30-يونيو-2019

كثيرًا ما يعاني أذكياء في علاقاتهم العاطفية بسبب محاولتهم السيطرة على كل التفاصيل (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

"ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"، أراد أبو الطيب المتنبي من هذا البيت القول بأن أصحاب العقول، أو من يمكن الإشارة إليهم بالأكثر ذكاءً وحكمة، عادة ما يعانون كثيرًا في حياتهم، ببحثهم المستمر عن إجابات. 

التفكير المستمر، وتحليل كل الأمور، ومحاولة السيطرة عليها، قد يؤثر سلبًا على الجانب العاطفي لدى الأذكاء ويلغي التلقائية والعفوية

فهم يبحثون عن إجابات لكل ما يدور حولهم، ويغرقون بتفكيرهم المختلف عادة في الأمور عما هو سائد، ولا ينساقون وراء الأفكار المعلبة، ولذا فهم يعيشون في حالة من القلق المستمر، لتتحول نعمة العقل إلى شقاء.

اقرأ/ي أيضًا: ما السرّ الذي يضمن إنقاذ علاقاتنا مع من نحبّ؟

في المقابل، فإن "أخو الجهالة"، بتعبير المتنبي، من المستسلمين لما حولهم، يعيشون في راحة وطمأنينة بعيدًا عن قلق البحث المستمر عن الإجابات، لتتحول جهالتهم إلى نعيم.

وإذا كانت العلاقات العاطفية واحدة من أوجه السعادة والشقاء في حياة الإنسان، حتى أن هناك دراسات تؤكد أن آلام خسارة الحبيب قد لا تقل عن آلام الإصابة بذبحة قلبية؛ فهل يلعب الذكاء دورًا في إنجاح العلاقة العاطفية؟ أم بالعكس؟

الذكاء والعلاقات العاطفية
قد لا يكون تأثير العقل إيجابيًا دائمًا على العلاقات العاطفية

منطقيًا يبدو أن لدى الأكثر ذكاءً قدرة أكبر على إنجاح العلاقات العاطفية، بداية من جذب الطرف الآخر ولفت نظره، خاصة وأن هناك إحصائيات تشير إلى أن الذكاء يأتي على رأس قائمة الأمور التي يبحث عنها الشريك (من الجنسين) في شريكه المستقبلي.

لكن مع ذلك، يعاني الأذكياء دائمًا في حياتهم العاطفية، ويواجهون الكثير من المشاكل، سببها هذا الذكاء الذي يتحول إلى نقمة.

ويشير علماء النفس إلى عدة عوامل رئيسية للعلاقة الطردية بين ارتفاع معدل الذكاء ومشاكل الحب والمواعدة، نذكر هنا أبرز هذه العوامل:

1. الأذكياء يفكرون دائمًا بطريقة منطقية وممنهجة

لا يتوقف الأشخاص الأذكياء عن التفكير طوال الوقت، فيما يعرف بـ"overthinking"، ويضعون دائمًا أمامهم جميع الافتراضات والاحتمالات، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على الجانب العاطفي لديهم ويضعفه، ويلغي عاملي التلقائية والعفوية.

تتركز كل أفكار أصحاب معدلات الذكاء المرتفعة، حول دراسة الأحداث ومقارنتها بتجارب سابقة، وتحويلها إلى أنماط، وبالبناء عليها لتوقع المستقبل. على سبيل المثال، قد يشعر الشخص الذكي في لحظة معينة أن علاقته ستصل إلى طريق مسدود في حال حدوث أمر معين، لأن إحدى علاقاته السابقة قد انتهت بعد حصول موقف مشابه، وهذا أمر ربما يكون صحيحًا، وربما لا، لأن لكل علاقة خصوصيتها. 

2. الذكاء قد يجنبك الألم.. لكنه يجنبك الفرح أيضًا

يبني الأشخاص الاذكياء أنظمة دفاعية عن أنفسهم، ويضعون الخطط لمواجهة أي طارئ في العلاقة، ويدربون أنفسهم على التأقلم مع كل الوضعيات الممكنة.

العلاقات العاطفية
ليس بوسع الشخص السيطرة على كل تفاصيل العلاقة العاطفية

هذه الإجراءات الاحترازية قد تجنبهم الألمَ فعلًا في المرحلة الأولى، لكنها ستمنع عنهم الفرح، وسيصابون بالروتين والملل، فيشعر الشريك بأنهم لم يعودوا جذابين بشكل كاف كما كانوا في البدايات.

إذا كنت تريد أن تنجح في العلاقات العاطفية، فعليك أن تدرك أنك لن تستطيع السيطرة على كل التفاصيل والإحاطة بها، وهذه قاعدة ذهبية، لكن أصحاب معدلات الذكاء المرتفعة لا يلتزمون بها عادة، ربما لأنهم يؤمنون بعقولهم أكثر مما ينبغي.  

3. الأذكياء هم أشخاص مستقلون بشكل مبالغ فيه

يتمتع الأشخاص الأذكياء باستقلالية عالية في العادة، وهم يرون أنهم قادرون على معالجة مشاكلهم بأنفسهم، ولا يطلبون المساعدة من الآخرين.

قد تكون هذه ميزة في الحياة العملية، لكن الأمر مختلف عند الحديث عن الحب، فتشارك المشاكل والهموم يساهم في التقريب بين الأزواج، ويشعر كل منهما بأهميته عند الآخر وبحاجته إليه في الوقت نفسه. غياب هذا المعطى عن العلاقة سيؤدي إلى تصدعها بشكل كبير.

4. قد يصبح الذكاء أمرًا مخيفًا للشريك مع الوقت

يرغب الجميع في التعرف على أشخاص يتمتعون بمعدلات ذكاء مرتفعة، لكن هذا القدر من الذكاء، قد يجعل الآخرين يشعرون بالقلق، كونهم يعتريهم شعور بعدم القدرة على مجاراتك، فيتولد لديهم إحساس مستمر بالنقص أمامك.

العلاقات العاطفية
أحيانًا يكون الذكاء مخفيًا بالنسبة للشريك

إذًا، فالذكاء الذي أُعجبوا به في البداية، قد يستفزهم مع الوقت، لذا فمن النصائح الموجهة للشخص الذكي لمعالجة هذه المعضلة، أن يعمد إلى إظهار عيوبه ومكامن ضعفه أمام شريكه، وأن يطلب منه المساعدة كي يشعر الشريك بأهميته.

إذا كنت تريد أن تنجح في العلاقات العاطفية، فعليك أن تدرك أنك لن تستطيع السيطرة على كل التفاصيل والإحاطة بها

في النهاية، ربما يكون من الجدير الإشارة إلى أن "الذكاء" كمفهوم، له عدة أوجه، فقد يكون الذكي رياضيًا، أقل ذكاءً اجتماعيًا وعاطفيًا، لذا ربما يجدر بمن يتمتع بمعدلات ذكاء مرتفعة في هذا الجانب، أن يراعي عدم الاغترار بذكائه في هذا الجانب، لأن ذلك قد يؤثر سلبًا على جوانب أخرى من حياته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هو السر وراء عمر مديد سعيد؟.. الإجابة في دراسة علمية عمرها 80 عامًا

"وصفوا لي الحب".. أيديولوجية العاطفة في القرن الـ21

ما هو الحب الصامت وما علاماته؟.. علم النفس يجيب

5 دروس عن الحب من أفلام وودي آلن