضًا: تقارير إسرائيلية: شبكة "البوتات" السعودية تعمل في إسرائيل لصالح نتنياهو

ما يعزز القول بأن سعودية سلمان وابنه ذاهبة إلى آخر الخط التخريبي يتوفر يوميًا عبر الصفحات الإلكترونية الإعلامية والصحفية والمطبوعات بشتى لغات الكوكب. وليس في القول تضخيم إن ورد أن التخريب السعودي لا يختص بالمجال العربي حصرًا، إنما هي حالة تخريب وشراء ذمم معممة عالميًا، رفقة حرب استهداف كبرى ضد منصات حقوقية ومنظمات ذات سمعة راسخة لناحية موضوعيتها وثقة الرأي العام بها، من وزن هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية/أمنستي، اللتين قد يعتقد متابع أن متابعتهما للمسطرة الحقوقية في الداخل السعودي، وللجرائم السعودية، المعلنة وغير المعلنة، داخل نطاق الجزيرة العربية وخارجها أمر مستجد. هذا أنه أخذ أبعادًا أوسع من ذي قبل بعد "خشقجة" الصحفي السعودي، غير المعارض بالضرورة، جمال خاشقجي في اسطنبول. إنما وقعت المصادفة أن صلب عمل مثل هذه المنظمات، وجوهر المهمات الصحفية يكون بتناول ما يتوفر من وقائع معززة ببراهين. وهذا ما لا تبخل به ماكينة الإفساد والإجرام السعودي الجلفة.

سيكون من المرهق، لا الصعب، المضي في سرد وتشبيك سلاسل شاهقة من المثالب والجرائم والفضائح السعودية. إنما بتناول آخر التقليعات السعودية، خاصة تجاه إسرائيل، بل تجاه الحزب الحاكم، تحالف الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو. يمكن العودة لسؤال مركزي بشأن ماذا تريد السعودية؟ أو ما هو مشروع ابن سلمان في هذا الصدد؟ وربما يحضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحفلة أعراض، وليس مسببات، استحضار اليمين الشعبوي بعنصرياته المتفاقمة أوروبيًا، بل ولاتينيًا أيضًا.

تصدرت تسريبات قراصنة عالم السايبر في إسرائيل وآراء خبراء الأمن السيبراني المقربين من دوائر مؤسسة الجيش لتلتقي مؤخرًا مع تقديرات أمنية دأب جهاز الأمن الداخلي – شاباك منذ 11 شهرًا على التلويح بها بشأن التدخل الخارجي في انتخابات الكنيست الإسرائيلي المرتقبة. وهي للمناسبة انتخابات قد تكون من الأكثر غرائبية في تاريخ إسرائيل الاستعمارية منذ منتهى عقد سبعينات القرن الـ20  بطي صفحة مباي و"الأشكناز المؤسسين" وتصدر ائتلاف الليكود للسلطة، الذي أصبح أقرب إلى الحزب الراسخ تراكميًا.

مع بداية انطلاق حديث التدخل الخارجي في انتخابات الكنيست انزاحت الشاشات الرئيسية في الإعلام الإسرائيلي، الخاص والعام، ومعها طيات الصحف الأساسية والفرعية، كما حلقات نوادي الاستعراضات الكوميدية والتعليق السياسي، نحو اتهام الكرملين بتوظيف أدواته للتدخل في الانتخابات الإسرائيلية استرشادًا بحال تدخل موسكو  لصالح دونالد ترامب، وكذلك في نصف "دزينة" من الانتخابات الأوروبية.

"مسكين" هو الكرملين هذه المرة. لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على علم ربما أن هناك في المنطقة العربية من يشاركه الاهتمام عينه بعتاة اليمين وسادة التخريب، ليس في أوروبا، ولا في سوريا أو مصر والسودان فقط، بل في مركز الحلبة السياسية الإسرائيلية. إذ أشارت التقارير المحققة إسرائيليًا، أن تدخلًا سايبريا سعوديًا، عبر "بوتات" السوشال ميديا، حاصل في إسرائيل منذ أشهر، أي منذ تنبه نداف أرغمان على رأس الشاباك الإسرائيلي إلى المسألة وبدء التنويه بشأنها.

اقرأ/ي أيضًا: متلازمة الخراب الإماراتية

قد يقال لم لا؟!، إسرائيل تتدخل في معاش ومصير كل عربي منذ أن طرأت كيانًا استعماريًا استيطانيًا عنصريًا في فلسطين. هذا جدل معقول إذا ما قيس بحرب رجال كتائب القسام السيبرانية التي لا تهدأ ضد المؤسسة والرأي العام في إسرائيل على السواء. لكن أن يكون هذا التدخل لصالح دعم حظوظ بنيامين نتنياهو، داخل الليكود أولًا، من ثم ضد المنافسين "غير المحتملين" للمصادفة! فهذا لا يشي بمجرد تحالف طارئ أو رغبة في تعزيز "إيغو" السلطة السعودية خارج حدود حكمها وتحكمها فقط.

ليس في تناول فضائحية التدخل السعودي لصالح بنيامين نتنياهو والليكود غيرة على "الديمقراطية" الإسرائيلية المزعومة. فلا يختلف عقل يدرك أساسيات الفطرة القويمة أن لا ديمقراطية إسرائيلية، وإن كان هناك عملية ديمقراطية تصب في صالح إعادة إنتاج الامتيازات الاستعمارية لمواطنيها اليهود حصرًا. إنما ما يهم في هذا الإطار هو سياق الحدث بضفتيه، أسئلته القبلية وتساؤلاته التأويلية.

منتهى القول، لا تأتي هذه الحادثة/المشروع السعودي الليكودي بمعزل عن شمولية النهج التخريبي السعودي وتراكمية التطبيع مع إسرائيل وتطبيعها. بقدر ما تمثل استدلالًا على أن تنظيرات شمعون بيريز لم تصح في حالة المجموعة الحاكمة السعودية. إذ قال بيريس في أحد أهم وأخطر كتبه "الشرق الأوسط الجديد" أن بوجود مشكلة قائمة ومستمرة لا تتوفر لها حلول، فقد يعني هذا أنها ليست مشكلة، إنما وضع قائم وجب تقبله، ما يحيل إلى أن الموقف السعودي من أمثال نتنياهو وترامب وبولسنارو لا يأتي من باب أن هذا المتوفر وعلينا التأقلم، إنما تسعى السعودية للإسهام باستدامة مثل هذه الظواهر، والمشاركة في خلقها حتى. فلا "أمراء الليكود" بتعبير نجل مناحيم بيغن، والعضو الليكودي الفاعل حاليًا بني بيغن، كانوا من بين خيارات التدخل السعودي، ولا حتى أي أوساط تدعي "ماكياجًا" يساريًا وسطيًا وتتملق الحديث عن "السلام". إنما بنيامين نتنياهو نفسه، الأكثر إفادة للسعودية على عتبة ترامب إذا ما أضيف إلى تكريسات وأكداس نفقات اللوبيات والرشاوي.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدولة العميقة.. "مؤامرة" بلا متآمرين

الإمبريالية وسوق العالم.. الوحش الذي "يداعبنا"