بعد سنوات من المعاناة في سجون النظام السابق، يعود المعتقلون المحررون إلى بيوتهم ليس فقط بأجساد منهكة، بل وبذاكرة مشوشة وأمراض مزمنة. يحملون ذكريات لا تحتمل وأوجاعًا نفسية لا يمكن أن تعبر عنها الكلمات، في مشهد يعكس وحشية نظام الأسد ومدى بشاعة ما تعرضوا له داخل سجونه.
لا تختلف قصص هؤلاء الأسرى المحررين عن بعضها لناحية المأساة التي يعيشونها يوميًا.وفي ظل فقدان الذاكرة وغياب الحواس، وجد أهالي المعتقلين المحررين أنفسهم أمام واقع مرير، فالحياة بعد السجن ليست كما كانت قبلها. أمهات وآباء يجلسون في منازلهم مع أبناء عادوا إليهم، لكنهم ليسوا كما كانوا، مثل أم لمحرر كان في الجامعة قبل أن يتم اعتقاله، وعاد إليها لا يتذكر شيئًا عن حياته السابقة، لا عن دراسته ولا عن أصدقائه، وأصبح يعاني من حالات صمت تام، غير قادر على التواصل مع أحد بشكل طبيعي. مثل هذه الحالات تبرز حقيقة مأساوية، فقد أصبح العديد من المحررين من السجون غير قادرين على الاندماج في حياتهم السابقة، ليعيشوا في عزلة نفسية وجسدية.
وجد أهالي المعتقلين المحررين أنفسهم أمام واقع مرير، فالحياة بعد السجن ليست كما كانت قبلها. أمهات وآباء يجلسون في منازلهم مع أبناء عادوا إليهم، لكنهم ليسوا كما كانوا، مثل أم لمحرر كان في الجامعة قبل أن يتم اعتقاله، وعاد إليها لا يتذكر شيئًا، لا عن دراسته ولا عن أصدقائه، وأصبح يعاني من حالات صمت تام
وفي قصة أخرى، عاد أب إلى المنزل بعد اعتقال دام سنوات ولم يتعرف على أبنائه الذين كبروا في غيابه، فاقدًا قدرته على تمييز حتى الزمان والمكان. أصبح عاجزًا عن التفاعل مع من حوله، يعيش في حالة من الارتباك والهلوسة والصراخ، ولم يعد قادرًا حتى على تذكر أنه كان يملك حياة خارج السجن. مثل هذه الحالات لم تقتصر على فقدان الذاكرة، بل امتدت لتشمل أمراضًا نفسية مزمنة لا علاج لها.
من السجن إلى معاناة جديدة
يجد المعتقلون المحررون أنفسهم بعد الخروج من السجن في مواجهة قاسية مع واقع صعب. يُنقل بعضهم إلى المستشفيات النفسية أو يُعزلون منزليًا، بينما يرفض آخرون العلاج، إما بسبب الصدمة أو لشعورهم بالعجز أمام أوضاعهم الصحية.
الصدمة النفسية الناتجة عن التعذيب المستمر والحرمان من النوم والطعام في معتقلات النظام، عدا عن الظروف البيئية القاسية داخل السجن، تترك آثارًا مدمرة على العقل البشري
وحتى عندما يرغبون بتلقي العلاج، فإن التكلفة الباهظة في المستشفيات الخاصة أو العيادات النفسية، وعدم وجود دعم حكومي أو مؤسساتي، تجعل من الصعب الحصول على العلاج المناسب. كما أن الخوف من اللجوء إلى العلاج النفسي يجعل البعض يعزلون أبناءهم عن العالم الخارجي، في محاولة لتجنب الإحراج الاجتماعي، ما يؤدي إلى وضع أكثر تعقيدًا.
الصدمة النفسية الناتجة عن التعذيب المستمر والحرمان من النوم والطعام، عدا عن الظروف البيئية القاسية داخل السجن، تترك آثارًا مدمرة على العقل البشري الذي لا يستطيع تحمل هذه الضغوطات، وغالبًا ما يتوقف عن العمل بشكله الطبيعي، والحالات التي نراها اليوم هي نتيجة مباشرة لهذا الضغط المستمر.
وتؤكد الدراسات الطبية أن المعتقلين الذين تعرضوا لدرجات قاسية من التعذيب، يتعرضون لخطر الإصابة باضطرابات نفسية خطيرة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والذهان، والاكتئاب المزمن. وفي بعض الأحيان، تبلغ هذه الاضطرابات حدًا يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية شبه مستحيلة.
في ظل هذه المعاناة، تبقى الحلول محدودة، فمعظم الأسر تواجه تحديات يومية في محاولاتها لمساعدة أبنائها الذين يعانون من آثار التعذيب. رغم كل ذلك، يبقى الأمل في وجود مجتمع قادر على تقديم الدعم النفسي، وتوعية الأفراد بأهمية العلاج النفسي، وتأسيس مراكز متخصصة لدعم هؤلاء المحررين وأسرهم.
الدعم والعلاج وإعادة التأهيل
من الحلول الأساسية التي يمكن أن تساعد في معالجة الحالات النفسية التي يعاني منها المعتقلون المحررون هو إنشاء مراكز متخصصة لتقديم العلاج النفسي والطب النفسي، مجهزة بالأطباء النفسانيين والمعالجين المتخصصين في علاج الصدمات النفسية الناتجة عن التعذيب، توفر بيئة آمنة وخالية من أي إحراج اجتماعي للمحررين وعائلاتهم، وتقدم استشارات فردية وجماعية، وتدريبًا على كيفية التعامل مع أعراض الاضطرابات النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والذهان.
كذلك من الضروري أن تتوفر برامج دعم مالي للأسر التي ترعى المعتقلين المحررين، وعلى الحكومة السورية الجديدة أو المنظمات الإنسانية توفير تمويل مخصص للعلاج النفسي، بما في ذلك تكاليف العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة، وفي سبيل ذلك يمكن إنشاء صناديق أو برامج مساعدة تقدم الدعم المالي للأسرة التي تعجز عن تحمل تكاليف العلاج، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية، ويمكن أن يشمل هذا الدعم أيضًا التدريب على إدارة التحديات الاقتصادية التي قد تواجهها الأسرة.
في ظل هذه المعاناة، تبقى الحلول محدودة، فمعظم الأسر تواجه تحديات يومية في محاولاتها لمساعدة أبنائها الذين يعانون من آثار التعذيب. ويبقى الأمل في وجود مجتمع قادر على تقديم الدعم، وتوعية الأفراد بأهمية العلاج النفسي، وتأسيس مراكز متخصصة لدعم المحررين وأسرهم
دعم الأسر التي تحتضن المعتقلين المحررين نفسيًا واجتماعيًا عبر برامج مخصصة لإرشاد أفراد الأسرة حول كيفية التعامل مع التغيرات التي تطرأ على حياة المحرر، بما في ذلك كيفية التعامل مع حالات الهلع، التوتر، أو الاضطرابات العقلية، فمن خلال توفير الدعم للأسر، يمكن تيسير عملية التأهيل النفسي والاجتماعي للمحرر، والتخفيف من العبء الذي يواجهه الأهل.
من المهم أن يتم العمل على دمج المعتقلين المحررين في المجتمع من خلال برامج إعادة التأهيل الاجتماعي، وتشمل تقديم الدعم في مجالات التعليم المستمر أو تدريب مهني يساعد المحررين على العودة إلى سوق العمل بعد فترة من الانقطاع، ويمكن لهذه البرامج أن تشمل ورشات عمل لتعلم مهارات جديدة أو دعمًا في إيجاد وظائف تناسب ظروف المحررين الحالية، قد يساهم ذلك في تعزيز شعورهم بالاستقلالية والكرامة، مما يساعدهم في إعادة بناء حياتهم بطرق مختلفة.
دور المجتمع في احتضان المحرَّرين
يحتاج المجتمع السوري إلى زيادة الوعي حول الصحة النفسية وأثر التعذيب على الأفراد، عبر برامج التوعية التي تركز على التعريف بتجارب المعتقلين المحررين وأهمية الدعم النفسي التي يمكن أن تكون جزءًا من الجهود المجتمعية لدمجهم بشكل أفضل، وتساعد هذه البرامج في تغيير النظرة الاجتماعية اتجاه المحررين، وجعل المجتمع أكثر قبولًا وتفهمًا للحالات النفسية التي يعانون منها، كما يجب العمل على زيادة ثقافة التقبّل، مما يسهل تفاعل المحررين مع المجتمع دون الشعور بالعار أو الاستبعاد.
تعافي هؤلاء الأشخاص الذين أُرغموا على دفع ثمن باهظ مقابل حريتهم، ليس مجرد مسؤولية فردية، بل هو مسؤولية جماعية
وتتطلب هذه الحلول جهدًا جماعيًا من الجميع، الحكومات، المنظمات الإنسانية، المجتمع المدني، وأفراد المجتمع، فقط من خلال هذا التعاون، يمكن أن يتم تخفيف معاناة المعتقلين المحررين، ومنحهم فرصة للعيش بسلام نفسي رغم الصدمات العميقة، والبدء في مرحلة الشفاء بعيدًا عن شبح القهر الذي عاشوه في سجون النظام، تعافي هؤلاء الأشخاص الذين أُرغموا على دفع ثمناً باهظاً مقابل حريتهم، ليس مجرد مسؤولية فردية، بل هو مسؤولية جماعية من أجل بناء مجتمع قادر على مساعدة ضحاياه في استعادة حياتهم الطبيعية.
وفي النهاية، يبقى أن نقول إن معاناة المعتقلين المحررين من سجون الأسد المخلوع تمثل واحدة من أعمق الجروح التي خلفتها سنوات من القهر والتعذيب. ومع أن الطريق نحو الشفاء والتعافي ربما صعب وطويل، لكنه ليس مستحيلًا. هؤلاء بحاجة إلى أكثر من مجرد كلمات تعزية، وإنما إلى بيئة داعمة، ومجتمع يفتح ذراعيه لهم ليعيد لهم كرامتهم، إلى خدمات صحية ونفسية توفر لهم الأمل في حياة جديدة.