لماذا نشتري دمية اللابوبو؟

منذ أشهر، تضع وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق "تيك توك"، المستخدمين أمام مشهد متكرر كلما رفعوا الشاشة إلى الأعلى، طوابير طويلة وممتدة في محلات ألعاب الأطفال تذكرنا بتلك التي كنا نراها بالمخابز والمجمعات التجارية خلال فترة الكورونا. 

لا ينتظر الناس في هذه الفيديوهات المصورة في لندن، كما في عديد البلدان الغربية والعربية ساعات طويلة للتزود بمادة أولية أو لاقتناء طفرة تقنية تقسم التاريخ إلى ما قبلها وما بعدها، بل لتحصيل دمى اللابوبو الصغيرة ذات الأسنان المدببة والأذنين الطويلتين والمظهر غير المألوف.  

يرجع تفشي الهستيريا حول هذه اللعبة إلى ظهورها في البداية معلقة على الحقائب الفاخرة لبعض الفنانين والمؤثرين، لتتحول بعدها إلى هدف يسعى الكل إلى حوزته وتجميع كل أصنافه ونشرمقاطع عنها على "تيك توك"، حيث استخدم وسم لابوبو #Labubu حتى تاريخ اليوم، الثاني من حزيران/يونيو الجاري. وبلغت المقاطع المنشورة نحو 1,5 مليون مقطع، وتراوحت بين فتح لعلب اللابوبو (Unboxing)، وبين توصيات ونصائح حول المحلات التي قد تبيعها بأرخص سعر ممكن أو قد توفر الأصناف النادرة منها. فلماذا يشتري الناس اللابوبو؟

 تستند استراتيجية بيع اللابوبو على آليات اشتغال الدماغ البشري ومحفزات الدوبامين، فلا يعرف مقتني الدمية أي صنف سيكون من نصيبه، وهذا بالتحديد ما يجعل الوقوف في طابور طويل ودفع عشرات الدولارات هينًا أمام متعة كشف ما تخفيه العلبة. إضافة إلى ذلك، قامت الشركة بتسويق أصناف نادرة ومحدودة من الدمية، نسبة توفرها 1 من كل 72 قطعة، وهو ما يرفع من التحفيز ويزيد من التلاعب بمشاعر المفاجأة والإحباط. توازي على ذلك، تجربة فتح علب اللابوبو، تجربة ألعاب القمار والمشاعر المختبرة خلالها، فلا يكتفي الناس باقتناء دمية واحدة، بل يصبح الهدف الرئيسي هو الحصول على النسخة النادرة.

يمكن أن يرجع البعض، هذا الهوس الجماعي بلعبة البعض سنتيمترات إلى استغلال شركة التسويق لمشاعر حنين البالغين إلى طفولة في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتفاقم فيه الحيرة والإحساس بعدم الأمان، فإن ما يجعل دمية اللابوبو بالخصوص ظاهرة متفشية، هو تحولها من مجرد لعبة، يمكن بالفعل أن تكون تمظهرًا لسلعنة الحنين، إلى طقس اجتماعي، يمارس فيه الترفيه بطريقة جماعية عبر شاشات الهواتف وتطبيق "تيك توك". 

ليس الهدف في هذه الحالة هو حيازة اللابوبو فقط، بل المشاركة في هذه التجربة الجماعية والشعور بالانتماء إلى المجموعة، بل أكثر من ذلك الشعور بالقرب من المؤثرين والمشاهير لامتلاك نفس القطعة وبذلك الشعور بعلو المكانة الاجتماعية. 

تحيل هذه الرغبة إلى القرب من المشاهير والمؤثرين أيضا إلى رغبة في استعراض الثراء والانتماء إلى طبقة الميسورين، فصحيح أن الدمية متاحة للجميع بسعر قد يكون في المتناول، لكن تكمن الحيلة مرة أخرى في ندرة بعض الأصناف، وذلك ما يحولها إلى بضاعة ثمينة تباع في السوق السوداء، وتترجم ترفًا طبقيًا صعب المنال. 

ليست اللابوبو إذًا كائنات صغيرة تعيد أصحابها إلى عصر البراءة الذهبي فقط، بل هي كذلك تمظهر لاستثمار شركات التسويق في رغبات ومشاعر بشرية دفينة يخبرنا اكتساحها العالمي الكثير عن محفزات الاستهلاك وعن قدرة فقعات تأثير الخوارزميات في صناعة الظواهر وانتشارها.