14-مايو-2018

محمد صلاح منحة قادها لنا الزمن لسبب ما (Press Association)

هذا المقال ذاتي جدًا، يُمكنك وصفه بالخاطرة لو شئت، من شخص لا تعنيه كرة القدم كثيرًا، لولا أنه يُحب محمد صلاح، مع بعض القلق.

أقول للأصدقاء ببساطة قد لا تخلو من شغف طفولي، إن وراء حالة صلاح على الأرجح شيئًا ما ميتافيزيقيًا

في الحقيقة يُهمني أكثر مما يفعله صلاح على أرض الملعب، ما يفعله صلاح في الناس. يأسرني بشدة الحب الجارف الذي يلاقيه صلاح في كل حدث، بين أصدقائي، وبين من لا أعرفهم. يُمثّل صلاح بالنسبة لي شخصيًا حالة استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة، حرفيًا.

اقرأ/ي أيضًا: محمد صلاح.. طريق المجد فينا

ربما يصل معنى الاستثنائية التي أجدها في حالة صلاح، أكثر، عندما أعيد التذكير بأنني شخص لا يولي كرة القدم أي اهتمام، ولم أشاهد أي مباراة لصلاح منذ عامٍ ونصف أو يزيد. لكنني مع ذلك، أتلصص على مقاطع الفيديو المنشورة لأهدافه، أُحب تعليق المعلقين عليها، وهتافات الجماهير؛ في حماستهم لصلاح شجون لا يخفى عليّ، مرة أخرى ربما لأنني لا أهتم كثيرًا بصلاح على أرض الملعب.

ما دفعني لهذا المقال/الخاطرة، مقطع فيديو لجماهير ليفربول يهتفون بحماس شديد، ليس لصلاح هذه المرة، وإنما لابنته مكة. كانت مكة بصحبة والدها في إحدى تتويجاته على ما يبدو (صحح لي المعلومة إذا كانت خاطئة) في ملعب أنفيلد بليفربول. وكانت تلهو بالكرة، وفي كل لمسة منها للكرة، تعلوا هتافات جماهير الأنفيلد.

بالنسبة لشخص، للمرة الرابعة، لا يعبأ كثيرًا لكرة القدم، كما لا يصنف نفسه في العاطفيين، كان مفاجئًا بالنسبة لي أن المشهد أسرني وأثّر في، وجعلني أستدعي كل ما أفكر فيه كل مرة أرى أصدقائي متحمسين لصلاح، أو أحرر -بحكم العمل- مقالًا لشاب غير مصري، عن حبه في صلاح، أو أطلع على مقال أو قصة أو تدوينة أو مقطع فيديو، يكشف عن الأثر المهول لمحمد صلاح في قلوب، ربما عقول، جماهير غفيرة، وأخيرًا لدرجة أنهم سيهتفون بحماس شديد للمسات ابنته الطفولية للكرة، لأن ذلك على الأرجح سيسعد قلب أبو مكة!

وتزداد المفاجأة بأن يستدعي لدي هذا الشغف الفريد لصلاح، قلقًا مضمرًا من أن تنتهي الظاهرة، ثم يُطرَح سؤال مباغت: هل حال صلاح الآن أصلًا ظاهرة؟ أتمنى ألا تكون كذلك. أتمنى أن يخيب قلقي، وأن تنتفي أسبابه أبدًا، وأنا الذي لا يميل مع حالة صلاح إلى التفكير المنطقي في أسبابها. أُفكّر فيما يفعله ببساطة على أنه منحة قادها لنا الزمن لسبب ما عابر –على الأرجح- للقوميات واللهجات واللغات.

أقول ببساطة للأصدقاء –بساطة لا تخلو من هذا الشغف الطفولي ربما، والمنجرف ربما أيضًا مع فرح الفرحين بنجاح صلاح في قلوب الفرنجة- على الأرجح أن وراء حالة صلاح شيئًا ما ميتافيزيقيًا. لا أستطيع، أو بالأحرى لا أريد، تفسير حالة محمد صلاح، ربما يكون السبب ببساطة أنني لا أتابع مبارياته، إذ قد يكون أداؤه فيها سببًا في هذا الشغف والحب الجارفين لحالته.. ربما. لكن أفكر دائمًا في أن غير صلاح الكثيرين من الذين أحرزوا باستمرار أهدافًا جميلة، أحب أيضًا مشاهدتها في مقاطع الفيديو المجمعة لأجمل الأهداف، وما إلى ذلك؛ ولم يحظوا جميعًا بما حظي به صلاح، أو بما حظينا به مع صلاح.

صحيح أن صلاح حقق أرقامًا وألقابًا ربما لم يسبقه إليها أحد. لكن هل فعلًا ذلك، وفقط، سبب وجيه ومنطقي في أن يكون صلاح ملء السمع والبصر، بل القلب والعقل، بهذا الشكل؟ لو كان ذلك فأتمنى عليه أن يظل محافظًا على تصدره، وإن كنت لا أظن أن ذلك وحده سببًا في هذه الحالة.

ربما ما جعل لصلاح هذه المكانة، أنه لا يمثل أنموذجًا أيقونيًا، فكما أنه لاعب مجتهد، هو شاب جامح ومتحمس للحياة بلا ادعاء

أفكر أيضًا في أنه ربما ما جعل لصلاح هذه القوة، بالمكانة التي احتلها بين جماهير غفيرة، أنه لا يُمثّل أنموذجًا أيقونيًا، فصلاح لاعب مجتهد جدًا كما يبدو، لكنه أيضًا شاب جامح ومتحمس للحياة، لا يدّعي الفضيلة والأخلاقوية، ولا يقترب من التنميط. هل هذا يجعله قريبًا للقلب؟ ربما.

على كلّ أنا من الذين يعتقدون أن كل حُب يُعرف سببه لا يُعوّل عليه. ويجعلني هذا مُستريحًا لحب محمد صلاح، كحب أبوتريكة، وإن اكتفيت بمشاهدة مقاطع قصيرة لهما في المعلب وخارجه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد صلاح.. العقلية التي أنتجت نجمًا

هذا محمد وذاك محمد.. هل ثمّة فارق؟