05-أكتوبر-2021

سبب إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية أزمة جديدة للرئيس ماكرون (Liberation)

ألتراصوت- فريق التحرير

نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تحقيقا مطولا حول كواليس انهيار صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا، التي كانت تقضي بتصميم 12 غواصة من نوع باراكودا من طرف باريس لصالح كانبيرا بغلاف مالي يصل إلى 34 مليار يورو، في واحدة من أكبر صفقات القرن الواحد والعشرين، واعتبرتها فرنسا اعترافًا بمكانتها التصنيعية في العالم.

 استعرض التحقيق الذي شارك في إنجازه ستة صحفين من خمس محطّات رئيسية مرت بها الصفقة منذ بدايتها وحتى انهيارها

 استعرض التحقيق الذي شارك في إنجازه ستة صحفيين خمس محطّات رئيسية مرت بها الصفقة منذ بدايتها وحتى انهيارها، وما تخللها من "ضبابية وعمى وأكاذيب وسذاجة ومفاجآت" أدت إلى إخفاقها والتسبب بكارثة دبلوماسية من العيار الثقيل، بين أربع دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا من جهة وفرنسا "المغدورة" من جهة ثانية.

المحطة الأولى

كانت المحطة الأولى في ربيع وصيف العام 2016، حيث أرسل الطرف الأسترالي أول إشارة تفيد بتحفظ الأستراليين حول المشروع، وذلك بعدما دخلوا مع شركة (DCNS) المصنعة للغواصات في اجتماعات سرّية تجارية لتحديد المبالغ والمواعيد النهائية للدفع ونقل التكنولوجيا وتصميم الغواصات، إذ أعرب جزء من مجتمع الدفاع الأسترالي حسب صحيفة ليبراسيون عن تحفظات كبيرة بشأن المشروع عبّر عن جانب منها المستشار السابق لوزير الدفاع الأسترالي هيو وايت عندما صرح أن إدارة بلاده كانت تحت الضغط بسبب اختيار التعامل مع محاور واحد من دون منافسة.

 وذكرت صحيفة ليبراسيون في هذا الصدد أن نهاية آب/أغسطس 20216 شهدت دق ناقوس الخطر في كانبيرا بعدما كشفت صحيفة "ذي أوستراليان" (The Australian) اليومية أنها تصفحت آلاف الوثائق السرية المتعلقة بالغواصات التي صنعتها شركة (DCNS) للأسطول الهندي، وهو ما تسبب بإضعاف ثقة الأستراليين بسرية عمل المجموعة الفرنسية، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت من طرف المعارضة الأسترالية للصفقة، لكن الفرنسيين والأستراليين تجاوزوا هذه الصعوبة من خلال "طلب مزيد من السرية من المجموعة، خاصة أن الغواصات المطلوبة لا تشبه الغواصات الهندية التي نشرت عنها المعلومات".

المحطة الثانية

في العام 2018 -2019 جرت الرياح في أستراليا بما لا تشتهيه "غواصات" فرنسا، فقد اضطر مالكولم تورنبول أحد أهم المروجين لصفقة الغواصات الفرنسية إلى الاستقالة، لتبرز إلى الواجهة صعوبات جديدة، تمثلت في "التصميم وإنشاء مصنع تصنيع جديد ونقل التكنولوجيا وخلق ثقافة عمل، حيث يمكن للنهجين الأسترالي والفرنسي أن يشكلا شراكة فعالة في كلا الاتجاهين".

لكن وبعد تجاذبات طويلة  بين الطرفين الفرنسي والأسترالي تم توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي طال انتظارها في شباط /فبراير 2019.

المحطة الثالثة

مثل العامان 2019 و2020 منعرجا كبيرا في صفقة الغواصات، فبالرغم من قيام فرنسا في 14 تموز/يوليو 2019 بإطلاق الجيل الجديد من غواصة "سافرن" (Suffren) الهجومية النووية الأولى من سلسلة باراكودا، من أجل "صديقتها أستراليا"، وحضور وزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز للحفل المقام بتلك المناسبة وتعبيرها عن فخرها بالغواصة الجديدة، إلا أن الأستراليين  عادوا من باريس بمخاوف جدية، فقد تحدث أحد أعضاء الوفد  الأسترالي، حسب ليبراسيون، عن الطريقة الفرنسية التي تعتمد كثيرا على عدم المبالاة، ومن تلك اللحظة بدأت كانبيرا تدرس بديلا عن باراكودا في حالة تعذر تلبية التوقعات الأسترالية، ولذلك ظهرت الخطة "ب" في أواخر عام 2019  وأوائل 2020، حسب تحقيق الصحيفة الفرنسية.

المحطة الرابعة.. الخطة "ب" قيد التفعيل

شتاء العام 2021 توجه بيير إريك بوميليه، الرئيس التنفيذي لمجموعة نافال غروب، إلى أستراليا، بهدف طمأنة الأستراليين وإصلاح العلاقة المتردية بين وزارة الدفاع ومجموعته، حسب تحقيق ليبراسيون، وحينها كانت أبرز مخاوف الأستراليين العميقة تتعلق بنقل التكنولوجيا، فقد أعربت وزيرة الدفاع الأسترالية عن "خيبة أملها" و"إحباطها" من بطء المناقشات مع مجموعة نافال، وعن الانزلاق المالي، حيث بلغت الصفقة 80 مليار دولار أسترالي بدل 50 المعلنة أصلًا.

على مسار آخر موازٍ نشأت مجموعة عمل جديدة لبناء السفن المطلوبة أسترالياً، وتم تعيين وزير البحرية الأميركي السابق دونالد وينتر مستشارا خاصا لرئيس الوزراء الأسترالي لهذه المهمة بشكل خاص.

ومع تقلد بيتر داتون  منصب وزارة الدفاع الأسترالية، اقتربت أستراليا من الولايات المتحدة بشأن التكنولوجيا النووية و"وجدت أنها مستعدة للشراكة معها أكثر"، حسب تحقيق ليبراسيون، كما وجهت كانبيرا دعوة للاستفسار عما إذا كان البريطانيون والأميركيون سيساعدون الأستراليين في بناء أسطول من الغواصات تعمل بالطاقة النووية وتكون لديها طاقة تحمل غير محدودة تقريبا.

وهكذا ولدت عملية هوليس، الاسم الرمزي لهذه الصفقة البالغة السرية، حسب تحقيق ليبراسيون، ووقع الجميع على وثيقة تعهدوا فيها بعدم إفشاء محتوى مناقشاتهم، وتزامن ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الأسترالية أنها "تدرس خيار غواصة ألمانية مع تصاعد التوترات مع المجتمع الفرنسي".

المحطة الخامسة.. الخاتمة السيئة لصفقة القرن الفرنسية الأسترالية

تقول الصحيفة الفرنسية إنه في قمة مجموعة السبع التي استضافتها لندن كان مفاجئا الظهور المشترك للرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ومتسلل آخر من خارج القمة -حسب تعبير الصحيفة- هو رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون

تمثلت المفارقة في استمرار الأستراليين بطمأنة الفرنسيين بشأن مسار الصفقة، لتستيقظ باريس في 15 سبتمبر على غرق الصفقة برمّتها

كانت تلك اللحظة هي التجسيد الدرامي للتحالف الجديد الذي أسقط صفقة الغواصات الفرنسية، لكن المفارقة تمثلت في استمرار الأستراليين بطمأنة الفرنسيين بشأن مسار الصفقة، حيث أكد كل من وزيري الدفاع الأسترالي والفرنسي بالتزامن مع قمة السبع على "أهمية برنامج الغواصات المستقبلي"، وهو ما نُظر إليه في باريس على أنه مؤشر "مطمئن للغاية"، لتستيقظ باريس في 15 أيلول/سبتمبر على غرق صفقة الغواصات وتبدأ بذلك أزمة ثقيلة بين الحلفاء ما تزال تتصاعد حتى اليوم. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في أول زيارة بعد أزمة الغواصات.. بلينكن يلتقي نظيره الفرنسي في باريس

إهانة غير مباشرة أم تكتيك دبلوماسي.. لماذا لم تسحب فرنسا سفيرها من لندن؟

أزمة الغواصات الفرنسية.. التداعيات مستمرة