07-أكتوبر-2022
ضد التنمر

غرافيتي حول التنمر عند الأطفال

عام 2019، حددت منظمة اليونيسكو يوم الخميس من أول أسبوع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام موعدًا ثابتًا للاحتفال باليوم العالمي ضد العنف والتنمر في المدارس. وقد كان الاحتفال السنوي الأول بتاريخ 5 تشرين الأول/نوفمبر من العام 2020 وذلك بهدف نشر التوعية من مخاطر التنمر كونه أصبح قضية عالمية شائعة ومنتشرة في أوساط الأطفال والمراهقين في المدارس وخارجها.

التنمر شكل من أشكال العنف الذي يحد من قدرة الأطفال على متابعة حياتهم التعليمية بشكل سليم ويؤثر على صحتهم وتوازنهم النفسي

 

وحثت اليونيسكو كل الأطراف الفاعلة كالحكومات والمنظمات الدولية والمحلية والنقابات وإدارات المدارس والعاملين في المجالات الصحية والاجتماعية وخبراء التعليم.. إلى العمل لمواجهة هذه الظاهرة ومحاولة مشاركة السبل لمكافحة العنف المدرسي، سيما وأن تقارير اليونيسكو تشير إلى أن 30% من الطلاب حول العالم وقعوا ضحايا للتنمر، وقد ترتب على ذلك عواقب سلبية فيما خص تحصيلهم الدراسي، وهناك نسبة تسربت من المدرسة، والبعض عانى من مضاعفات في صحتهم البدنية والعقلية.

وأشارت اليونيسكو إلى أن التنمر شكل من أشكال العنف الذي يحد من قدرة الأطفال على متابعة حياتهم التعليمية بشكل سليم ويؤثر على صحتهم وتوازنهم النفسي. واعتبرت اليونيسكو أن جائحة كوفيد-19 والحجر المنزلي والانتقال إلى التعليم عن بعد قد أدى إلى إرتفاع حدة التنمر الإلكتروني. ومن هنا دعت اليونيسكو المدارس على إقامة أنشطة توعوية للطلاب وأولياء الأمور والمعلمين من أجل حماية الأطفال وجعل المساحات المدرسية أكثر أمنًا للجميع.

أصل المصطلح

التنمر شكل من أشكال العنف والعدوان في المدرسة أو العمل أو المنزل أو عبر الوسائط الإلكترونية. في السابق، قبل بروز مصطلح التنمر، كان يمكن التعبير عما يعانيه الأطفال من مضايقات باستخدام المصطلحات الشعبية كالتعرض للبلطجة والسلبطة والاستقواء والسخرية والإزعاج والتحرش والإهانة. وأصل الكلمة بالإنكليزية تعني "الباحث عن العراك"، وفي اللغة الإسبانية تعني الاستبداد او التخويف، ويضاف إليها عدة تفسيرات بحسب كل لغة، لكنها تحمل ذات المدلولات لناحية أنها تشير إلى العدوانية. وبعض المؤلفين ينسبون المصطلح إلى الفتوة والخداع والتفوق والإكراه.

السمات، الأساليب، التأثيرات

وسمات التنمر تتمظهر من خلال إلحاق الضرر بالأخرين، سواء أفراد أم مجموعات، عبر هجوم أو تهديد جسدي أو كلامي أو نفسي، يهدف إلى إخافة الضحية، أو إثارة الشعور بالمضايقة، ولا يستطيع الضحية الدفاع عن نفسه. ويؤدي التفاوت في القوة النفسية أو الجسدية بين المعتدي والمعتدى عليه إلى مبادرة الطالب القوي بالهجوم على من هو أضعف منه دائمًا. ومن ميزات تحديد التنمر التثبت من "تكرار الأذى"، أي وجود أحداث متكررة بين نفس الطلاب تستمر فترة من الزمن.

وأما أساليب التنمر فتشمل التنمر المباشر كالضرب والدفش والعض والخرمشة وشد الشعر واستخدام آلات حادة مثل المسطرة الحديدية أو البيكار أو المقص أو السكين ومصادرة أغراض المعتدى عليه وغيرها من الأفعال والسلوكيات. ويشمل أيضًا التنمر غير المباشر كالعنف الكلامي والسب والشتم والتحقير والنميمة والاغتياب والاستفزاز والسخرية ونشر الإشاعات والقدح والذم والتشهير وتشويه السمعة والمقاطعة والإقصاء والنبذ والتحريض ونشر الألقاب وغيرها من الأساليب.

تأثيرات التنمر مدمرة على الأطفال، منهم من يلجأ إلى السلوك العدواني، ومنهم من يتحولون مع الوقت إلى متنمرين وعنيفين. وقد ينسحب الفرد من الأنشطة الاجتماعية في العائلة أو المدرسة، حتى يصبح إنسانًا صامتًا ومنعزلًا. وكما يعاني من يتعرض للتنمر من الصداع وآلام المعدة وحالات من الخوف والذعر. وهناك حالات تصل بالضحية إلى الانتحار، حيث أثبتت الدراسات أن ضحايا الانتحار بسبب التنمر في ازدياد مستمر، وخاصة بعد دخول التنمر الإلكتروني إلى الصورة والذي ينتج عنه تحرش جنسي أو تهديد جنسي وغيرها من أشكال التعنيف.

تأثيرات التنمر مدمرة على الأطفال، منهم من يلجأ إلى السلوك العدواني، ومنهم من يتحولون مع الوقت إلى متنمرين وعنيفين. وقد ينسحب الفرد من الأنشطة الاجتماعية في العائلة أو المدرسة، حتى يصبح إنسانًا صامتًا ومنعزلًا

التنمر في السينما

وقد عبرت السينما أفضل تعبير عن مآلات التنمر وكيفية دفع الأفراد إلى حد التطرف والعنف والعدوانية، فها هو فيلم الجوكر، الصادر عام 2019، يرينا انحراف الشخصية الرئيسية/الجوكر إلى العنف والتطرف وقتل كل من تنمر عليه وأساء إليه، في مقابل العفو عن الشخص الوحيد الذي كان لطيفًا معه. وها هو دانييل مونزون، مخرج فيلم OutLaws، الصادر عام 2021، يقدم لنا شخصية المراهق ناتشو الذي يتعرض للتنمر مما يحفزه على الانضمام إلى عصابة من الشبان الخارجين عن القانون، في محاولة لتعويض ضعفه وإثبات العكس لنفسه والآخرين فينخرط في أعمال السرقة والقتل.

ومن هنا يتبين لنا المسارات ذات الطبيعة الحادة التي يسلكها الأفراد الذين يتعرضون للتنمر والطاقة التي يخلفها التنمر داخل الأفراد والتي ربما يتم تفريغها في أكثر الأفعال سوداوية. وأما في فيلم TALL GIRL، تتعرض الفتاة جودي إلى التنمر في المدرسة الثانوية بسبب طولها البالغ 186 سنتيمترًا وهي لا تزال بعمر 16 سنة. لكنها في نهاية المطاف تتقبل جسدها وتصل إلى اللحظة التي تستعيد بها الثقة بنفسها بعدما كانت تشعر بالاغتراب عن جسمها. وقد وظفت حالة الاغتراب هذه لتنمية ثقافتها وقراءة مئات الكتب.

لماذا يقع أطفالنا ضحية للتنمر؟

يقع الأطفال ضحية التنمر بفعل عوامل عديدة وقد تكون منفردة أو متراكمة، والأطفال ضحية التنمر يكونون إما معتدين أو معتدى عليهم، ففي كلتا الحالتين يجب الأخذ بعين الاعتبار أنهم أطفال، ويجب توجيههم وعلاج سلوكهم مع ضمان احترام طفولتهم وكرامتهم.

والعوامل عديدة منها المشاكل صحية: مثال البدانة والنحافة، فيشار إليه بألقاب وتشبيهات ساخرة "ناصح متل الفوتبول" و"ضعيفة متل قرن الفول". ويحصل التنمر بسبب عدم القدرة على تحصيل علامات جيدة من قبل الطلاب بحيث يكون أدائهم الدراسي دون المأمول فيشار إليهم بالقول "ساقط، راسب، فاشل، غبي، مش ذكي، ما بيفهم، حمار، أهبل.. إلخ". أو بسبب عدم القدرة على بناء صداقات كأن يكون الطفل غير اجتماعي أو انطوائي أو منعزل أو يعاني من الحزن والكآبة أو خجول جدًا. وكذلك يلعب عامل الثقة بالنفس دورًا في المسألة، كأن يكون الطفل ذا شخصية ضعيفة ويعاني من القلق أو التردد أو الشعور بأنه غير محبوب من الآخرين.

وكذلك تلعب الظروف الأسرية أو المادية أو الاجتماعية أو التأثيرات الإعلامية أدوارًا مهمة على هذا الصعيد، إن لناحية مفاقمة المسألة لدى الاطفال أو لجمها. وأيضًا هناك عوامل مرضية أو نفسية تتعلق باضطرابات الشخصية ونقص تقدير الذات أو الإحساس بنقص ما في الشكل الخارجي، والاكتئاب وأمراض الصحة العقلية، والإدمان على السلوكيات العدوانية. وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة كثيرًا ما يتعرضون للتنمر في البيئات غير الدامجة، والتي لا تعير الاهتمام الكافي لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وبفعل عدم وجود الوعي الكافي لدى المجتمع سواء في المدرسة أم خارجها.

الأدوار الاجتماعية في حادثة التنمر؟

يختار الأطفال ذوو التصرف المتنمر إيذاء الضحايا كي يظهروا قوتهم وليحافظوا على مكانتهم الاجتماعية في المجموعة، لذلك يحصل التنمر أثناء تواجد شهود بشكل عام، حيث إن هناك أطفال يتواجدون ويشاهدون دائمًا عملية التنمر. إن سلوك الأطفال المتفرجين إزاء ما يجري يعكس موقفهم حول ما يجري، ومعظم الطلاب يعون تمامًا ما يحصل ويؤثر هذا على نتيجة التنمر.

يجب أن نؤكد للأطفال والمراهقين أن الأمل موجود دائمًا، وأن لتدخل البالغين في عملية المساعدة لإيقاف التنمر أثرًا إيجابيًا، وأن نعد بمحاولة مساعدتهم

وفي حوادث التنمر تقسم الأدوار كالتالي، ونعرضها هنا لأنها تفسح المجال لفهم ديناميكية حصول التنمر والكيفية التي تتشكل خلالها المواقف وذلك مما يسهل على المراقب الراشد سوا كان من الأهل أم الأساتذة أم غيرها من العاملين في مجال التعليم والرعاية، يسهل عليهم تفكيك وتشريح الموقف وتحديد وظيفة كل طفل ضمن حلقة التنمر.

- المعتدي: المبادر للمضايقة، يجعل الآخرين ينضمون إليه، ويجد طرائق جديدة لمضايقة الضحية، ويعتبر قائد لمجموعة من الطلاب.

- المعاون: يساعد المعتدي بواسطة الإمساك بالضحية وينضم للمعتدي. ويشارك معاوني المعتدي في التنمر عندما يرون غيرهم يشرع في التنمر، ويلعبون دور المشاركين والمتدخلين في حادثة التنمر بشكل مباشر.

- مشجع التنمر: موجود دائمًا هناك، لا يؤذي جسديًا لكنه يسخر من الضحية، ويشجع المعتدي بواسطة الهتاف، وكما يشجع الآخرين على المشاهدة ويقوم بمهمة حشد الجمهور. والمشجعون لا يعتدون بشكل فعلي على الضحية لكنهم يمنحون المعتدي رد فعل إيجابي على ما يفعل كالضحك له للاستمرار في ما يفعل.

- المتجاهل: يبتعد عن الحدث ولا يعنيه الأمر ويفضل الغنكفاء بنفسه كي لا يتعرض هو للتنمر من المجموعة، ويتظاهر بأنه لا يلاحظ ما يحصل، ولا يفعل شيئًا، ولا يتخذ موقفًا حول الموضوع، وكأنه لا يعرف شيئًا حول التنمر.

- المدافع: يخبر شخص بالغ عما يحصل ويحاول إقناع المعتدين بأن يتوقفوا عما يفعلون، ويشجع الضحية، ويجند الآخرين لتقديم المساعدة، ويبقى إلى جانب الضحية. وهم أطفال ذوو سلوك معارض للتنمر حيث يواسون الضحية ويقدمون الدعم ويحاولون ردع الأخرين عن التنمر. ولذلك يجب نشر الوعي إلى أهمية الدعم وإلى تحفيز الطلاب كي يكونوا في صف الضحية دومًا وتربية أطفالنا وفق هذا المنوال القائم على التضامن والتعاطف مع الأخرين وعدم قبول الظلم.

- الضحية: ضحية المضايقة. غالبًا ما يكون طالبًا ذا شعور بقيمة ذاتية منخفضة، وغالبًا ما يكونون أطفالًا خاضعين، لا يثقون بأنفسهم، ضعفاء جسديًا ومكانتهم الاجتماعية متدنية، وغيرها الكثير من الصفات التي تجعل منهم أطفالًا ذوي شخصيات هشة.

كيفية مواجهة التنمر؟

نعرض هنا للقراء بعض النقاط التي قد تفيدهم في مواجهة التنمر، وتفتح الأفق أمامهم للتدخل والتعامل مع المواقف التضم تضم أنواع وأشكال مختلفة من التنمر بحق الأطفال والمراهقين.

- يجب أن نؤكد للأطفال والمراهقين أن الأمل موجود دائمًا، وأن لتدخل البالغين في عملية المساعدة لإيقاف التنمر أثرًا إيجابيًا، وأن نعد بمحاولة مساعدتهم.

- يجب على الطفل المعتدى عليه أن يبتعد عن المتنمر بهدوء، وإذا استمر في التنمر على الطفل أن يدافع عن نفسه، والدفاع عن النفس ليس بالضرورة أن يكون عنفيًا بل بالرفض والمقاومة وقول كلمة "لا" وإبلاغ الراشدين ممن يثق بهم الطفل وعدم السكوت عن المسألة.

- على الطفل تجنب المتنمرين. فلا يتواجد معهم في نفس الأماكن، وفي نفس الوقت، يجب ألا يدعهم يشعرون أنه يتجنبهم.

- في حال التنمر عبر الإنترنت أو الهاتف، يتوجب على الطفل أن يلغي رقم الشخص المتصل، وألا يتحدث مع من لا يعرفهم عبر النت، وألا يعطي معلوماته الخاصة عبر الإنترنت لأي أحد.

- تعزيز قدرات الأفراد المعتدى عليهم وتعزيز مهاراتهم (النظر بإيجابية إلى أنفسهم- إدارة مشاعرهم- المهارات الحياتية التربية الاجتماعية).

- لا يجب أن تقتصر معالجة التنمر على علاج أحداث التنمر المباشر بل يجب أن تطال الجذور التي أدت للتنمر، سواء عند المعتدي أم عند المعتدى عليه.

- تنمية المسؤولية المشتركة عند الأفراد، وتنمية الإحساس بالمسؤولية على الصعيدين الشخصي والجماعي، وتنمية الإحساس بالانتماء إلى المجموعة (المدرسة- الجامعة).

- على الطفل/ الضحية أن يبلغ عن تعرضه للتنمر لشخص بالغ مثل الأهل والأساتذة أو شخص بالغ يثق به.

- مواجهة التنمر تتطلب تنمية العلاقات بين الأفراد في المجموعة (بين الطلاب داخل الصف).

- تدريب الطفل وإرشاده باستمرار إلى كيفية التعامل والتعاطي وعليه أن يكون حذرًا.

- عدم القيام برد فعل مثل البكاء، فلا يجب أن يشعر المتنمر أنه نجح بأذية الطفل.

- أن يعمل على إنشاء صداقات جديدة صحية وجيدة. أي خلق بيئة علائقية سليمة.