30-سبتمبر-2015

ليلى عبد اللطيف لديها نسبة عالية من المشاهدين (عن الفيسبوك)

هكذا ومن دون سابق إنذار فعلتها ليلى عبد اللطيف. طبعت تاريخ التلفزيون اللبناني بحدثٍ سيتحول إلى لحظة تاريخية يمكن التأسيس عليها بعنوان "لما بِكْيتْ ليلى". ليلى عبد اللطيف، العرّافة اللبنانية، بكت على الهواء مباشرةً، أمام الآلاف إن لم يكن مئات آلاف المشاهدين. لماذا بكت ليلى؟ هنا تكمن أهمية الحدث الجلل.

ليلى عبد اللطيف بكت تأثرًا برسالة كتبتها بنفسها ووجهتها إلى الزعماء اللبنانيين. أي السيدة عبد اللطيف بكت تأثرًا بقدرتها على التأثير، أي كمن يضعط "لايك" اعجابًا بتعليق كتبه بنفسه على فايسبوك. وهؤلاء أيضًا يمكن تصنيفهم على أنهم كائنات استثنائية كعبد اللطيف. وقد تضاف هذه القدرة على قدرات عبد اللطيف المتعددة إلى جانب التنبؤ وتوقع الأحداث قبل حصولها. لكن بكاء ليلى عبد اللطيف أعادها إلى مرتبة الناس العاديين دون أن تقصد ذلك ربما. بكت ليلى وهذه سمة تخص البشر عادة وليس أنصاف الآلهة أو الآلهة. تمتلك أحاسيس ومشاعر، وقدراتها الاستثنائية على توقع الغيب، لا يلغي صفتها البشرية. التشبيه بين عبد اللطيف والآلهة ليست مبالغة أو محاولة تهكم مجانية.

تشبه علاقة عبد اللطيف بالجمهور بعلاقة الآلهة في الميثولوجيا الاغريقية بعبادهم

تشبه علاقة عبد اللطيف بالجمهور بعلاقة الآلهة في الميثولوجيا الاغريقية بعبادهم. يكتسبون قوتهم من صلواتهم، ومتى ضعف الإيمان بهم ضعفت قوتهم. وأن تقدم عبد اللطيف على حركة البكاء على الهواء لإستدرار عطف الجمهور، يؤشر إلى خلل ما لا يمكن التغاضي عنه. إن حالة المنجمين التلفزيونيين بلغت حدها الأقصى في السنوات الاخيرة، ومع اشتداد التعقيدات السياسية في البلاد و في المنطقة بات التحليل السياسي في برامج "التوك شو" مادة مضجرة لا تستقطت نسب مشاهدة عالية، والشرط هذا مدمر بحد ذاته، يدفع حتى بمقدمي البرامج "الرصينة" إلى ابتداع أساليب جديدة مختلفة ومسلية للمحافظة على نسب المشاهدة، كافتعال المشاجرات الكلامية أو حتى التضارب بين الضيوف، أو في أحسن الحالات الجمع بين ضيوف لهم علاقة مباشرة في الأحداث الجارية، وفنانيين ومغنيين كأكسسوار شكلي، يحافظ على اهتمام جمهور أو مشاهدين من خارج الحلقة المتابعة لهكذا برامج. ولعل مشهد الجمع بين شربل نحاس والممثل يوسف الخال في حلقة واحدة في برنامج ككلام الناس أصدق تعبير عن ذلك.

لكن على الرغم من ذلك كله، وعلى الرغم من كل المحاولات وابتداع كافة الأساليب يبدو أن ذوق الجمهور ما زال أكثر ميلًا لمتابعة توقعات امرأة كليلى عبد اللطيف. تقدم توقعات أشبه بوجبات سريعة من دون تفسير أو تعليل لكيفية وصولها إلى خلاصة كهذه، تكتفي بالقول إنه "الوحي يا عزيزي" وحي إلهي، أو نتيجة علاقات تنسجها مع أصحاب القرار، أو وحي "مخابراتي"، لا يهم. للبنانيين مشاربهم.

اقرأ/ي أيضًا: المصورة الهنجارية تُلهم اللبنانية راشيل كرم

المهم أن ليلى تقدّم معلومة "خالصة مخلصة" من دون وجع رأس. ولأن الجمهور "عاوز كدة" بات لعبد اللطيف برنامج ثابت بعنوان جذاب "تاريخ يشهد" تخطت بذلك هذه المرأة أن تكون جزءًا من التاريخ بل باتت من صناعه، كيف لا وهي تتوقع  وقوع الأحداث قبل حصولها، كتوقع وصول عاصفة رملية إلى لبنان.. أدركنا يا توريتشيلي (صانع البارومتر). انطلاقًا من السياق هذا لا يمكن إلا التوقف عن بكاء ليلى عبد اللطيف والابتعاد عن الشكل الواضح في اصطناعه.

لماذا تضطر شخصية كليلى عبد اللطيف أن تبكي في برنامج يقال إنه يحصل على أعلى نسبة مشاهدة بين البرامج المحلية، يبدو أنه حتى برنامج كـ"تاريخ يشهد" والذي يمكن أن يكون تجسيدًا لأسفل درك الذي يمكن أن يصل إليه أي برنامج تلفزيوني في تسخيف عقل المشاهد والإمعان في استغبائه، ما عاد باستطاعته المحافظة على اهتمام الجمهور. يبدو أن عبد اللطيف استشعرت انخفاضًا في منسوب الإيمان بقدراتها، واحتاجت إلى ما يعيد رفع هذا الايمان. كسرت صورتها "الالهية" وأعادت نفسها إلى مصافي البشر، مستمدة بذلك جرعة إضافية من الاهتمام. برافو مدام ليلى.

لا تستطيع عبد اللطيف اختلاق كوارث طبيعية، أو خلق أحداث مثيرة وضخمة تجذب بها المشاهدين، هي تتوقع حصولها فحسب، وكيف لها أن تتوقع أحداثا باتت مملة مهما بلغت ضخامتها في بلد أو منطقة باتت متصالحة مع هذه الأحداث على أنها البلاد في حالتها الطبيعية. كان لا بد لها أن تبكي، كان على ليلى أن تبكي. يقول الصحافي الأميركي ادوارد مورو، أن هذه الآلة (أي التلفزيون) يمكن أن تعلّم، يمكن أن تنوّر، وبإمكانها أن تُلهِم، لكن بامكانها أن تفعل ذلك فقط إذا ما كان البشر مصممين على استخدامها لهذه الغايات، وإلا تحولت إلى مجرد صندوق بأسلاك وأضواء. لم يتمتع مورو بقدرات عبد اللطيف الخارقة، وتنبأ بمصير التلفزيون ومستقبله، على الشكل الذي يتجلى مع عبد اللطيف. لكن في بكاء ليلى فرحة كبيرة، لم يتوقعها مورو أيضًا. فرحة لقدرة هذه الآلة على استهلاك وتدمير منتجاتها الأكثر سخافة.