20-أكتوبر-2022
من مسلسل جيفري دامر

من مسلسل جيفري دامر

بعد مشاهدتي للمسلسل البديع حول القاتل الأمريكي المتسلسل "جيفري دامر" داهمتني الهواجس حول غياب هذا النوع من الشخصيات الفظيعة في مجتمعاتنا العربية، ومن فنوننا (السينمائية والتلفزيونية والروائية) بطبيعة الحال.

ومن العجيب أن الإلحاح في تذكّر قتلة متسلسلين عرفتهم ذاكرتنا الثقافية لا يقود إلى أبعد من اسمَي ريا وسكينة، اللتين صارتا شهيرتين بسبب مسرحية كوميدية تناولت سيرتهما، وحتى لو سألنا محركات البحث على الإنترنت عن وحوش من هذه النوعية فلن تزيد القائمة على أصابع اليد الواحدة.

من العجيب أن الإلحاح في تذكّر قتلة متسلسلين عرفتهم ذاكرتنا الثقافية لا يقود إلى أبعد من اسمَي ريا وسكينة، اللتين صارتا شهيرتين بسبب مسرحية كوميدية تناولت سيرتهما

لدينا حصتنا الوافرة من الجرائم والدم والأشلاء. ولدينا لصوص ومحتالون باتوا من المشاهير، بالإضافة إلى عدد هائل من الفاسدين الكبار الذي يمارسون أعمالهم القذرة علانيةً، ناهيك عن قائمة طويلة من مرتكبي المجازر لأسباب طائفية، ومن الأحزاب التي تستثمر في القتلة المأجورين. الأكثر من ذلك أنه لدينا تاريخ من المختلين الذين وصلوا إلى السلطة وامتلكوا القدرة على الفتك بالبشر والحجر ولم يقصّروا.

على الرغم من الثروات السابقة ليس لدينا قتلة متسلسلون بالكمّ والنوع الذي عرفته ولا تزال الولايات المتحدة، مثلًا، ربما لأن القاتل المتسلسل نوع من المجرمين ملازم للمجتمع الفرديّ، حيث تتيح مساحات الخصوصية الاجتماعية المجال للمجرمين كي يرتكبوا جرائمهم براحة كبيرة، بينما الأمر ذاته مستحيل في عالمنا الذي تنعدم فيه الخصوصية، وسيكون اكتشاف المجرم محسومًا، لا بسبب براعة الشرطة، أو قلة مواهب المجرم، بل بسبب غياب الحدود كليًّا بين الناس، خصوصًا في العائلة الواحدة، فأين يمكن لسفّاح من هؤلاء أن يستدرج الضحية لكي يقطعها أربًا، ويلتهم قلبها، أو كبدها، كما فعل جيفري دامر؟ وكيف يمكن لمجرم أن يسير في الشوارع ومعه كيس من البلاستيك يحتوي على رأس مقطوع مثلما فعل إد كيمبر، من دون أن يعثر على عشرة فضوليين، على أقل تقدير، يسألونه ما الذي تحمله داخل الكيس؟ هذا إن لم نقل إنهم سيظلون يراقبونه حتى يعرفوا المحتوى؟ وكيف يتاح له أن يدفن الضحايا في فناء بيته مثل جون واين جسي دون أن يفتضح أمره منذ المحاولة الأولى؟

من الجائز أنّ جيفري دامر نفسه لو ظهر في مدينة الصدر في بغداد، أو في إحدى عشوائيات القاهرة، لما استطاع أن يستمتع بالتهام اول كبد، لأنّ رادارات الجيران سترصد كل حركة من حركاته، وسيكون بوسع الكثير من ضحاياه النجاة، لكنّ المفارقة الكبرى تبقى في أننا لا ننتج مجرمين متسلسلين، بل دكتاتوريين قادرين على الإطاحة بالضحية والمجرم والعائلة، وحتى بالفضول.