29-ديسمبر-2020

متظاهرون في هايتي (Palm Beach Post)

من المستوعب أن يستسلم الشعب لوجود طغاة وأباطرة قاسيين يفرضون سلطتهم عليه أو يهددون حياته، لكن لماذا في كثير من الأوقات يبدو أن الشعب متحمس لهم، بالرغم من كونه يهان في كل حركة؟

منذ ما يقرب من نصف ألف عام، طرح شاب فرنسي على نفسه هذا التساؤل. كان إتين دي لابويسيه‏ (1530 – 1563 م) ولدًا لعائلة أرستقراطية في بيريغور الفرنسية، والده مسؤول في بلاط الملك، بينما والدته هي أخت رئيس برلمان بوردو.

إن جماهير الطاغية لا يمكن أبدًا أن يكون لديهم أي ضمان تجاهه، ذلك أنهم أنفسهم قد أظهروا له أنه قادر على فعل كل شيء

لاحقًا، أفضى الحال بإتين إلى أن يصبح قاضيًا. لكن في وقت سابق، وأثناء دراسته للقانون، أورد على نفسه استفهام حول الدوافع التي تجعل الشعب قابلًا للانصياع، والانجرار إراديًا إلى أخذ وضعية المُهان أمام الحاكم. وعليه، كتب إتين أوراق مقتضبة، ضمن دائرة علم النفس السياسي، أطلق عليها اسم "العبودية المختارة" (Discours d la servitude volontaire).

اقرأ/ي أيضًا: صدام حسين.. الدكتاتور الذي يأبى الموت

فارق إتين الحياة دون نشر أوراقه، لكن في وقت سابق، كان قد أطلع عليها صديقه مونتاني، وبوساطة الأخير قامت دار نشر "الكتبة البروتستانت" بإصدارها في كتاب تحت عنوان أكثر إيجازًا "العبودية الطوعية".

بحسب لابويسيه، فإن جماهير الطاغية لا يمكن أبدًا أن يكون لديهم أي ضمان تجاهه، ذلك أنهم أنفسهم قد أظهروا له أنه قادر على فعل كل شيء، وأنه لا يوجد حق أو واجب يلزمه، كذلك لا يوجد أحد على قدم المساواة معه، فهو سيد الكل.

"هؤلاء البؤساء يرون كنوز الطاغية تتلألأ، يثرثرون في روعته، وينجذبون بهذا التألق، يقتربون دون أن يدركوا أنهم يسقطون في نار لا يمكن أن تتوقف عن التهامهم".

أولئك المقربون من الطاغية، الذين يتملقونه ويتوسلون له، ليس عليهم فقط أن يفعلوا ما يقوله، بل عليهم أيضًا التفكير فيما يريد، وفي كثير من الأحيان، عليهم حتى أن يخمنوا أفكاره، ذلك لمجرد "إرضائه".

ضمن إطار آخر، لا يبدو أن كتاب "العبودية الطوعية" يتحدث ضمن مجال السياسة فقط، فهو أيضًا يناقش دعوى التفكير العُبودي الذي ينشأ في المجال الشعبي.

يقول بويتي: "إن الطاعة في بعض الأحيان أمر لا مفر منه، هناك احتياجات لا يمكن تلبيتها إلا إذا افترضنا التسلسل الهرمي وفعلنا ما يمليه علينا الحاكم، فقد أصبحت أفكاره شكلًا من أشكال القانون.

أي معاناة، أي هاجس هذا؟ أن تكون مشغولاً ليلًا ونهارًا بالتفكير في كيفية إرضاء رجل واحد، ومع ذلك تخافه أكثر من أي شخص في العالم. يُلخص إتين ما سبق بعبارة حذقة تعبر عن شيء يُشاهَد ليس فقط في الأحزاب السياسية ولكن أيضًا في المكاتب وحتى في غرف النوم: "دائمًا بوجه مبتسم وقلب متجمد، غير قادر على أن يكون سعيدًا ولا يجرؤ على الحزن".

"العبودية الطوعية" دليل يجب أن يظل دائمًا على مقربة منك كي تتذكر أنه عليك الحذر من الطغاة، أولئك الذين يعملون في السياسة ومن هم في حياتهم الخاصة

"العبودية الطوعية" لها تاريخ معقد. كتبه مؤلفه في أيام دراسته وتوفي صغيرًا عن عمر يناهز 32 عامًا، تاركًا مؤلفاته في عهدة صديقه ميشيل دي مونتين الذي أدرك على الفور قيمة ما كتبه رفيقه، إلا إنه في البداية قد ألغى فكرة النشر كي لا يُساء فهمه سياسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الكتب التي يعشقها الدكتاتور

في وقت لاحق، أثناء الثورة الفرنسية، تم استخدامه كمنشور ضد النظام الملكي، وأيضًا أثناء الانتفاضات السياسية الفرنسية في القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى ذلك، تم استخدامه من قبل الأناركيين والمقاومين، مثل سيمون ويل، ذلك ضد الشمولية في القرن العشرين.

"العبودية الطوعية" دليل يجب أن يظل دائمًا على مقربة منك كي تتذكر أنه عليك الحذر من الطغاة، أولئك الذين يعملون في السياسة ومن هم في حياتهم الخاصة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدكتاتور العربي في دراما وليد سيف

دليل المبتدئين في صناعة الدكتاتور