28-أبريل-2021

المحاكمة لا تكفي في ظل غياب عملية إصلاح شاملة (Getty)

على الرغم من إدانه هيئة المحلفين في ولاية مينيسوتا الشرطي السابق ديريك شوفين بثلاث تهم مختلفة تصب في خانة القتل العمد، بعدما حمّلته تحقيقات الادعاء العام مسؤولية وفاة الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، الذي قضى نتيجة لممارسة العنف أثناء اعتقاله من قبل ثلاثة رجال شرطة في مدينة مينيابوليس في أيار/مايو الماضي، فإن غالبية التقارير التي استندت إلى آراء المحللين وخبراء القانون شككت بجدوى المحاكمة التي وصفت بـ"التاريخية"، طالما أنها لا تستهدف إصلاح النظام القضائي القائم في الولايات المتحدة. 

 غالبية التقارير التي استندت إلى آراء المحللين وخبراء القانون شككت بجدوى محاكمة قتلة فلويد التي وصفت بـ"التاريخية"، طالما أنها لا تستهدف إصلاح النظام القضائي

الرئيس الأمريكي.. تحقق جزء من العدالة الآن!

قبل أسبوع تقريبًا، أدانت هيئة المحلفين في مينيسوتا شوفين بثلاث تهم منسوبة إليه هي: القتل العمد من الدرجة الثانية والقتل من الدرجة الثالثة والقتل غير العمد، مما يجعله يواجه أحكامًا بالسجن تزيد عن 40 عامًا، وبحسب ما أشارت عديد التقارير الغربية فإن جلسة المحاكمة لم تستغرق سوى 10 ساعات، وذلك بعدما خلصت لإدانته بجميع التهم المنسوبة إليه.

وكان فلويد قد فارق الحياة بعد وقت قصير من اعتقاله يوم 25 أيار/مايو من العام 2020، وقال التقرير الطبي إن فلويد قضى متأثرًا بتوقف الدورة الدموية في دماغه الناجمة عن استخدام أفراد الشرطة للعنف المفرط أثناء اعتقاله، حيثُ ظهر في عديد مقاطع الفيديو التي جرى تداولها منصات التواصل الاجتماعي شوفين جاثيًا على فلويد بينما كان يضغط بركبته بقوة على عنق فلويد الأمر الذي تسبّب في وفاته لاحقًا.

ووصف بن كرامب، محامي عائلة فلويد، قرار الإدانة بأنه "نقطة تحوّل في التاريخ" بالنسبة للولايات المتحدة، وتابع مضيفًا أن القرار "رسالة واضحة حول الحاجة إلى مساءلة أجهزة إنفاذ القانون"، فيما اتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن بعائلة جورج فلويد عقب صدور الحكم، حيثُ علّق الرئيس الديمقراطي على قرار هيئة المحلفين بالقول: "على الأقل، هناك بعض من العدالة الآن"، مضيفًا بأن محاكمة شوفين "ستكون الفرصة الأولى للتعامل مع العنصرية الممنهجة والمنظمة".

ووفقًا لعديد وسائل الإعلام الأمريكية فإن التوقعات تتحدث عن استئناف شوفين للحكم، ويستند فريق الدفاع عن شوفين إلى مجموعة من القضايا التي يمكنها أن تدفع ببراءة الشرطي السابق، بما فيها التغطية الواسعة التي رافقت القضية، والتي يرى بأنها ساهمت بالتأثير على هيئة المحلفين، بالإضافة لتصريحات عضوة الكونغرس الديمقراطية ماكسين واترز التي طالبت المتظاهرين الذين احتشدوا أمام قاعة المحكمة بانتظار صدور القرار، بأن يبقوا في الشارع من أجل "المزيد من المواجهة" في حال تبرئة شوفين.

انتصار واحد في معركة طويلة من أجل العدالة

مثّلت تفاصيل حادثة وفاة فلويد صدمةً على مستوى العالم قبل الولايات المتحدة، فقد أظهرت التحقيقات أن أحد أصحاب المتاجر اتصل بالشرطة من أجل الإبلاغ عن محاولة فلويد استخدام فاتورة مزورة بقيمة 20 دولار أمريكي، لكن الصدمة الأكبر التي أثارت مشاعر الاحتقان اتجاه تصرفات الشرطة العنصرية على المستوى العالمي، تجاهل شوفين استغاثة فلويد الذي كان يردد: "لا أستطيع التنفس"، وهو ما أدى إلى أكبر احتجاجات للحقوق المدنية في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

تشير مجلة ذا أتلانتك الأمريكية في تقرير لها إلى أنه على الرغم من أن قضية فلويد كانت الأحدث ضمن الأشخاص الذين يقضون على أيدي الشرطة أثناء اعتقالهم، فإنها كذلك شكّلت استثناءً نظرًا لتوثيق المارة للحادثة عبر مقاطع الفيديو المصوّرة بهواتفهم المحمولة، حيثُ أن المقاطع الموثقة للحادثة لم تقتصر إدانتها فقط من قبل المتظاهرين والأناس العاديين، بل امتدت الانتقادات لتشمل ضباط وكالات إنفاذ القانون على مستوى الولايات المتحدة.

كما أشار تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية إلى أن المحاكمة جاءت في وقت تكافح فيه الولايات المتحدة لاحتواء فيروس كورونا الجديد، إضافة للاحتجاجات ضد العنصرية التي خرجت في عموم الولايات المتحدة، ولاحقًا أحداث اقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما دفع الإدارة الديمقراطية للشعور بالارتياح بعد صدور قرار الإدانة.

وتستدرك بوليتيكو في تقريرها مشيرةً إلى أنه حتى مع صدور إدانة شوفين بالتهم المنسوبة إليه، فإن إدانة قضية واحدة من بين عشرات القضايا لا تعني أن هناك تغييرًا في نظام القضاء الأمريكي، مشيرةً إلى أن قرار الإدانة يعتبر انتصارًا واحدًا في معركة طويلة من أجل العدالة الاجتماعية المتساوية، في ظل المخاوف من أن تكون إدانة شوفين مثال على أن النظام القضائي يعمل بشكل جيد، لذا فإنه  لا يحتاج إلى إصلاح شامل.

هل غيّرت حادثة فلويد من عنصرية الشرطة؟

يمكن القول إن محاكمة شوفين تعتبر واحدة من المحاكمات النادرة التي حظيت بهذا القدر من تغطية وسائل الإعلام على مستوى العالم، ويمكن القول أيضًا إن قضية فلويد بشكل عام تحوّلت إلى قضية عالمية، وهو ما كان واضحًا من الاحتجاجات التي جابت المدن والعواصم العالمية ردًا على عنصرية الشرطة الوحشية اتجاه الأشخاص الملونين أو من أصول أفريقية، لكن السؤال هل غيّرت حادثة فلويد من تعامل أفراد الشرطة البيض مع الأشخاص الملونين؟

تبدو الإجابة بسيطة على هذا السؤال في هذين المثالين السريعين على سبيل المثال لا الحصر، قبل أقل من 10 أيام على بدء محاكمة شوفين، وتحديدًا في يوم الـ11 من نيسان/أبريل الجاري، أصدرت شرطة مينيابوليس قرارًا بإيقاف واحتجاز الشرطية كيم بوتر عن عملها، وذلك بعدما أطلقت النار على الأمريكي من أصل أفريقي داونت رايت (20 عامًا) من مسافة قريبة في إحدى محطات المرور في ضواحي مينيابوليس.

لكن القضية الأحدث، سجلت قبل أقل من نصف ساعة من موعد انعقاد جلسة محاكمة شوفين، بعدما أقدم شرطي على قتل الفتاة ماكيا براينت (16 عامًا) في مقاطعة فرانكلين في مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو، وذلك بعدما وصلت الشرطة لفض شجار بين براينت وفتاة أخرى وسط حشد صغير من الناس، وكانت براينت تهاجم الفتاة الأخرى بشيء "على ما يبدو" أنه سكين عندما سمع دوي إطلاق نار، قبل أن تسقط الفتاة المراهقة قتيلة.

وفيما ينظر إلى محاكمة شوفين على أنها واحدة من المحاكمات النادرة في تاريخ الولايات المتحدة، وهي أيضًا من القضايا النادرة التي يوجه فيها تهمًا لأفراد وكالات إنفاذ القانون، حيثُ إن قرار الإدانة جاء في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة ذروة الاستقطاب السياسي، فإن الإحصائيات تتحدث عن مقتل تسعة آلاف شخص على يد أفراد الشرطة على مستوى الولايات المتحدة منذ عام 2013، غالبيتهم من الأمريكيين من أصول أفريقية.

 خبراء: المساءلة يجب أن تكون للنظام القضائي  

في مقال تحليلي نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يرى الباحث في مجال حقوق الإنسان Kelebogile Zvobgo بأن النظام القضائي القائم الذي تسبّب بمقتل فلويد، لم يساهم بمنع مقتل العديد من الأشخاص الذين سقطوا بسبب عنصرية الشرطة بعد وفاته، ويوضح حديثه في هذا الشأن مضيفًا بأن على العدالة الانتقالية في حال أُريد تحقيقها أن تتضمن إجراءات المساءلة القضائية وغير القضائية.

ويضيف المقال بأن إجراءات العدالة الانتقالية في حال أُقرت يجب أن تتضمن: تشكيل لجان تقصي الحقائق، ولجان أخرى مرتبطة بمنح التعويضات لعوائل الضحايا، والعمل على إصلاح المؤسسات الرسمية، ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن تقديم الحماية لضحايا العنصرية مستقبلًا، لافتًا إلى أن تشكيل لجان تقصي الحقائق بشأن الانتهاكات العنصرية، خطوة طال انتظارها في الولايات المتحدة. 

من جهته يرى أستاذ القانون في جامعة فوردهام النيويوركية جون بفاف أنه على الرغم من وجوب مساءلة شوفين على مقتل فلويد، فإن المساءلة يجب أن تمتد للنظام القضائي القائم في الولايات المتحدة، مضيفًا بأنه لا يمكن لقرار إدانة فلويد إيصالنا للعدالة، لأن العدالة من وجهة نظره تتطلب منهجية أكبر، وأمور أكثر جذرية من أجل تحقيقها.

 رغم تنفيذ إجراءات مساءلة شوفين جزئيًا، والذي يعتبره أمرًا مهمًا، إلا أن الادعاء بأنها أكثر من مساءلة سيكون بمثابة تعريض حياة المزيد من الأمريكيين من أصول أفريقية لخطر القتل

إذ يوضح بفاف حديثه في هذا الشأن لافتًا إلى أنه رغم تنفيذ إجراءات مساءلة شوفين جزئيًا، والذي يعتبره أمرًا مهمًا، إلا أن الادعاء بأنها أكثر من مساءلة سيكون بمثابة تعريض حياة المزيد من الأمريكيين من أصول أفريقية لخطر القتل بشكل دائم، ويمضي في القول مضيفًا بعدم معرفة من هم أولئلك الأشخاص الذين سيقتلون على يد الشرطة، لكن التعامل مع قضية إدانة شوفين على أنه انتصار كبير سيكون سببًا بتعريض حياتهم للخطر.