14-يونيو-2019

منيف عجاج/ سوريا

مربكٌ كيف للخلاء أن يصبح سجنًا، تضيق جدرانه كلما اتسع عمقه أكثر. ظنّ بأنه قد ألف البادية وألفته، وها هي تعبس في وجهه كعجوزٍ فقدت حاسة السمع. مساحاتٌ خالية من أي شيء سوى بعض الحيوانات النحيلة، والبيوت الحجرية الصغيرة المبعثرة في الأرجاء. قال له عامر قبل أن يفترقا: "لا تنظر وراءك، وإن رشوك بالرصاص لا تهرب". عرف مقصد صديقه الآن، فلا مكان للهرب أو للاختباء إن لحقوا به. لذلك، الأفضل أن يستعجل قدره، على أن يموت لاهثًا خائفًا كقطٍ جريح. في هذي البادية التي بدت وكأنها لا تنتهي، نظر إلى الوراء، وبلحظة شعر بسخافة ما قاله عامر من فذلكة سمجة.. كيف له ألا ينظر خلفه؟ إنه يهرب في قساوة البادية، يهرب من الموت! كيف يحرم نفسه من نشوة النجاة كلما نظر خلفه ولم يجدهم؟ معظم الجنود الذين انسحبوا هربًا باتجاه القرى المجاورة تم أسرهم بكمائن لما يعرف بتنظيم الدولة، أو بوشاية من أهالي القرى، ليتم ذبحهم بشكل فوري، أو بإعدامات جماعية تقام كل ساعتين في الساحة العامة، ويتهافت لحضورها الفتية كما الكبار.

رامز كان جنديًا وسيمًا، شجاعًا في المعارك، لا يهاب الموت إلا حين يهبط عليه شبح ابنه الوحيد، باكيًا على فراق والده، حينها يجبن، ويتذكر أن لحياته قيمة أكبر مما يظن. سُحِب إلى الخدمة لإلزامية في أواخر العام 2011، أي قبل ثلاثة أعوام من هروبه هذا. وهو مرابط في ذات المقر منذ عامين تقريبًا.

كان مستلقيًا بلباسه العسكري تحت خزانٍ ضخمٍ للمياه على أعتاب احدى القرى البعيدة، يدخّن سيجارة لم يكن بحوزته غيرها، المكان الذي قرر أن يستسلم به لم يكن مكشوفًا تمامًا، ولم يكن مخفيًا أيضًا. ببساطة، كان من الأماكن المجهزة لأن يفقد فيها المرء حياته. حين مرّت سيارة البيك آب التابعة للتنظيم، تذيع تسجيلًا فحواه بأن كل من يأوي أيًا من جنود الجيش السوري سيلاقي مصير الجنديّ الذي أخفاه، شعر للحظة بأن عليه أن يسلّم نفسه، أو أن يقتلها. حين اقترب الصوت أكثر من حيث يختبئ أطفأ السيجارة، وللحظة شعر بالخوف يسري في عروقه كما لم يشعر من قبل، أي ميتةٍ هذه التي تنتظره لو لاحظ أحد المقاتلين بأن الضحية جاهزة للذبح. ربما ما كان عليه أن يلقي سلاحه، فكّر للحظة، كان عليه أن يقاتل، أن يموت مقاومًا، لكن لكل منا ما يجرّده من سلاحه، ما يسقطه من يده ويرغمه على الخنوع.

حين وجده أبو جاسم كان شاحب الوجه، يرتجف بشكل هستيريّ، راقبه الرجل الذي بلغ حوله السادس، نظر إلى وجهه المتسخ، إلى عيونه غير المفهومة، إلى الجسد النحيل وشك بأن الجنون قد مسّه، ويجب تركه يرتجف حيث هو حتى يعثروا عليه. لكن أيتركه للموت هكذا، بعد حياة من الشهامة والمواقف الكريمة، يترك إنسانًا ضعيفًا للموت هكذا؟! نزل عن حماره دون تفكير واقترب، صمت بضع ثوان ثم خرجت الكلمة من بين أسنانه: "اركب". لم يقل غيرها. هدأ الجنديّ، ثم بدأ يضحك، يقهقه بصوت جعل أبو جاسم يشعر بالخوف، فحاول تهدئته باللين تارة وبالتهديد تارة أخرى، كان الجنديّ يرنو إلى حفنة من التراب ويضحك. فقرر أن يهرب من هذه الجثة المجنونة، وحين مشى أولى الخطوات مبتعدًا تحّول - بلحظة - ضحك الجنديّ بكاءً حادًا، كان يضرب خديه ويبكي، وينطق بما لا يفهم. تحول نظره من حفنة التراب إلى عيون منقذه ولا شيء سواهما، ناح حتى شعر أبي جاسم بأن الصوت مزّق روحه، فعاد وقاده من يده حتى ركب، ثم وضع عليه بعض الأكياس علّها تخفي لباسه، ومشى يسوس الحمار دون أن ينطق بكلمة.

في الطريق، كان رامز ينظر أمامه فقط، حلقه جافٌ وقدماه ترتجفان بشكل متقطع، لكنه عرف أن هذا هو وقت الخيارات الواضحة، فإذا كان الموت خلفه، فلا بد أن الحياة أمامه. وكان يسترق النظر إلى الرجل. أبو جاسم طويل القامة، أشيب الشعر، لديه انحناءة خفيفة في ظهره ووجهه حنطيّ، عيناه صغيرتان يجثم فوقهما حبلٌ غليظٌ على شكل حاجبين أشيبين.

خلال ربع ساعة تقريبًا كانا قد وصلا إلى بيت صغير، يشبه كل البيوت المجاورة بالهيكل الخارجي، ويختلف عنها بالدخان الذي يتصاعد معجونًا برائحة الطعام اللذيذ. يقف طفلٌ أمام باب البيت، طفل عذب اقتُلع من فصل الربيع وزجّ به في هذه البادية. كان ينتفض حماسًا بفعل كل الإثارة التي شاهدها مؤخرًا، وسرعان ما وثب ليستكشف الشيء الذي جلبه والده. بالطبع، ما كان ليعرف أنه، وبسبب هذا الرجل، سيفقد حياته برصاصةٍ في العين اليسرى بعد أقل من 24 ساعة.

حين أرخى رامز جسده على أول كرسيّ ظهر أمامه، وشعر بقواه وقد خارت فجأة، قال أبو جاسم: "بعدك ما نجيت" ثم قاده من يده إلى المطبخ. لحقهم فلاح، الطفل، يمشي خلفهم بخطوتين. "هذا الطعام لهم" قال أبو جاسم بعجلة، وبعد أن فتح بابًا مخفيًا خلف الأواني العملاقة، وقبل أن ينطق المساعد أول بكلمة قال منقذه "الأكل بعدين"، وأغلق الباب السريّ ليصبح رامز ممددًا بغرفة رطبة، خالية إلا من بضع شوالات قمح وبعض الأسلحة الخفيفة.

مرّت الدقائق الأولى ببطء شديد، كل ما حدث في الساعات الأخيرة كان جنونيًّا، غريب الشعور حين تنسى أنك جائعٌ حتى الموت، لأنك مهددٌ بالموت حقًا. الآن بعد أن بقي رأسه في مكانه، تنبّه لحقيقة أنه لم يأكل منذ اثنتي عشرة ساعة، ولم يشرب الماء إلا حين وجده أبو جاسم منذ ساعة تقريبًا. كانت الأصوات كثيفة، رصاص متقطعٌ وصراخ وطائرات، أصوات متداخلة تمط نفسها لتدخل نحيلة من نافذته الصغيرة. خطر لرامز أن يغامر ويصرخ طالبًا الطعام، لكنه ما لبث أن تذكر الجملة الحارقة التي قذفها أبو جاسم في وجهه "بعدك ما نجيت".. لم ينجُ بعد، مريحة بقدر الرعب الكامن بين حروفها، لكن تلك الـ"بعد" السحرية كانت ترسم على وجهه طيف ابتسامة كلما تذكرها. بعد.. النجاة آتية لا محالة إذًا، لكن ليس بعد.

لا داعي لأن أروي ماذا دار في الساعات الأربع الأولى خارج الغرفة السرية، لا شيء يعنيكم. لكن وبشكلٍ مختصر: الكثير من الترقّب. فلاح ذو الأعوام العشر منع من الخروج منعًا باتًا، لذلك حاول أن يتعلم صنع الحلوة مع والدته، أبو جاسم كان كثير الحركة وشرب الشاي، مر أخوه أبو محمد وتحدثا قليلًا بالتطورات واستراتيجية البقاء الجديدة. بالطبع، لم يقل صاحب البيت بأنه أنقذ جنديًا للنظام، ليس لأن أبا محمد قد يشي به، لن يفعلها. لكن بالنسبة للأخ العجوز، هذا الزيّ لا يعني إلا شيئًا واحدًا: زي قتلة محمد.

كل هذه التفاصيل لا تهمكم، ما يهمكم هو ما حدث في حدود الساعة الرابعة عصرًا. لنعد إلى الغرفة السرية..

بدأ يغيب عن الوعي، الآن أصبح الماء أهم من البقاء، الماء الآن، وبعدها الموت، لا يهم. تلاشت هذه الفكرة الثورية فور اقتراب صوت الموت الحقيقيّ، إنها أقدامهم، هذا صوت زحفهم في كل أرجاء البيت. لم يسمع إلا بعض الجمل المبعثرة غير المفهومة، وأصوات أخرى ناجمة عن تحريك الأثاث بانفعال. إنهم يبحثون عنه وعمن مثله إذًا، تنتشر الأصوات وتختفي بلحظة؛ فيسري الرعب في عروقه، يعود الصوت فيخاف أكثر. اقتربت بعض الهمهمة من مخبئه، ثم صارت قريبة جدًا، بات يسمعهم كما لو أنهم أمامه. تكسرت بعض الأواني، علا الصراخ وكأن شيئًا ما قد حدث، ثم سمع جملة بوضوح الموت، قال أحد الرجال مخاطبًا الطفل "فلاح وين متخبي عمو؟". سالت دمعة بلحظة، وتبعتها أخرى. أهي النهاية؟ أهكذا بعد المعارك والكرّ والفرّ، بعد سنوات من الصبر، وبعد الوعود التي قطعها لجثث رفاقه الصامتة، بعد عامر الذي لفظ آخر أنفاسه بين يديه منذ ساعات فقط وهو يقول "ولادي أمانة"، يموت في غرفة كهذه، محاطًا بالقمح وأسلحة الغير؟! حين بدأت الأفكار تتصارع في رأسه، والاحتمالات بدأت بالتكشف انتشرت رائحة "جاد" في الغرفة، بسرعة ملأتها. عاد الشبح الصغير، نزل من السماء أو خرج من بين الجدران لا يدري، لكنه تكوّن أمامه يبكي والده، يبكيه بصوت غريب، ويتنفّس بصعوبة وكأنه على وشك الاختناق.. ارتعش، وكما في كلّ موقفٍ مشابه، شعر بأنه غير مستعد للموت بعد.

"عمو هون شي؟" أعاد الرجل ذو الصوت الحاد سؤاله. وبعد صمتٍ قصير خرج صوت فلاح "أمي وأبوي وأنا بس"، وانطلق أبو جاسم يؤكد ما قاله منذ قليل، وأقسم بأنه لم ير أيًا من جنود النظام، وأنه لو شاهد أحدهم سيكون أول من يعلم "رجال الدولة".

مرّت الدقائق، ولا شيء سوى السكون. ثم اقتربت دعسات أقدام وفتح الباب، "تعال" قالها الرجل ليتبعه رامز دون تفكير. وضع الطعام أمامه وبدأ يأكل بهدوء في البداية. "أول الليل تاخذ الحمار وتمشي". هكذا قال أبو جاسم وقد بدا عليه التعب. ثم أردف بصوت مرتبك "فلاح خبر سعيد ابن أخوي" توقف رامز عن الأكل وعاد الخوف يسري باردًا في عروقه. أين عساه يذهب؟ أول حاجزٍ للجيش يبعد مسافة ساعة حيث هو الآن، وكونه لا يحمل أي هوية عسكرية أو مدنية الآن، فمصيره مجهول حتى إن وصل. اقترب منه أبا جاسم وللمرة الأولى ربّت بحنان على كتفه وقال: "بالعتم روح للحاجز، انشالله بتوصل وبتعيش للمية". في هذه الأثناء كان فلاح يراقب هذا المشهد بعين خجولة، معتبرًا كما يعتبر الأطفال بأنه السبب في كل مصيبة. كان ينظر إلى الجنديّ المتسخ ذو الرائحة الكريهة ويتسائل لماذا يقوم والده بمساعدته، ولماذا يريد الجنود قتله، ولماذا لا يدافع هو عن نفسه؟! منذ فترة وكل شخص من حوله يفسر الحرب بطريقة مختلفة، حتى صبية الحي يفسرون الحرب على هواهم، هم الذين اعتادوا العيش معها وحولتها السنين من خوف مبهم يلف حياتهم إلى حقيقة واقعية.. تداخلت الأسئلة في ذهن الصغير، وحين استيقظ من خلوته كان رامز قد عاد إلى حجرته، وسوف ينتظر الليل ويمضي.

حين فُتح الباب علم بأن الوقت قد حان، كان طيلة الساعات الماضية يراقب -من نافذته الصغيرة- كيف ينسحب الضياء أمام جيش الظلام، وكيف ينتهي النهار لتلتحف السماء بلون السواد. جلس بحلقٍ جاف ينتظر اللحظة التي يفتح فيها الباب الخشبيّ على كل الاحتمالات. كان يشعر بالبرد، وألم شديد في رأس المعدة. ظهر أبو جاسم بابتسامة مربكة يحمل معه بعض الماء البارد. تبادلا النظرات الساكنة، وتحادثا ببعض تفاصيل الطريق، لا سيما وأن رجال التنظيم ما يزالون يمشطون المنطقة بحثًا عن الفارين. كان فلاح نائمًا ووالدته. لم يعرف رامز بأن هذا الطفل قليل الكلام والحركة، ظل جالسًا في المطبخ لساعات يحرسه من أي خطر متوقع. ولم ينم إلا حين أكد له والداه بأن الجنديّ سوف يذهب من طريق آمن إلى عائلته وأطفاله. لكن الواقع مختلف، فرامز سوف يركب حمارًا ويمضي في ظلمة الليل لساعاتٍ ربما، ويقطع طريقًا يختنق بمخاطر عدة، ليصل إلى مكان يجهل إن كان آمنًا أم لا. كانت الرياح قوية، قال له أبو جاسم بأن هذا من حسن حظه، فالحركة الخارجية أخف كثيراً في هكذا طقس.

الوداع كان مؤثرًا لأنه لم يحمل أية كلمات، كان أثقل من ذلك. فاختصر الطرفان وداعهما بغصّات غلت في أعلى الصدر وتلاشت. راقب أبو جاسم الراحل بعين تقاوم الدمع، حتى اختفى الحمار في العتمة، وخفت صوته حتى ابتلعه الظلام. حينها، لأول مرة منذ ما يقارب العشرين ساعة تنفس بعمق وشعر بالأمان، سينتظر بعض الوقت فقط حتى تأتي العاصفة، هذا هدوء ما قبلها فحسب.

*

 

سمع الخطوات خلفه، وقبل أن يدرك كان الصوت حازمًا غليظًا. "ولا حركة " كان مسدس أبو محمد مصوّبًا على رأسه.

"افتح الباب للإخوة يا أبا جاسم".

وقف لدقيقة محملقًا في سقف الغرفة كجثة حديثة الموت، قبل أن يجرّ أقدامه نحو الباب.

التفت رامز، وحاول أن يميز الوجه دون جدوى، كان يرتجف، ومن قاع روحه خرجت كلمة واحدة "أرجوك".

فتح الباب وكان خلفه مجموعة من العناصر، ذقون متفاوتة الطول، عيون قاسية، ملابس غريبة، والأخطر: الأسلحة.

كرّرها مجددًا: "أرجوك"، وكان أبو محمد ذو الأعوام الخمسة والستين لا ينظر إلا إلى حيث ستستقر رصاصته.

"تكذب بهالعمر، يا كلب، ألا تخشى لقاء ربك؟"، حين أنهى العنصر جملته حدث ما غيّر كل شيء. ظهر فلاح خلف أبيه.

الريح قوية تلاعب حبات الرمل بعنف، ركع رامز وقد هبط عليه شبح طفله مجددًا، ونظر إلى الرجل الماثل أمامه بمسدس ورغبة بالقتل، وللمرة الأولى، توقف طفله عن البكاء، صمت فجأة، أخذته الريح ورحلت.

دخل الرجال وزعيمهم، ودون إضاعة للوقت ذهبوا إلى المطبخ، بحثوا عن غرفة سرية فوجدوها. ثم بحثوا في البيت دون جدوى، فالتفت زعيمهم إلى رب المنزل قائلًا" "أكان ضابطًا؟"، ثم أردف" "ما بقي من حياتك لا يكفي ثمن ما فعلت بإخوتك وأهلك".

أنزل أبا محمد مسدسه، ووقف صامتًا وكأن ارتعاش الجندي أمامه جرده من قوته شيئًا فشيئًا. ودون أي كلمة... رحل.

"خذوه" قال القائد قصير القامة بلهجته الغريبة، وحين اجتمع بعض الرجال على أبي جاسم لاعتقاله خرج الصوت مجددًا: "ليس الأب".

ظل رامز جاثمًا على الأرض يتنفس بصعوبة. لم يصدق أن الرجل عاد من حيث أتى، وقرّر أن يهديه حياةً. لم يستطع البكاء، للحظة أراد الضحك. استلقى على الأرض وكانت الرمال تضرب وجهه وهو يبتسم، كان الآن كمن يريد الموت، يريده حقًا، يشتهيه، ربما لهذا فقط لم يعد يخافه. رصاصة ركبت الليل ودوّت في الخلاء، رصاصة واحدة خرجت من مكان ليس بالبعيد. أيقظته، فنهض وقد ترك خوفه على الرمال، وتابع الطريق. جملة واحدة لم تفارقه "بعدك ما نجيت".

ألم لا يوصف في الصدر، حرقة في العيون، صراخٌ يصمّ الأذان.. فتح فمه ليصرخ ولم يخرج منه صوت، حاول مجددًا، ولا صوت سوى ما يشبه فحيح الأفاعي، يداه فقط طاوعتاه فضرب خديه وجبينه، وبلحظة خرج الصوت المكبوت من روحه دفعة واحدة.. كل شيء حدث بسرعة في تلك الليلة، إلا مقتل فلاح، كان بطيئًا جدًا. حتى أنه ظل يقتل كل ليلة، إلى أن مات والده بعد ثلاثة أعوام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سأدخنكِ حتى الصباح

قُبلة الرئيس