07-أبريل-2019

زهير رمضان في باب الحارة

عبّاس جعفر ممنوعٌ في دمشق. الممثّل الكوميدي اللبنانيّ الشّاب، مُنع من دخول الأراضي السورية للمشاركة في حفلةٍ أُقيمت يوم الرابع من نيسان/أبريل في أحد فنادق مدينة دمشق، بينما سُمح لابنة بلده المُغنّية دانا الحلبي بالدخول. جعفر المُنحدر من قضاء بعلبك وسط لبنان، استُبدل من قبل المُنظّمين للحفل بالمغنّي الشعبيّ الشهير في أوساط الموالين لنظام الأسد، بهاء اليوسف، وهو واحدٌ ممن يقدّمون اليوم مُعادلًا غنائيًا شعبيًا هابطًا وطائفيًا لسياسات النظام السوريّ.

منع عبّاس جعفر من إقامة نشاطه الكوميدي في دمشق، وتم استبداله بمُغنٍّ من صلب نظام الأسد

العنوان العريض إذًا هو منع عبّاس جعفر من إقامة نشاطه الكوميدي في دمشق، واستبداله بمُغنٍّ من صلب نظام الأسد. سوف تغيب الكوميديا عن الحفل ويحلّ مكانها مناخ "تطبيليّ" بحت، يتكفّل اليوسف في فرضه من خلال أغانٍ تُمجّد النظام وشبيّحته، الدفاع الوطني تحديدًا. ولكن ماذا خلف العناوين العريضة هذه؟ لا تفاصيل أو أسباب واضحة لمنع عبّاس جعفر. والبحث عن هذه الأسباب بدوره، لن يقود إلى نتيجةٍ واضحة، ولن نعرف أكثر من أنّ المسؤول عن منع الكوميدي اللبنانيّ هو نقابة الفنّانين السوريين، أو الفنّان زهير رمضان تحديدًا، نقيب الفنّانين، أو جلّادهم إن صحّ القول.

اقرأ/ي أيضًا: زهير رمضان.. ظل شاحب لسلطة متعالية

فـ"سليل الإقطاع" نسبةً إلى لقبه في مسلسل "ضيعة ضايعة"، عمل منذ تولّيه رئاسة النقابة، ومن بعد ذلك دخول مجلس الشعب؛ على منع العديد من الفنّانين السوريين والعرب من دخول الأراضي السورية، بما في ذلك فنّانون موالون لنظام الأسد، بحجّة الإساءة إليه، وتجاوز الخطوط الحمراء.

زهير رمضان إذًا المسؤول الأوّل عن منع عبّاس جعفر من دخول سوريا. هذا ما يبدو واضحًا، وما لا شكّ فيه إطلاقًا. ومُحاولات البعض، مُناصرين ووسائل إعلامية، تحميل المسؤولية للأجهزة الأمنية، والإشارة إلى رمضان من باب أنّ لا حول له ولا قوّة، تبدو محاولات غير صائبة أو مثمرة.

فجلّاد الفنّانين لم يعد اليوم ناطقًا أو "مُطبِّلًا" للسلطة فقط، وإنّما بات جزءًا عميقًا منها، لا من خلال دخوله مجلس الشعب فقط، بل من خلال النقابة نفسها، ذلك أنّ البحث عن نقابة الفنّانين السوريين اليوم، لن يقودنا إلّا إلى مفرزةٍ أمنية، أو فرع مخابراتٍ جديد، يُضاف إلى قائمة طويلةٍ من أجهزة القمع والاستبداد التي يرعاها النظام. والنقابة بهذا المعنى، ليست إلّا جزءًا عميقًا من سلطةٍ يبدو أنّها عرفت جيدًا لمن تولي مهمّة قيادتها، النقابة.

لا النقابة نقابة، ولا النقيب نقيب. يعرف كثيرون ذلك، معارضين كانوا أم موالين. الفئة الأخيرة تحديدًا ضاقت ذرعًا بزهير رمضان واستبداده، فخرج البعض منهم، وممن يُحسبون من صلب السلطة، يتشكّون من تسلّط "سليل الإقطاع" واستثماره للقضايا الوطنية والواقع الراهن في مزاحمتهم على رزقهم، من خلال تحويل النقابة التي طرد من طرد منها، وأحال من أحال من فنّانين إلى المجالس التأديبية؛ إلى مؤسّسةٍ لجباية الأموال، وفرض الأتاوات، في استنساخٍ يبدو واضحًا لتجربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي تزامن صعود نجمه مع تولّي رمضان رئاسة النقابة. إذًا، لدينا الآن الصورة الآتية: نقابةٌ تنطوي على فرعٍ أمني استخباراتي بمهام محدودة، ونقيبٌ يعمل برتبة مخبر، ما لبث أن تدرّج في المناصب، ووصل أخيرًا إلى رتبة جلّاد. إنّه اليوم ملك أكثر من الملك نفسه. وفي كلّ الحالات أيضًا، يُقال إنّ كلب الأمير... أمير!

منع اللبنانيّ عبّاس جعفر، ومن قبله العديد من الفنّانين السوريين والعرب من دخول سوريا، دليل على أنّ زهير رمضان يتعامل مع نقابة الفنّانين كمزرعةٍ شخصية لا تخصُ أحدًا آخر سواه إطلاقًا. كما تعامل الأسد الأب ومن بعده الأسد الابن مع سوريا، لأكثر من أربعين عامًا، قبل أن يجد نفسه مُحاطًا بشركاء جُدد. إنّه ببساطة يسعى لأن يستنسخ تجربة أسياده، وتطبيقها داخل النقابة، أي نقل القمع والخوف والذل الذي فرضه النظام على السوريين، دون أن يتخلّى عن دوره كأداةٍ للنظام في تنفيذ ما سبق.

مزرعة زهير رمضان هذه المعروفة بـ"نقابة الفنّانين السوريين"، أخذت على عاتقها الإبداع في إعداد وكتابة التقارير الأمنية، تلك التي يخطّها "الانبطاحي" كما وصف في "ضيعة ضايعة" بخطّ يده دون شك، ودون خجل، وبصراحة يملكها من يملكون نفسًا تشبيحيًا لا مثيل له. فهل لا تزال النقابة تندرج ضمن المؤسّسات الثقافية؟ أو السؤال الأدق، كيف لمؤسّسةٍ باتت اليوم جزءًا من السلطة أكثر من أي وقتٍ مضى، وتُدار بعقليةٍ أمنية بحتة، أن تدعم فنّانين أو تُنتج فنًا؟ كيف لمؤسّسة يديرها شخص بنفسٍ تشبيحيّ غير مسبوق كزهير رمضان، يقف في صفّ نظام اعتقل وعذّب وقتل وهجّر عددًا كبيرًا من الفنّانين المُعارضين لاستبداده؛ أن تفعل ذلك؟ لعلّ الإجابة واضحة في حجم التهاوي والانحطاط الذي وصلت إليه الدراما السورية في السنوات الأخيرة.

يلعب زهير رمضان دوره كجلّادٍ ومُخبر ببراعة تلفتُ الانتباه، ويردّ على من يصفه بعميل النظام، بأنّه عميلٌ فعلًا

ببساطة، يلعب زهير رمضان اليوم دوره المناسب في المرحلة الراهنة. يُطارد تصريحات الفنّانين بجهدٍ دؤوب، ويتصيّد هفوات البعض هنا أو هناك، لا سيما أولئك الذين ينافسونه على تقديم فروض الولاء والطاعة لنظام الأسد. يلعب دوره كجلّادٍ ومُخبر في نفس الوقت ببراعة تلفتُ الانتباه، ويردّ على من يصفه بعميل النظام، بأنّه عميلٌ فعلًا، ولكن لنظامٍ عربيّ، لا للموساد الإسرائيليّ، كأنّ العمالة مراتب ودرجات، وتختلف نزاهتها بين أنظمةٍ وأخرى. ولكن، هل هنالك فرق بين نظام بشار الأسد وكيان الاحتلال؟ لعلّ الروس، حُماة محور المقاومة والممانعة، والذين أعلنوا عن مساهمة جيش النظام بالبحث عن رفات الجندي الإسرائيليّ زخاريا باومل، يملكون إجابة كافية ووافية.

اقرأ/ي أيضًا: بيان زهير عبد الكريم.. سُعار المرابع

ولكن، في المقابل، من يُجيب على سؤالنا حول هوية الشعب الذي ينوب زهير رمضان عنه في مجلس الشعب؟ من يمثّل هناك تحديدًا؟ ضحايا المجازر الكيماوية في غوطة دمشق الشرقية؟ أو خان شيخون مثلًا؟ عن المُهجّرين من غوطتيّ دمشق، وحلب، ودرعا، وداريا؟ اللاجئين في مخيمات الدول المجاورة؟ المعتقلين في سجون الأسد ومسالخه البشرية؟ عمّن ينوب رمضان بالضبط: قوات التعفيش، أم الميليشيات الطائفية متعدّدة الجنسيات، حُماة أمن إسرائيل على حدود الجولان؟ لن نعرف بالضبط عمّن ينوب ومن يمثّل. ولن ننتظر من "المختار البيسي" كذلك إجابة على هذه الأسئلة، فليس عند الرجل ما يقوله، سوى كتابة المزيد من التقارير لأجهزة المخابرات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عباس النوري متصالحًا مع أكاذيب غيره

سامر المصري يتوسّل وطنًا لا رجاء فيه