13-أكتوبر-2017

يصعب أن تدعم منتخبًا يقول مديره إنه يلعب من أجل الرئيس والجيش (أنور عمرو/أ.ف.ب)

ليس بالضرورة أن تكون محبًا لكرة القدم، ولكن غالبًا إذا ما فتحت التلفاز ووجدت مباراة، فعلى الأرجح ستفضّل فوز فريق أو منتخب على الآخر، بغض النظر عن تعدّد دوافع هذا التفضيل. وعلى الأغلب أنك تدعم منتخبًا عربيًا للترشّح للمونديال، الحدث الكروي الأضخم في العالم، ولكن الحالة تبدو مختلفة مع المنتخب السّوري الذي كان قاب قوسين من الترشّح حتى الجولة الأخيرة في مرحلة المجموعات وكذلك حتى الدقيقة الأخيرة في مباراة الملحق الأسيوي.

سوريا في حالة فرز مستمرّة، إما أن تضع قدمًا هنا، أو قدمًا هناك، ولهذا كان تفضيل الهزيمة الكروية وكأنها هزيمة للنظام

لا يتعلّق الأمر بتشكّل موقف بعد حسابات الربح والخسارة من منظور استفادة النظام الأسدي، بل بوجود انطباع شعوري يجعلك تتمنّى انتصار المنتخب وهزيمته في نفس الوقت، ويجعل حالة تحفّظ صارمة تفرض نفسها على الموقف، يغلب عليها في النهاية تفضيل الهزيمة الكروية، وكأنها هزيمة للنظام، هكذا الصّورة.

كان يأمل العديد أن يبني المنتخب السوري ملحمة نصر على أعتاب المأساة والانقسامات، كما فعل المنتخب العراقي حينما فاز بكأس آسيا لأوّل مرة في تاريخه سنة 2007 في خضمّ الحرب الأهلية، فجمع المنتخب بحقّ الشعب العراقي بمختلف طوائفه وأحزابه. ولكن لم يكن المنتخب السوري على نفس الحال، لاختلاف السّياق، ولتباين اللحظة التاريخية.

اقرأ/ي أيضًا: دكتاتور كوريا الشمالية.. في كرة القدم أيضًا

سوريا في حالة فرز مستمرّة، إما أن تضع قدمًا هنا، أو قدمًا هناك، ولا يمكن لك أن تضع قدميك على الضفتين في نفس المكان، وهذا هو حال المنتخب السوري. إما علم النظام وإما علم الثورة، هناك خيار منذ 2011، ربما يتجاوز الأمر اللاعبين البسطاء، ولكن الثنائية بيّنة. إذ يصعب أن تشجع منتخبا يلعب تحت لواء علم النظام. من هذا المنطق، فالمسألة بسيطة، فحينما ترى علم النظام البعثي لا ترى إلا الإرهاب والدّم والأطفال تحت الأنقاض وقوارب موت هاربين من بطش نظام يقتل شعبه. وهو النظام الذي استخدم ملاعب لكرة القدم في دمشق وحلب وحماة وغيرها كقواعد ومنشآت لاعتقال المواطنين الأحرار وتعذيبهم.

لم يستطع المنتخب أن يكون حقًا لكل السوريين، خاصة وقد ظهر طيلة الأسابيع الأخيرة كجهاز ضمن بقية الأجهزة النظامية لبقايا دولة أضعف من فيها رئيسها. حيث بان كآلة دعائية لنظام يستغلّ كل شيء من أجل الترويج لبطولات وهمية. تجنّدت قنوات النظام وغلبت صور الأسد في الملاعب، ودخلت أسماء الأسد على الخطّ.

يريد النظام وهو يستعدّ لدخول مفاوضات التّسوية، بعد أن استطاع دحر البلاد بسوخوي الرّوس ورجال الحرس الثوري ومليشيات جاءت من كل حدب وصوب، أن يروّج لانتصار رمزي أمام العالم كي يقول بأن سوريا باقية، وهي سوريا الأسدية القاتلة التي لا تحكم إلا بالرصاص والبراميل المتفجرة.

اقرأ/ي أيضًا:  كرة القدم مقاومة أيضًا

بان المنتخب السوري لكرة القدم كآلة دعائية لنظام يستغلّ كل شيء من أجل الترويج لبطولات وهمية

يصعب كذلك للأمانة أن تدعم منتخبًا يقول مديره إنه يلعب "من أجل الرئيس والجيش"، أو أن يشكر نجمه عمر سومة الأسد من أجل "دعمه للوطن والمواطن". لم يحاول لاعبو المنتخب السوري الظهور في دور الحياد، على الأقل الحياد الصّوري، بل ظهروا على خلاف ذلك. ربّما لم يكن لهم أن يرفضوا تعليمات وتوجيهات الشبيحة الكبار، ولكن اللاعبون أصلاً لم ينحازوا زمن الفرز المستمرّ للشعب المكلوم. هي مطبّات عديدة تحول دون تشجيعك لمنتخب يلعب باسم سوريا، ولكنه يبين لك كفصيل أسدي في نهاية المطاف.

لم يجمع المستطيل الأخضر السوريين، كما لم تجمع بعد طاولة واحدة المفاوضات بين المعارضة والنظام. فالمأساة السّورية هي قصة بائسة حزينة لا يمكن أن يباغتها حلم كروي هزيل ليلعب دور الجامع للمشتّتين والأمل للمحبطين. هي مأساة عظيمة تحتاج احترامًا لها أن نكفّ عن سفاسف الأمور. ليس منتخب كرة قدم بقادر أن يوحّد السّوريين الذين لا يوحّدهم حقيقة اليوم إلا أنهم وُلدوا على أرض واحدة يحملون اسمها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كرة القدم.. دين ثانٍ في الشرق الأوسط

عندما توحد كرة القدم الشعب الموريتاني