04-يونيو-2016

(Getty)

تدخل الاحتجاجات الاجتماعية في فرنسا شهرها الثالث دون وجود أفقٍ واضح للخروج من الأزمة. في تقريرٍ لها نشر في السادس والعشرين من مايو ترصد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أهم ملامح الأزمة الحالية والسياق الذي أفرزها.

__

بعدد ساعات يبلغ 35 ساعة، لدى الفرنسيين أقصر أسبوع عمل قانوني في أوروبا. جعلهم ذلك يكتسبون سمعةً في بعض الأنحاء بتمتعهم بحياة عمل سهلة، تحميها اتحاداتٌ عمالية قوية.

فرنسا لديها على الورق بعض أفضل قوانين العمل في أوروبا، وبعض أقوى اتحادات العمال،، لكن نسبة البطالة ضعف مثيلتها في المملكة المتحدة وألمانيا

في الأسبوع الماضي، كان هناك اضطرابٌ واسع النطاق في أنحاء البلاد بعد دعوة أكبر اتحاد عمال في فرنسا إلى إضرابٍ احتجاجًا على إصلاحاتٍ يخطط لإدخالها على قوانين العمل. أغلق العمال محطات توليد الكهرباء ومحطات الوقود ومحطات تكرير النفط.

إذن فلماذا يقوم الفرنسيون بإضراباتٍ أكثر من نظرائهم في أوروبا؟ هل حياة القوة العاملة هناك جيدة للغاية بالفعل؟

القوانين الحالية في فرنسا

تم إدخال الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية المحدد بخمس وثلاثين ساعة عام 2000 وأصبح يعتبر شيئًا مقدسًا بالنسبة للكثيرين في اليسار الفرنسي. يعد ذلك الحد الأقل في أوروبا، حيث ينخفض عن الحد الأقصى لساعات العمل البالغ 40 ساعة في عدة بلدان من بينها إسبانيا، ويقل كثيرًا عن حد الساعات الثماني وأربعين في المملكة المتحدة (بريطانيا).

تلزم فرنسا أيضًا بمنح العاملين 11 ساعة متصلة من الراحة بين أيام العمل و35 ساعة متصلة من الراحة أسبوعيًا، عادةً ما تكون عطلة نهاية الأسبوع.

إلى الآن الأمور جيدة بالنسبة للعمال. لكن متوسط ساعات العمل أعلى من الحد القانوني، حيث بلغ 37.5 ساعة أسبوعيًا عام 2014، متجاوزًا متوسط ساعات العمل البالغ 36.1 ساعة الذي سجله البريطانيون والمتوسط البالغ 35.3 ساعة لدى الألمان.

بموجب القانون، يجب أن يحصل الفرنسيون على أجرٍ عن ساعات العمل الإضافية أو تعويضهم بوقت راحة مقابل كل ساعة عمل تفوق حد الخمس وثلاثين ساعة، على عكس البريطانيين والألمان. لدى الفرنسيين مخصصات سخية من العطلات بمتوسط 30 يومًا سنويًا من الإجازات مدفوعة الأجر، في مقابل 28 في المملكة المتحدة و25 في النرويج والدنمارك و20 في ألمانيا.

كان متوسط الراتب السنوي في فرنسا عام 2014 والبالغ 47,885 دولارًا، أفضل من المتوسط البالغ 48,479 دولارًا في ألمانيا، لكنه أقل من نظيره البالغ 54,350 دولارًا في المملكة المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: دعوة لحكومة وحدة وطنية..الأزمة تتصاعد في تونس

ما الذي يريدون تغييره؟

سوف تُبقي إصلاحات قوانين العمل المثيرة للجدل على حد الساعات الخمس وثلاثين الأكثر أهمية، لكنها سوف تسمح للشركات بأن تطلب من العاملين العمل لما يصل إلى 46 ساعة أسبوعيًا، أو 60 ساعة في حالاتٍ استثنائية. سوف يتم تعويض العامل عبر العمل لأسابيعٍ أقصر بحيث يتم الحفاظ على متوسط الساعات الخمس وثلاثين أسبوعيًا على مدار كل ثلاثة أشهر.

بالنسبة لبعض العمال، يمكن تقسيم ساعات الراحة الإحدى عشرة بين الورديات بموجب القوانين الجديدة.

سوف تسهل الإصلاحات أيضًا على أصحاب العمل إنهاء خدمة العمال الزائدين عن الحاجة، وهو ما تأمل الحكومة في أنه سوف يشجع الشركات على المخاطرة بتعيين عاملين جدد.

توفر قوانين العمل الفرنسية الحالية حمايةً قوية للعمال. يمكن منع أصحاب العمل من إنهاء خدمة العمال باعتبارهم زائدين عن الحاجة إذا كانت الشركة أو الشركة الأم تحقق أرباحًا. سوف تسمح الإصلاحات للشركات التي انخفضت أرباحها لأربعة فصول ربعية متتالية بإنهاء عمل بعض العاملين.

تظل تلك القوانين أكثر ودية بكثير تجاه العمال من نظيراتها في البلدان الأوروبية أخرى. في المملكة المتحدة، تستطيع الشركات التي تحقق أرباحًا اعتبار بعض العاملين عمالة زائدة بشروطٍ قليلة نسبيًا، كما هو الحال في ألمانيا.

تطبق إسبانيا شرط ربحية مماثل لكن على صاحب العمل تحقيق خسائر لثلاثة فصول ربعية فقط.

اقرأ/ي أيضًا: 16 حادثًا طائفيًا في مصر بعد الثورة

داخل وخارج سوق العمل

إذن فإذا كانت شروط العمل جيدة فلم تبلغ نسبة البطالة في فرنسا 10.5% مقارنةً بنسبة 5.4% في المملكة المتحدة و4.8% في ألمانيا؟ أحد أسباب كثرة الإضرابات في فرنسا ترجع إلى مسألة الانقسام بين من هم "داخل وخارج سوق العمل"، حسبما يقول الأستاذ الجامعي لين بيج، الباحث بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

"هؤلاء العاملون الذين لديهم بالفعل أنواع متعددة من الحماية العمالية يحرصون على الحفاظ عليها، بالطبع"، يقول بيج. ويتابع: "لكن، إذا استخدمنا تعبير ريتشارد نيكسون، هناك أغلبية صامتة بالخارج من المحتمل للغاية أن يرحبوا بتسهيل قوانين العمل الصارمة حتى تصبح فرصتهم أفضل في الحصول على وظيفة".

لدى فرنسا "تصورٌ قديم العهد أنه يجب حماية العامل"، يقول بيج، "لكن إذا كنت شابًا من أصلٍ شمال أفريقي في إحدى ضواحي باريس، فقد تعتقد أنه مخالف تمامًا لما تتوقعه".

ويضيف: "إنك لا تحصل على فرصة عمل تحت أي ظرف، لذا فإن فكرة أن الوظائف هنا محمية بشدة ليست جذابة للغاية".

التوظيف والفصل

يقول اليستار جولد، وهو بريطاني يعيش ويعمل كمعلم في باريس منذ 12 عامًا ويشارك في الإضراب، إن ظروف العاملين في فرنسا "جيدة بشكلٍ عام ... أفضل من المملكة المتحدة" لكن إصلاحات الحكومة سوف "تضعفها".

"إنني متخوف تحديدًا بشأن الجزء المتعلق بـ(توظيف وفصل) العاملين"، يقول جولد. وتابع: "قد يعني ذلك أنه سوف يتم التخلص من العاملين الأكبر سنًا، حتى إذا كان لديهم خبرة".

قال السيد جولد إن هناك تباينًا في الآراء، واعترف بأن هناك "الكثير من الاتفاق مع الإصلاحات".

يضيف جولد: "أعلم أن الناس مستاؤون من الإضرابات، بسبب وجود مشاكل في الحصول على الوقود على سبيل المثال، لكنني أضحي بأجر يوم عمل بشكلٍ منتظم من أجل حماية حقوق توظيف الناس".

جدلية الإنتاجية

أشارت اتحادات العمال إلى أن إنتاجية فرنسا تعد من بين الأعلى في أوروبا، وهي كذلك بالفعل. إنها أعلى كثيرًا من المملكة المتحدة بل وأعلى نسبيًا من ألمانيا.

لكن الإحصاءات مضللة نوعًا ما، يقول بيج.

بسبب انخفاض نسبة العمالة في فرنسا بنسبة كبيرة عن المملكة المتحدة وألمانيا، هناك أشخاص أقل في سن العمل لديهم وظائف.

وفي الغالب يكون العاملون الأقل إنتاجية، لأسبابٍ متعددة، هم العاطلون أو الذين يعملون بدوامٍ جزئي، ما يعني أن فرنسا لديها نسبةٌ أكبر من العاملين الأكثر إنتاجية، الأمر يحرّف الإحصاءات.

وهكذا فإن فرنسا لديها، على الورق على الأقل، بعض أفضل قوانين العمل في أوروبا، وبعض أقوى اتحادات العمال. لكن نسبة البطالة تكاد تكون ضعف مثيلتها في المملكة المتحدة وتتجاوز ضعف مثيلتها في ألمانيا.

"الحقيقة المؤلمة هي أن ألمانيا لديها نسبة بطالة منخفضة بينما فرنسا تسير في الاتجاه المعاكس"، يقول بيج.

ويضيف: "هل يستخدم التضامن اليوم كحُجة لعدم إحداث تغيير يجب أن يحدث في وقتٍ ما؟".

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد