05-مارس-2016

من صور الدمار في حمص (Getty)

النظام السوري يوثق لدمار حمص على ثلاثة مستويات، توثيق إعلامي وتوثيق سينمائي وتوثيق بالصورة، الأمر في غاية الغرابة، الأمر مثير للدهشة حقًا، كيف يوثق نظام لمدينة مدمرة كان له اليد الطولى في تدميرها، هو يوثقها على طريقة من يقتل القتيل ويسير في جنازته.

يريد النظام السوري بتصوير دمار حمص أن يقول انظروا ماذا فعل الإرهابيون بمدينة حمص، دمرها الحاقدون والمتطرفون في حين كنت أنا مدافعًا عنها؟!

مؤخرًا ضجت وسائل الإعلام العالمية بعرض فيلم يوثق دمار مدينة حمص السورية بعدسة كاميرات تلفزيونية روسية فائقة الدقة علقت على طائرة خاصة لهذا الغرض.

تم بث الفيديو على المحطات الروسية وتداولته المحطات العربية والعالمية ولاقى انتشارًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

دمار مرعب لحق بالمدينة وثقته الكاميرات الروسية، ربما لا يضاهيه دمار إلا الدمار الذي تعرضت له العاصمة الألمانية برلين، المَعقل الذي احتمى به الزعيم النازي أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية.

اقرأ/ي أيضًا: مقدونيا..بوابة أوروبا المغلقة أمام السوريين

بالتزامن مع "التوثيق" الروسي لدمار حمص وغاياته المجهولة حتى الآن، ثمة توثيق آخر، حيث يعمل المخرج السينمائي السوري جود سعيد منذ العام 2014 وإلى اليوم، على إخراج فيلم عنوانه "مطر حمص"، تدور أحداثه داخل مدينة حمص القديمة ويروي معاناة عدد من السوريين تم حصارهم من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة.

على المستوى الثالث، كان للصورة رسالتها أيضًا فأمام عدسات الكاميرات الفوتوغرافية نجد العرسان في المدينة يحرصون على تبادل الصور التذكارية لأهم مناسبة في حياتهم وهي حفل زواجهم في الشوارع المدمرة وداخل البيوت المهدمة، العريس ببدلته العسكرية والعروس بثوب زفافها الأبيض، تقول عروس إنها تريد أن توصل رسالة للعالم بأن القادم أجمل وأن الحياة تولد من قلب الموت، ولكن لنحسن الظن برسالة العروس ونتساءل:

 ما هي الرسالة التي يريد الروس إيصالها من بث هذه الصورة المرعبة لدمار المدينة؟

ما هي الرسالة التي يريد النظام السوري إيصالها من بث هذه الصورة المرعبة لدمار المدينة؟

لنتذكر أن تدمير النظام السوري لمدينة حماة ثمانينيات القرن الماضي مر وسط صمت دولي مثير لكثير من الشكوك يصل حد التواطؤ، بضع أخبار وتصريحات يجملها الكاتب السوري المنفي صبحي حديدي في مقال له نشر فبراير/شباط الماضي في صحيفة القدس العربي بعنوان ذكرى مجزرة حماة: قبائح المجتمع الدولي، جاء الموقف الأمريكي الرسمي من مجزرة حماة 1982، بعد شيوع أخبار المدينة تحديدًا، وليس خلال تنفيذ الفظائع داخل المدينة؛ وقد اقتصر على حركة خجولة محدودة، هي تصريح من الخارجية الأمريكية يقول بأنّ "السلطات السورية عزلت مدينة حماة عن العالم الخارجي"، بسبب "وقوع اضطرابات خطيرة".

من جانبه كان جون كيفنر، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قد نقل تصريحًا لوزير إعلام النظام، أحمد اسكندر أحمد، يفيد بأنّ المدينة تشهد "حملة تفتيش" ينفذها بعثيون وبعض عناصر الأمن "بحثًا عن أسلحة وعصابات إرهابية"...أسبوعية الـ"إيكونوميست" البريطانية، وهي ليست البتة أقلّ عراقة من اليومية الأمريكية، انتظرت شهرين على مرور المجزرة، ثمّ طلعت بالتالي: "الرواية الحقيقية" لما جرى في مدينة حماة "لم تُعرف بعد، ولعلها لن تُعرف أبدًا".

اقرأ/ي أيضًا: سوريا..هدنة الحوادث الفردية

وحدها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، كما يقول صبحي حديدي، صنعت الفارق المميز، والفريد في الواقع، بفضيلة الروح الفدائية التي تحلّى بها أحد كبار مراسليها، سورج شالاندون .. فهو الوحيد الذي قدم شهادة تاريخية لما جرى.

لكن ما جرى من صمت إعلامي ودولي على "مجزرة حماة" نجد عكسه في مدينة حمص، والمثير للاستغراب أن روسيا ونظام الأسد هما من يوثقان بالتفاصيل الدقيقة لكل بناء وشارع وحي تعرض للدمار، لكن أحدًا لم يتساءل عن مغزى ذلك، ولا حقيقة النوايا التي تقف خلف عملهم هذا ولا الرسالة التي يريدون إيصالها للمجتمع الدولي الذي يتبادل صورهم؟

هل سينجح توثيق نظام الأسد لدمار حمص بالطائرات التلفزيونية الروسية في القول بأن الإرهابيين هم من تسبب بكل هذا الدمار وليس طائراته الحربية؟

لنكن واقعيين ولنعترف أن النظام السوري ومن خلفه روسيا، هو نظام فاعل في الأحداث وليس منفعل بها، يمتلك من الوقت الكافي ما يجعله صانعًا للأحداث ومخرجًا لها، يلعب دور المهاجم الذي خبر عبر تاريخه الطويل تحريف الأخبار وأخذها للمنحى الذي يرغب هو وداعموه، وهو ما لا يتوفر لدى معارضيه المنفعلين بما يجري والذين يقفون وحيدين ومشتتين في موقف المدافع عن النفس.

ضمن هذه القراءة تتضح الرسالة، يريد أن يقول: "انظروا ماذا فعل الإرهابيون بمدينة حمص، هذه المدينة التي كانت نموذجًا للتعايش الأهلي والديني بين مختلف الطوائف والأقليات والقوميات، دمرها الحاقدون والمتطرفون في حين كنت أنا مدافعًا عنها، وأدمرها كي لا تسقط وليس كما أشاع المغرضون: "الأسد أو نحرق البلد".. وحدهم الإرهابيون من يقفون وراء هذا الدمار لا أنا".

 لسان حال النظام من وراء الضخ الإعلامي بعدسات الكاميرات الديجيتال فائقة الدقة يقول للعالم أنا سأوثق لكم ما فعله هؤلاء المارقون "الجراثيم" المخربون؟

هي رسالة للمستقبل وليس للاستهلاك اليومي، يريد من ورائها داعمو النظام إعادة تدويره للمستقبل! فرصهم كبيرة للنجاح فبعد أن صارت ثورة الحرية والكرامة مجرد حرب على الإرهاب، سيكون للرسالة الإعلامية وقعها على الرأي العام العالمي، فنظام الأسد وروسيا يحاربان الإرهاب، لن يهمهم أن دمار حمص كان حتى قبل أن تولد داعش، وحتى قبل أن يفرخ التطرف -الذي زجّ بطريقة مدروسة وممنهجة في المجزرة السورية- وحشًا إعلاميًا مرعبًا.

نجح مخطط تفريخ داعش من صرف النظر العالم عن الدمار والقتل الذي ألحقه نظام الأسد بالبشر والحجر والشجر في سوريا ... فهل سينجح توثيق نظام الأسد لدمار حمص بالطائرات التلفزيونية الروسية في القول بأن الإرهابيين هم من تسبب بكل هذا الدمار وليس طائراته الحربية؟

ربما وربما سيغدو حتى مجرد كتابة مثل هذا المقال ثرثرة تشويه للنظام الممانع والمدافع لا عن مصالحه وبقائه بل عن سوريا؟

اقرأ/ي أيضًا: 

دولة الأكراد في سوريا..أقرب من أي وقت مضى؟

رسميًا..المغرب يعلق اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي