09-يوليو-2017

منذ الطفولة يعشق الأطفال القصص الخرافية (screenrant)

منذ الطفولة يعشق الأطفال القصص الخرافية، سواء كانوا يقرؤونها أو يقصها عليهم أحد، وبمرور الأعوام يكبر الأطفال ليصيروا مراهقين لكن حب القصص لا يتوقف بل يتخذ شكلًا آخر لديهم.

فمن نوادر جحا والأميرة النائمة ومغامرات هاري بوتر يظهر نمط آخر من القصص أكثر ملائمة للفئة العمرية التي ينتمي إليها المراهقون، نمط يستمر حتى إلى مرحلة الشباب وربما ما بعدها أيضًا، نمط لا يفقد بريقه سريعًا بل يظل متجددًا طالما ظل إبداع القائمين عليه موجودًا وطالما ظل البشر موجودين فإبداعهم لن يتوقف.

منذ الطفولة يعشق الأطفال القصص الخرافية، وبمرور الأعوام يكبر الأطفال ليصيروا مراهقين لكن حب القصص لا يتوقف

إنه نمط قصص الأبطال الخارقين الذي كان وما زال وسيظل لفترة طويلة للغاية من ضمن أكثر القصص شعبية على الإطلاق، سواء كان مجرد قصص مصورة مرسومة برسوم جذابة في صفحات الأبيض والأسود القديمة أو الملونة حديثًا أو المقدمة عبر رسوم متحركة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد أو حتى عبر ممثلين حقيقيين في العديد والعديد من الأفلام والمسلسلات التي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

ومع إطلاق مؤلفي القصص المصورة العنان لخيالهم الواسع في الرسم وتأليف القصص المصورة منذ ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، لم تكن السينما على مستوى الحدث بعد، فكانت تقنيات التصوير والخدع السينمائية لا تزال متواضعة للغاية فكان صعبًا تحويل خيال المؤلفين عن الأبطال الخارقين الذين يصولون ويجولون ويطيرون ويسبحون ويمتلكون أجهزة وأسلحة لا يزال أغلبها يعتبر خيالًا علميًا حتى يومنا هذا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الأصليين".. هل تصنع السخافة فيلمًا؟

فظل خيال المؤلفين فيما يتعلق بهؤلاء الأبطال الخارقين حبيس الأوراق التي تحتويها مجلات القصص المصورة ولكن كل هذا قد تغير في العصر الحالي مع التطور الفائق لتقنيات التصوير واستخدام الحاسوب الآلي في الخدع السينمائية لإضفاء الواقعية وعامل التصديق على الأفلام السينمائية التي تحتوي مشاهد لشخصيات خارقة تفعل أشياء لا يفعلها البشر.

صارت أفلام الأبطال الخارقين صناعة رابحة للغاية إذن في العصر الحالي، ولا يكاد يخلو عام واحد من 3 أو 4 أفلام على الأقل مما يمكن تصنيفها على أنها أفلام عن الأبطال الخارقين Superhero Movies، أما إذا انتقلنا إلى عالم الرسوم المتحركة فالوتيرة أسرع والإنتاج أغزر بكثير فالحاسب الآلي قد سهل كثيرًا من عملية صناعة هذه الأفلام وصارت المسافة قصيرة -إن لم تكن معدومة- بين المرسوم في القصص المصورة وما يتحرك في الأفلام الثنائية والثلاثية الأبعاد.

والأمر لا يتوقف عند الأفلام والمسلسلات: روائية كانت أم أفلام رسوم متحركة، موجهة للكبار أو المراهقين أو الأطفال بل يتعداه لإنشاء ألعاب كمبيوتر ودمى على شكل شخصيات الأفلام سواء الأبطال الخارقون أم خصومهم الأشرار أنفسهم.

إذن ما الذي يجعل أفلام الأبطال الخارقين ناجحة لهذه الدرجة؟ وما السر وراء الشعبية الضخمة لهذه الأفلام التي تجعل صناعة فيلم عن أحد الأبطال الخارقين مشروعًا نسبة نجاحه مرتفعة للغاية؟

قد يعزو البعض ذلك إلى أن هذه الأفلام مبهجة ومسلية وربما مخدرة ومضيعة للوقت ولهذا السبب يقبل الكثيرون عليها. لكن مع كون الكثير من صناع السينما مهتمين بتسلية الجمهور إلا أن واقع أفلام الأبطال الخارقين في الأعوام الأخيرة قد شهد تحولًا كبيرًا عن هذه الصورة النمطية السائدة وفي السطور القليلة المقبلة محاولة متواضعة لمعرفة سر حب الناس للأبطال الخارقين وأفلامهم لهذه الدرجة من خلال النظر إلى عدة عوامل.

العامل الأول: الأسطورة

يحب الناس الأساطير ويتعلقون بها حتى وهم يعرفون أنها من وحي الخيال الخصب للمؤلفين. وقد يظن البعض أن أساطير الأبطال الخارقين وليدة القرن الـ20 فقط الذي شهد غزارة في تأليف القصص المصورة التي تحولت فيما بعد لأفلام ولكن هذه الأساطير تعود إلى الحضارات القديمة، هرقل على سبيل المثال كان بطلًا خارقًا أسطوريًا في اليونان القديمة ومع ذلك عاشت أسطورته حتى اليوم في وجدان الناس.

صارت أفلام الأبطال الخارقين صناعة رابحة للغاية في العصر الحالي، ولا يكاد يخلو عام واحد من 3 أو 4 أفلام منهم

في الثقافات المختلفة في شتي بقاع الأرض تجد الكثير من الأساطير حول بعض الأشخاص التي عادة ما يكون الخيال فيها أكثر بكثير من الواقع -إن وجد- وكمثال آخر في الثقافة العربية يوجد بطل خارق أسطوري هو أبو زيد الهلالي، تناقلت سيرته الشعبية العديد والعديد من الأجيال، وهو دليل آخر على أن للأساطير جاذبية شديدة في قلوب وعقول الناس أينما كانوا ومهما كانوا.

فسواء كان البطل الخارق هو هرقل Hercules اليوناني، أو أبو زيد الهلالي العربي أو ثور Thor الإسكندنافي، أو كابتن أمريكا Captain America الأمريكي، فالمحصلة النهائية واحدة وهو أن كلهم أساطير محببة للناس.

العامل الثاني: الواقعية

رغم تناقضه الواضح مع العامل السابق إلا أن الأبطال الخارقين يمكنهم الجمع بين العاملين معًا في نفس الوقت، وهذا أحد أسرار شعبيتهم، هناك الأمثلة الواضحة للغاية المفرطة في واقعيتها من الأبطال الخارقين كالرجل الوطواط Batman، والسهم الأخضر Green Arrow فهم أشخاص عاديون للغاية مثل أي إنسان آخر لكنهم صقلوا مهاراتهم بالتدريب العنيف المستمر بما جعلهم يصلون إلى الحد الأقصى من القوة الجسمانية التي من الممكن أن يصل إليها البشر.

ولكن حتى الأبطال الآخرون من ذوي القدرات الخارقة التي تجعلهم فوق البشر يمرون بمواقف واقعية للغاية على الأقل حينما يخفون هوياتهم الحقيقية ليستطيعون الحياة بين الناس العاديين. فالرجل العنكبوت Spiderman يعاني مثله مثل أي طالب في المدرسة أو الجامعة من نفس المشاكل التي يمر بها ممن هم في سنه، والرجل الأخضر Hulk يحاول جاهدًا التحكم في غضبه حتى لا تنفلت منه زمام الأمور فيتحول إلى العملاق الضخم الذي يحطم كل شيء.

ألا تشبه هذه الصراعات صراعات يمر بها الأشخاص العاديون في حياتهم اليومية؟ لعل هذا من أسباب شعبية الأبطال الخارقين، أنهم مختلفون عنا في جانب ومثلنا تمامًا في جانب آخر في نفس الوقت!

العامل الثالث: ثنائية الخير والشر

رغم اختلاف الثقافات ووجهات النظر حول العالم، فهناك بعض الأشياء التي يجتمع أغلب البشر على تصنيفها بوصفها خيرًا ونفس الشيء بالنسبة للشر.

فهل قتل الأطفال الرضع يعتبر خيرًا؟ وهل إنقاذ امرأة من براثن ذئاب بشرية يحاولون اغتصابها يعد شرًا؟ بلا شك هناك بعض الحركات الفلسفية غريبة الأطوار التي تحاول الترويج لمفهوم "نسبية الأخلاق" إلى حد الجنون وتبرير بعض الفظائع بشكل قد لا يستخدمه عتاة المجرمين أنفسهم لتبرير جرائمهم الشاذة.

ولكن هذا لا يفت في عضد أغلب البشر الذين مازالوا -حتى هذه اللحظة على الأقل- مجمعين على بعض الأشياء بوصفها خيرًا مطلقًا أو شرًا مؤكدًا، ولعل هذا هو عامل جذب البشر للأعمال الفنية التي تتناول الأبطال الخارقين الذين يمثلون الخير المتصارع مع الشر متمثلًا في أعداؤهم.

اقرأ/ي أيضًا: "تاكسي طهران" والبحث عن الخلطة السحرية لنجاح السينما الإيرانية

ورغم أن الخير والشر مفهومان مطلقان في أغلب التعريفات المستمدة من الأديان والفلسفات والثقافات المختلفة، إلا أن أغلب البشر لا يقعون في خانتي الأبيض والأسود، بل يستقرون في خانة اللون الرمادي، نتيجة لعجزهم عن تطبيق كل المثل العليا التي يتطلبها الخير، أو ضعفهم أمام بعض المغريات الممهدة لطريق الشر.

لذلك تصبح القصص والأفلام أكثر واقعية وقوة كلما تم التعمق في دوافع الشخصيات وقصصهم الخلفية Origin Story التي دفعتهم لاتخاذ مواقفهم الحالية بالانضمام لجانب الخير أو الشر.

فباتمان اختار جانب الخير ﻷن والديه قد قتلا أمام عينيه وهو طفل، فقرر ألا يعاني أحد مثلما عانى، بينما الجوكر عدوه اللدود -على الجانب الآخر- قد اختار الشر بسبب سلسلة من الأحداث السيئة تعرض لها بعد أن كان ممثلًا كوميديًا فقيرًا اضطر لسلك طريق الجريمة ليوفر الطعام ﻷسرته قبل أن يسقط في مستنقع مليء بالكيماويات ويصاب بتشوه في وجهه كما ظهر في الفيلم الكارتوني The Killing Joke والفيلم الروائي Batman.

هذه لم تكن القصة الخلفية الوحيدة التي فسرت كيف صار شريرًا، ففي فيلم The Dark Knight لم يهتم المخرج كريستوفر نولان كثيرًا بتوضيح القصة الخلفية للجوكر وترك الباب مفتوحًا أمام التأويلات رغم اهتمامه الشديد بالواقعية في ثلاثية أفلامه الخاصة بباتمان، وإن كان قد صرح لبعض وسائل الإعلام بأنه كان يميل لجعل القصة الخلفية للجوكر كونه جنديًا سابقًا بالجيش يعاني من صدمة ما بعد أحداث الحرب.

يحب الناس الأساطير ويتعلقون بها حتى وهم يعرفون أنها من وحي الخيال الخصب للمؤلفين

على أي حال فقد صار الجوكر مثالًا نموذجيًا للشرير ذي الفلسفة الخاصة التي يسعى لإثباتها أمام الجميع ما يجعل له جاذبية خاصة بين الأشرار كونه إنسانًا مركبًا ذا وجهة نظر براقة (حتى لو كانت خاطئة) بما يجعله مثل كل البشر ويجعل أي بشري يرتبط بقصته التي يمكن أن تحدث ﻷي منا، وهو ما يختلف عن الصورة النمطية القديمة الساذجة عن الأشرار بكونهم كائنات ذوي بعد واحد شيطاني في مقابل الأخيار الملائكة.

تلك الصورة النمطية المقابلة أيضًا التي تغيرت عبر السنوات مع إكساب الشخصيات المنحازة لجانب الخير بعض القسوة والغلظة وإرتكاب الأخطاء وبعض الأفعال الصغيرة التي قد تصنف كشر في سبيل خير أكبر، ولعل هذا من تأثير فلسفات تروج للصراع بين القيم المطلقة والبشر النسبيين في تطبيقهم لهذه القيم.

العامل الرابع: التضحيات العاطفية

مع كل خيار يتخذه أي إنسان يوجد خيار آخر يضحي به، الطالب الذي يختار المذاكرة للنجاح في الامتحان يضحي بفرصة للنزهة، الرياضي الذي يختار المواظبة على التدريبات يضحي بخيار تناول ما يريده من طعام وشراب، وهكذا فإن الحياة لكل البشر هي مجموعة من الاختيارات ومع الاختيارات تأتي التضحيات كتوأم ملتصق.

وفي حالة الأبطال الخارقين فغالبًا ما تكون التضحيات جسيمة على قدر اختيارهم بخوض حياة غير عادية لباقي البشر العاديين. صحيح أن بعضهم قد تفرض عليه تلك الحياة غير المعتادة فرضًا، كأن يكتسب قدرات خارقة بشكل لم يكن له يد فيها، لكنه يختار أن يستغل تلك القدرات في فعل الخير بدلًا من أن يتجاهلها تمامًا وفي هذا نوع من أنواع ممارسة السلطة، فما هو الثمن المدفوع هنا؟ تكاد تتفق كل قصص الأبطال الخارقين على أن الثمن الباهظ لحياة البطل الخارق الذي يحارب الشر هو التضحية بالحب.

اقرأ/ي أيضًا: "18 يوم".. فيلم متواضع أشعل في نفوس المصريين ذكرى الثورة والميدان

فباتمان لا يستطيع إطلاق العنان لمشاعره خوفًا من أن تتعرض حبيبته للأذى، والرجل العنكبوت Spiderman يحاول إبعاد حبيبته عنه لكي لا تتعرض للأذى على أيدي أعدائه تارة، وتارة أخرى تموت بعد أن تصمم على اقتحام حياته، وأن تكون جزءً منها لحبها له، أما مصاص الدماء التائب Angel الذي ألقيت عليه لعنة جعلته يستعيد روحه (ضميره) ليقتل مصاصين الدماء الآخرين دفاعًا عن البشر فيجب -طبقًا للعنة- أن يبتعد تمامًا عن الحب وإلا سيعود مصاص دماء شرير يقتل البشر كما كان قبل عودة روحه البشرية مرة آخرى.

والأمثلة هنا لا تنتهي فإذا كان البشر العاديين يضحون بأشياء كثيرة في حياتهم لإسعاد من يحبون، فإن الأبطال الخارقين من أجل إنقاذ البشرية يضحون بإمكانية وجودهم مع من يحبونهم أصلًا وكأن ثمن البطولة الخارقة هو حياة كاملة من الوحدة والعزلة!

العامل الخامس: النقص والكمال

يسعى البشر للكمال رغم يقينهم بأنهم لن يصلوا إليه! يسعون إليه في كل المجالات فنجد تحطيمًا مستمرًا للأرقام القياسية الرياضية، ورغبة محمومة في المزيد من الاكتشافات العلمية لتحسين حياة البشر، نجد أبحاثًا علاجية جديدة لإطالة أعمار البشر، وأبحاثًا فلسفية لتحسين القوانين والأوضاع الاجتماعية وثورات لتغيير الأنظمة السياسية الفاسدة ولكن في النهاية كل هذا سينتهي! كل هذا سيفنى! كل هؤلاء البشر سيموتون فما قيمة كل هذا الجهد وفيم الطائل؟ إنه السعي البشري الأبدي نحو الكمال رغم علمهم التام بنقصهم.

صار الجوكر مثالًا نموذجيًا للشرير ذي الفلسفة الخاصة التي يسعى لإثباتها أمام الجميع ما يجعل له جاذبية خاصة بين الأشرار

والتجسيد لهذه النقطة هم الأبطال الخارقين، الذين إما أن يكونوا بشرًا لكنهم تغلبوا على العديد من نقائصهم ولكنهم ما يزالون بشرًا، فنقاط ضعفهم مثل باقي البشر فيسهل التعاطف معهم من المشاهدين، وأما أن يكونوا بشرًا ذوي طفرات خارقة أو حتى مخلوقات أخرى خيالية فلهم نقاط ضعف قاتلة كمادة الكريبتونيت التي يمكنها أن تقتل سوبرمان.

أو أن باتمان رغم قسوته وظنه السيئ بأن سوبرمان خطر على البشرية فإنه يتعاطف معه حينما يعلم بأن أمه في خطر لأنه لا يريد لها نفس مصير أمه هو، فيتوقف عن محاولة قتله ﻷن هذه نقطة ضعفه. إن الأبطال الخارقين يسعون للكمال بصورة براقة أكثر خيالية من البشر، ورغم هذا لا يزال لديهم نقص تمامًا مثل البشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم Beauty and The Beast: وردة ديزني الحمراء

الرحلة في ثلاثية الشمال الإيراني لعباس كيارستمي