26-مارس-2017

نصر الله في أحد خطاباته (Getty)

المنتبه إلى تطور مفهوم الإرهاب اليوم، في خطاب الممانعين العرب، وفي خطاب اليمين الأوروبي والأمريكي أحيانًا. سيجد أن تغييرًا خاصًا وقع على صورة الإرهابي في هذه الخطابات. فإضافة إلى الانتقاء القديم، الذي يتم من خلاله إلغاء كل عنف ديني من غير المسلمين، ويتحول به الإرهاب إسلاميًا فقط. فإن تغيرًا جديدًا على ما يبدو، في الفترة الأخيرة، جعل المفهوم يقتصر على وصف التطرف السني بشكل خاص.

مع أول تهديد من فترة طويلة لقلب النظام السوري، دمشق، خرج علينا بعض المثقفين العرب بمخاوف كبرى على العلمانية السورية من رجال المعارضة المتدينين. وهو على أية حال، تخويف مشروع ويجب أن يثار، فالثورة جاءت بأهداف وشعارات مدنية لا يجب أن تفسدها الشعارات الدينية والمحافظة بعد كل هذا الدم. إنه تخويف مشروع، وهي أسئلة ضرورية حول مدنية الثورة، لولا أنه آتٍ وأنها آتية في سياق غير مشروع أبدًا.

لا ينكر أخطاء المعارضة، والمعارضة التي لها نزعات محافظة بشكل خاص، إلا مستهتر بمصير الثورة السورية ومستقبل سوريا

لا ينكر أخطاء المعارضة، والمعارضة التي لها نزعات محافظة بشكل خاص، إلا مستهتر بمصير الثورة السورية ومستقبل سوريا. لكن المبالغة في حديث عن الأحزاب المعارضة المتدينة، والمغالاة في وصف تهديدها على الأمن العام وعلى العلمانية والحريات، باعتبار كل معارض متدين هو نسخة من داعش. والتغاضي عن معظم الميليشيات المتطرفة التي تقاتل مع النظام، يستدعي تحليلًا جديًا، يستند إلى فهم أساس هذه المغالاة وهذا التغاضي.

آلاف يقاتلون في صف النظام، قدموا إلى سوريا من أفغانستان ولبنان والعراق ودول أخرى، بحجة الدفاع عن مزارات وقبور شيعية، ودعوات طائفية لم يعد حزب الله وغيره قلقًا من إظهارها. سياسات طائفية ينتهجها النظام من عشرات السنين. كل هذا لا يعني جهابذة الليبرالية والعلمانية العربية، وهو على ما يبدو لا يعني ولا يخيف اليمين الأوروبي والأمريكي الآن.

اقرأ/ي أيضًا: هكذا أنقذت السعودية حسن نصر الله

خطاب حسن نصر الله قبل أيام في ذكرى ميلاد فاطمة، الذي مر مرورًا سريعًا، دليل واضح. لا تخلف ولا ورجعية أكثر من هذه. الرجل قال بوضوح كل ما يمكن أن يقوله سلفي يقاتل مع داعش عن المثليين وحقوق المرأة والزواج المبكر.

قال عن المثليين إنهم ضد "الطهارة الإنسانية"، وعن حقوق المرأة إنها لعبة لتدمير المجتمع، وعن من ينتقدون الزواج المبكر، إنهم "يخدمون الشياطين وإبليس، ويخدمون عدونا"، و"يجب الترويج لثقافة الزواج المبكر" (من سياق الحديث، يتحدث الرجل عن زواج الأطفال). وكل هذا لا يثير قلق الحريصين على علمانية دمشق.

لا بد من إشارة جريئة إذن، وإن لحقتها اتهامات كثيرة بالطائفية، أن التطرف الشيعي ليس خطيرًا اليوم حسب ما يروج الخوافون على العلمانية، وأن الخطاب الأمني المهووس بالخطر الإسلامي صار مهووسًا بخطر الإسلام السني وحسب. وهذا تحول يحتاج إلى بحث جدي وإلى تبيان أسباب.

قال خطاب حسن نصر الله قبل أيام كل ما يمكن أن يقوله مقاتل مع داعش عن المثليين وحقوق المرأة والزواج المبكر

التغاضي والمغالاة المذكوران، يظهران ببساطة أن "التخلف" لا يكون مخيفًا في نظر كثيرين، إلا إن كان سنيًا. أما إن كان شيعيًا، فسيبقى معقولًا وموقفًا شخصيًا لا يتعلق بأمن مجتمعاتنا وأمن العالم.

هذا حديث لا يتعلق بافتراض أن هناك مجموعات خطيرة يجب التنبه لخطرها، أو بالمفاضلة بين تطرف وتطرف، ولكنه دعوة من خلال الإشارة إلى هذا التغير، إلى قراءة جديدة لمفهوم الإرهاب ولمساراته. وإشارة إلى تقاطع مصالح اليمين الأوروبي والأمريكي، مع الممانعة ومع الليبرالية العربية الهشة، في التقليل من شأن الخطر الشيعي والمبالغة في شأن الخطر السني. وهو تمايز ينطوي على طائفية واضحة. وهو تقاطع متعلق بالضرورة بما يحدث في الوطن العربي، وسورية تحديدًا، والاصطفافات منه في السنوات الأخيرة.

ينطوي وصف الأصولية والتطرف الذي توصف به حركات وأنظمة، على كونه وصفًا سياسيًا بامتياز، قائمًا على انتقاء أيديولوجي كامل. ومهم الانتباه إلى التجاهل القصدي لأصولية حزب الله.

بينما اليوم يبدو أن الأصولية الخطيرة لم تعد حكمًا سياسًا وحسب، ولكنها صارت حكمًا طائفيًا، سببه الأساسي أن "ليبرالية" الممانعة العربية اليوم قائمة على فهم طائفي للأخلاق، وأن مخاوفها قائمة على انتقاء طائفي أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا:
حسن نصر الله يستشهد بأقوال دونالد ترامب!
عهد عون: إيراني-سوري وتكريس لـ"حزب الله"؟