18-يناير-2016

طاهر مختار

يقترب اليوم الموعود والهدف المنشود لدى الشعب، بينما يزداد القلق المعهود والخوف الموجود لدى النظام من كل ما يمثل "ثورة يناير"، أو لا تزال رائحة الثورة عالقة ببدنه، ورائحة الغاز المسيّل للدموع تتعلق بملابسه. هؤلاء المخابيل تحولوا تمامًا إلى طيور جارحة تنهش بدن الأوطان وتنّقض على الشباب القابع في الجحور لتأكل الأكباد والقلوب، وتقتل الأفكار وتحارب العقول. 

يزداد القلق والخوف لدى النظام المصري من كل ما يمثل "ثورة يناير"، أو لا تزال رائحة الثورة عالقة ببدنه

الأمن جُنّ بالكامل، عاث في الأرض فسادًا، لم يترك الأخضر أو اليابس كيأجوج ومأجوج، لم يدع شربة ماء في طريقه إلا وأفسدها، يقترب يوم حسابهم وهم في غفلة معرضون، يقتلون ويسجنون ويخطفون بدعوى حفظ الأمن وحفظ النظام، يحاولون بشتى الطريق تأجيل يوم الحساب، فيدفعون الناس بغباءهم وهمجيتهم نحو الثورة من جديد.

اقتحمت قوات الأمن المنزل على الدكتور طاهر مختار، وأحمد حسن الشهير بـ"استاكوزا"، وحسام الدين حماد الشهير بـ "سام"، وقامت بتفتيش المنزل وإلقاء القبض عليهم، وصادرت أجهزة الموبايل والحاسب الآلي، وبعد تسع ساعات من تحقيقات الأمن الوطني دون دخول المحامين، تم توجيه تهمة حيازة مطبوعات تحرض على قلب نظام الحكم! هذه التهمة التي كنا نراها في الأفلام القديمة وكان الأمن الوطني يُسمّى وقتها بالقلم السياسي، ما هي إلا تهمة مثيرة للسخرية والشفقة على غباء النظام، ولا تزال تُستخدم ضد المعارضين في 2016! نيابة عابدين قررت حبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيق، ثم تجديد حبسهم لخمسة عشر يومًا آخر.

كان من ضمن هذه المطبوعات أوراق تخص الحق في الصحة وحملة الإهمال الطبي في السجون جريمة، وهو المجال الذي يهتم به الدكتور طاهر مختار، في كانون الأول/ديسمبر الماضي تواصلت مع الدكتور مختار لمساعدتي في التحقيق الذي كنت أعمل عليه بخصوص الإهمال الطبي في السجون المصرية، والذي نُشر في أواخر الشهر نفسه. 

تكلمنا عدة مرات عبر الهاتف والفيسبوك ولم نتقابل مرة واحدة ولكني شعرت بصدق الرجل وبتحمله آلام الآخرين، وسعيه الجاد في قضية مهمة وهي الحق في الصحة والدفاع عن حقوق المساجين المعرّضة حياتهم للخطر داخل السجون ومقار الاحتجاز بسبب الإهمال الطبي، الدكتور مختار هو من اختار أن يوظّف عمله في خدمة المجال العام ورفع الظلم عن المظلومين.

 كل يوم نفقد عزيزًا، ونخسر خسارة جديدة، وكل يوم يشمتون فينا ويضحكون بينما نبكي الليل

استاكوزا، لا أتذكر تحديدً كيف تصادقنا، لكني أذكر كيف أنه من أكثر الأشخاص المسالمين الذين قابلتهم في رحلتي القصيرة، يكره العنف أكثر من أي شيء آخر ويميل إلى السلام والحلول البديلة في كل مناحي الحياة، أذكر أنني مرة كنت أمازحه، وقمت بتهديده بضربه، فضحك ساخرًا وقال إنني بالتأكيد سأفوز لأنه لا يتشاجر، هذا الشاب المسالم المُحب للموسيقي متهم بقلب نظام الحكم، وحياته متوقفة على قرار إفراج. 

حسام الدين حماد لم يسلم هو الآخر من قبضة الأمن الغبية، كل ما أعرفه عنه أنه وكما نقول بالعامية المصرية "مالوش في السياسة"، ولكن صداقته مع أشخاص يمارسون العمل العام أمر يجعله في نظر الدولة مجرمًا هو الآخر.

كنت أتعجب من صبر جماعة الإخوان، كيف لهم هذه القدرة من التحمل، كانوا إذا تعرّض أحدهم لبلاء يقولون "ربح البيع"، كان هذا الصبر يفقدني أعصابي، كيف يربح البيع في مثل هذه المواقف، ربما يستمدون قوتهم من مرجعيتهم الدينية والتاريخ الإسلامي واليقين بالنصر القريب. لكني لست مثلهم، لا أرى بعيونهم، نفذ الصبر وبهتت شعلة الأمل وفقد اليقين. 

لم يربح البيع، هم فقط من يكسبون، أما نحن دائمًا ما نخسر، في كل يوم نفقد شخصًا عزيزًا، في كل يوم نخسر خسارة جديدة، في كل يوم هم يشمتون فينا ويضحكون بينما نبكي الليل، في كل يوم يمارسون انتقامهم الغبي منّا بينما نستسلم لانتقامهم، لابد من يوم سنبادلهم الانتقام، ولكن اليوم حقًا لم نربح البيع، إننا نخسر كل شيء.. نعتذر منكم، لم يربح البيع يا حسام، لم يربح البيع يا طاهر، لم يربح البيع يا استاكوزا!

اقرأ/ي أيضًا:
  
جمال مبارك يصلي صلاة مودع

مصر.. إنها حرب المياه