07-يوليو-2019

اللجوء الآن هو أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية (رويترز)

يعيش العالم أسوأ أزمة نزوح عالمية منذ الحرب العالمية الثانية كما يصفها الخبراء والمراقبون الدوليون. وتثبت الأزمة العالمية حالة تخاذل في خلق إرادة دولية للتعامل معها بما يتوافق مع الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية.

تؤكد المشاهد المزعجة من مراكز الاحتجاز على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، أن إدارة ترامب لا ترحب بأحد!

نرصد هنا بالحقائق والأرقام أوجه الفشل الأممي في احتواء هذه الأزمة، مع تسليط الضوء على فشل الإدارات السياسية في التعامل معها، أو بالأحرى عدم رغبتها في التعاطي الفعال معها لإيجاد حل بدلًا من التلاعب بها.

اقرأ/ي أيضًا: "طلبكم مرفوض".. هل انتهى ربيع اللاجئين في أوروبا؟

إدارة ترامب لا ترحب بأحد

أكدت المشاهد المزعجة القادمة من مراكز الاحتجاز على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، عدم اهتمام إدارة ترامب بالمعاناة الإنسانية للمهاجرين.

وتفيد شهادات نقلها تقارير إخبارية عن لاجئين في معسكرات الاحتجاز، بعدم توفر أي من ظروف المعيشة الإنسانية. يقول أحد المحامين إن معسكرات الاحتجاز مليئة بالأطفال الذين لم يستحموا منذ أيام، أجسادهم مليئة بالميكروبات، وفرص ظهور الأمراض وانتقال العدوى كبيرة. ويصف مراقبون زاروا مراكز الاحتجاز هذه، بأن ما رأوه وسمعوه كان "مروعًا".

اللاجئين
يعيش الأطفال وضعية مزرية في معسكرات الاحتجاز على الحدود الأمريكية الجنوبية

 في العام الماضي، أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن أعداد اللاجئين حول العالم، وصلت إلى 74.8 مليون إنسان لاجئ، بزيادة 43 مليون قبل خمس سنوات فقط. و41.4 مليونًا من بين هؤلاء، نازحون داخليًا، بمعنى أنهم أجبروا قسرًا على ترك منازلهم والنزوح لمناطق أخرى داخل نفس الحدود.

العنف.. سبب اللجوء الأول

مثّل العنف السبب الأول للجوء حول العالم، ففي أفريقيا وحدها تسبب العنف في مضاعفة أعداد اللاجئين والنازحين داخليًا غلى ثلاث مرات على مدار العقد الماضي.

وفي أفغانستان، التي دخلت الآن عقدها الرابع على التوالي من الحرب، أدى انعدام الأمن والجفاف فيها إلى نزوح 500 ألف شخص في عام 2018 وحده، ليصل إجمالي عدد النازحين داخليًا إلى 2.1 مليون، كما فر 2.4 مليون لاجئ أفغاني إضافي إلى باكستان وإيران المجاورتين، في حين تستضيف بنغلاديش أكثر من 900 ألف لاجئ من الروهينغا الذي استطاعوا أن ينجوا من الاضطهاد الممنهج في ميانمار، وما يزيد من محنتهم أن أكثرهم مصنفون بدون جنسية.

ثم تأتي الأزمة الاقتصادية كأحد أبرز دوافع الهجرة واللجوء. ففي الأمريكيتين، شهد عام 2018 موجة لجوء غير مسبوقة، بعد أن فرّ أكثر من ثلاثة ملايين شخص من فنزويلا، وصل معظمهم إلى كولومبيا، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي تركت أرفف المحلات والأسواق فارغة من البضائع.

أسوأ الأوضاع في الشرق الأوسط

أسوأ وضع يخص اللجوء والهجرة هو الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط، فقد حذرت الأمم المتحدة من أن الأسوأ هو الذي تشهده هذه المنطقة، بسبب "ثلاثة من أكبر وأخطر الأزمات الإنسانية في العالم"، متمثلة في سوريا والعراق واليمن.

هذا وقد أدت الحروب في كل من سوريا والعراق واليمن إلى نزوح أكثر من 10 ملايين إنسان داخليًا، وفرار أكثر من 7.2 مليون لاجئ وطالب لجوء.

وما يزيد من سوء الوضع، أن نداءات الاستغاثة التي أطلقتها عام 2018 موفضية اللاجئين التابعة للأم الممتحدة، والتي أعلنت حالة الطوارئ في سوريا، لم تحقق إلا 49% فقط من التمويل المطلوب للإغاثة. وفي اليمن، المساعدات الإنسانية والإغاثية غير كافية، لأسباب مشكوك في أمرها.

اليائسون على شواطئ أوروبا

وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة عن عام 2018، بلغ عدد الذين خاطروا بحياتهم في البحر المتوسط من أجل الوصول لأوروبا إلى 82.201، أكثر من 1600 شخص منهم فقدوا أو لقوا حتفهم حتى أيلول/سبتمبر من نفس العام.

وبالجملة، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، فقد انخفضت أعداد الذي استطاعوا الوصول لأوروبا، في حين زادت أعداد الضحايا والمفقودين، فمن بين 18 شخصًا، لقي شخص واحد على الأقل مصرعه أو فُقد، خلال الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2018، مقارنة بشخص من بين 47 شخصًا خلال نفس المدة في 2017.

اللجوء
في 2018 أكثر من 1600 شخص فقدوا أو لقوا حتفهم في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول لأوروبا

وفي أوروبا تخطى الأمر عدم استقبال اللاجئين أو الخطابات المعادية لهم، إلى فرض عقوبات على إنقاذهم من الموت غرقًا في عرض البحر، كما حدث مع الناشطة الألمانية كارولا راكيتي، التي أنقذت 53 مهاجرًا كانوا في وضع خطير في عرض البحر المتوسط، وكما حدث في حالة السباحة السورية يسرا مارديني التي وُجهت لها تهم خطيرة إثر اعتقال الشرطة اليونانية لها أثناء محاولاتها إنقاذ مجموعة من اللاجئين السريين بالقرب من جزيرة ليسبوس، حيث اعتبروها "عضوًا في شبكة إجرامية دولية تسعى لتمكين المهاجرين غير النظاميين من عبور حدود الدول"! 

وعلى الرغم من أن المنظمة التي تقوم سارة بالعمل لحسابها، وهي "منظمة الاستجابة الطارئة"، تعمل منذ سنوات في اليونان، وتعاونت مع منظمات أخرى في إنقاذ أرواح اللاجئين من الغرق، إضافة إلى خفر السواحل، وقدمت مساعدات طبية لمعسكر موريا للاجئين الأكثر شهرة في اليونان من حيث قسوة العيش فيه؛ إلا أنها تعرضت للاعتقال، ما يكشف الخط السياسي المعادي رسميًا للاجئين في أوروبا.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2018، وافقت غالبية الدول الكبرى، باستثناء الولايات المتحدة، على الميثاق العالمي للاجئين، الوثيقة غير الملزمة، التي وضعت مجموعة من المبادئ الأساسية لتقاسم الأعباء والمسؤوليات الخاصة بقضية اللجوء العالمي. وتهدف الوثيقة إلى إيجاد حلول أكثر فاعلية لحل أزمة اللاجئين من خلال التعاون الدولي، بما لا يشكل عبئًا على دول بعينها، وفي نفس الوقت يوفر ظروفًا معيشية مناسبة للاجئين. 

لكن عمليًا لم يتم تفعيل الوثيقة من قبل الدول الموقعة عليها، بل على العكس ربما شاركت هذه الدول بشكل أو بآخر في تعميق سوء أوضاع اللاجئين وتفاقم أزمتهم.

التمويل.. فجوة كبرى في أزمة اللاجئين

في مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني والذي عقد في إسطنبول عام 2016، توصل المانحون إلى ما سمي بـ"الصفقة الكبرى" التي بموجبها تُسد فجوة تمويل تقدر بنحو 15 مليار دولار في مساعدات الإغاثة الخاصة بأزمة اللاجئين. لكن رغم ذلك، لا تزال هناك ثغرات كبيرة في قضية التمويل.

فوفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بلغت المتطلبات المالية العالمية لحالات الطوارئ الإنسانية 25.2 مليار دولار في عام 2018، في حين أن التمويل المتاح لم يصل إلا لـ15.1 مليار دولار، وهي فجوة تفوق 10 مليارات دولار تركت الكثير من الاحتياجات العاجلة دون تلبية.

الالتزامات القانونية في مهب الريح

تُعرّف اتفاقية وضع اللاجئين لعام 1951، اللاجئ بأنه إنسان لديه "خوف مبرر من الاضطهاد". وتحظر الاتفاقية على الدول الأطراف، إعادة اللاجئين إلى بلدان تكون فيها حياتهم أو حريتهم مهددة. فيما يمنح القانون الدولي، للاجئين حق عبور الحدود لطلب اللجوء.

اللاجئون
باتت القوانين الدولية التي تحمي اللاجئين وحق اللجوء، في مهب الريح

لكن الاتحاد الأوروبي الآن بات يتبنى أكثر من أي وقت مضى، سياسة منع طلبات اللجوء من الوصول إلى أراضيه، وهكذا تفعل الإدارة الأمريكية خصوصًا في عهد دونالد ترامب مع قانون اللجوء الأمريكي الذي يتعامل مع معظم طلبات اللجوء باعتبارها عمليات احتيال، حسبما قالت صحيفة الغارديان البريطانية .

العداء المتزايد ضد اللاجئين

من بين الأمور الأكثر إثارة للقلق عالميًا هي موجة العداء المتزايد ضد اللاجئين، خاصة في دول تصنف ديمقراطيات عريقة. ففضلًا عن كون اللاجئ منذ البداية ضحية، يُعاد إنتاجه كضحية مرة ثانية بخطاب الكراهية ضده، والذي بدأ في السيادة أوروبيًا مع تبنٍ رسمي له من قبل عدد من الحكومات الأوروبية.

هذا العداء المتزايد ضد اللاجئين جعلهم عرضة لمخاطر حقيقية تهددهم، فضلًا عن خطر اللجوء في حد ذاته وخطر دوافعه، فثمة خطر التعرض لهم بالعنف من قبل أفراد من مجتمعات الدول المستقبلة، أو خطر التعرض للعنف الأمني الرسمي، كما حدث في أستراليا على سبيل المثال التي اعتقلت طالبي لجوء بشكل تعسفي.

من بين الأمور الأكثر إثارة للقلق عالميًا هي موجة العداء المتزايد ضد اللاجئين، خاصة في دول تصنف ديمقراطيات عريقة

وفي أوروبا والولايات المتحدة، تأسست أحداث هامة على الخطاب العدائي ضد اللاجئين، مثل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"غريب الدار".. الأرقام تروي مآسي اللجوء والنزوح والتشرد حول العالم

لماذا تزداد أعداد اللاجئين المسلمين المتحولين للمسيحية؟