02-يناير-2019

تدفق ملايين السياح الجزائريين إلى تونس (Getty)

دخل ثلاثة ملايين جزائري إلى الفضاء التّونسي ليعيشوا مناسبة رأس السّنة الجديدة هناك. وهنا، أذكر حادثتين حصلتا لي شخصيًّا، أولاهما أنني بادرت إلى إطلاق صفحة فيسبوكية سمّيتها "صيفنا تونسي"، بمناسبة تفجير فندق إمبريال مرحبًا في مدينة سوسة التونسي عام 2015، كنوع من التآزر مع التّونسيين، بحكم أن التّفجير أثّر في الإقبال السّياحي، فعلّق علي أحدهم بالقول إنّنا نحن الجزائريين مضطرّون إلى المجيء إلى تونس، ولا داعي لتغليف المجيء بنيّة التعاطف والتآزر، فوجهتنا البحرية صعبة بالنّظر إلى صعوبة الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبّي، والوجهة المغربية مغلقة في وجوهنا منذ عام 1994، والوجهة الجنوبية، موريتانيا ومالي والنّيجر، فقيرة ومفخخة حتّى وإن كانت متاحة، أمّا الوجهة الليبية، فهي موعد مع الميليشيات.

لقد حان للمجموعة الوطنية في الجزائر، أن تتفطّن إلى أنّ استمرار اعتماد الاقتصاد على النفط أصبح خطيرًا، وأن تلتفت إلى السياحة كبديل

الحادثة الثّانية: شهدت مرّة في تونس العاصمة صاحب فندق يعاتب جزائريًّا على الاستهلاك المفرط للكحول، فقال له الجزائري: "أنا محروم يا خويا، أنا محروم". وراح يسرد له كيف أنّ والي الولاية قام بإغلاق الحانات في ولايته، مباشرة بعد أن عاد من الحجّ، ليقول للنّاس إنه نقيّ وتقيّ، من غير أن يغلق ورشات الفساد الكثيرة، بما فيها السّرقة في المطاعم المدرسية. هناك رفع التّونسيّ يديه بالدّعاء: يا الله، أكثر من حرمان الجزائريين حتّى يستمرّوا في الإتيان إلينا.

اقرأ/ي أيضًا: إجازة الجزائريين الصيفية.. بين تونس والجزائر

شخصيًّا أحبّ تونس وأحبّ هذا التّواصل بين الشّعبين، لكن أحبّ أن يكون في إطار اختياريّ، لا أن يضطرّ الجزائريّ إليه، لأنّه لا يجد في بلده ما يجده في تونس، رغم الشّبه الكبير بين البلدين في خصوصيات كثيرة، من حيث البنية السّياحية والاجتماعية، مع تسجيل التفوّق الجزائري الصّارخ والمعطّل. فما يمنع من توفير ذلك في الجزائر؟

إنّ قضاء ليلة واحدة في فندق جزائري تتيح قضاء أسبوع في فندق تونسي، مع تسجيل الفارق المهول في طبيعة الخدمات لصالح هذا الأخير. إلى جانب شارع تونسيّ لا ينام ولا يعتدي، في مقابل شارع جزائري ينام مع غروب الشّمس، مع احتمال أن تتعرّض للاعتداء فيه عند أيّة زاوية من طرف صعلوك من صعاليك اللّيل، رغم الأمن المستتبّ منذ سنوات من الزّاوية التي تعني الإرهاب والجماعات المسلّحة.

أمّا إذا قارنّا بين الرّوح الخدومة والمرنة والمرحة لدى التّاجر والنّادل والسّائق في تونس، وبينها لدى هؤلاء في الجزائر، فإنّ الأمر يستدعي دراسة خاصّة. ففي الوقت الذي تعلو فيه الابتسامة الملامح وتتدفّق كلمات التّرحيب من الأفواه في تونس، فإنّ التكشير هو المهيمن في الجزائر، وكأنّ السّائح جاء ليأخذ منه لا أن يعطيه. مع تسجيل أنّ هامش التّحايلات الماليّة وثقافة البقشيش نادرة في الفضاء الجزائري.

اقرأ/ي أيضًا: صيف المغاربة.. سياحة داخلية ومهن موسمية

إنّ هيمنة الرّيع البترولي في الجزائر، جعلت الدّولة والشّعب معًا يقعان في فخّ الاعتماد عليه، فكانت السّياحة في صدارة القطاعات الضّحية لهذا الاعتماد، من حيث البنية التّحتية ومن حيث الثقافة المتعلّقة بها. فهل يعقل ألّا يتجاوز عدد الأسرّة 50 ألف سرير في بلد هو الأكبر أفريقيًّا وعربيًّا مساحة، ويتوفّر على الفصول الأربعة في الفترة نفسها، ويتجاوز شريطه الصّحراويّ 1200 كيلومتر، وتفوق مساحة ولاية صحراوية منه مساحة فرنسا، وتنتسب فيه عشرات المواقع إلى مدوّنة التراث المصنّف عالميًّا؟

لقد حان للمجموعة الوطنية في الجزائر، حكومةً وشعبًا، أن تتفطّن إلى أنّ استمرار اعتماد الاقتصاد الوطني على عائدات النّفط في 95 بالمئة تجاوز مقام العيب إلى مقام الخطر، في ظلّ التحوّلات العالمية المختلفة، وفي ظلّ التهديدات المحتملة. ولن تجد الجزائر أفضل من السّياحة بديلًا، شريطة تأهيل المكان والإنسان للتعاطي معها بصفتها فنًّا وثقافة، بالانتقال إلى مرحلة لا يعتبر فيها الجزائريّ العناية بالسّائح إخلالًا بعزّة نفسه.    

  

اقرأ/ي أيضًا: 

ترغب في زيارة المغرب.. إليك أهم الأماكن الساحرة!

السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل