21-يناير-2018

النقابات في سوريا مغيبة بشكل تام بفعل سنوات من تدجين النظام لها (فيسبوك)

تختلف تجربة الحركة النقابية في سوريا عن غيرها من تجارب الحركات النقابية العربية التي شاركت في احتجاجات الربيع العربي قبل سبعة أعوام، فقد اختار اتحاد نقابات العمال الصمت على حساب المشاركة في الاحتجاجات السلمية، التي كانت تدعو في بداياتها لإصلاح النظام السوري، والحصول على المزيد من الحريات، وتحسين الحياة الاقتصادية للطبقة المتوسطة التي كان وضعها الاقتصادي في انزلاق لمرحلة الفقر.

الحركة النقابية في سوريا ليست كمثيلاتها في دول الربيع العربي، فالنقابات في سوريا مغيبة بشكل تام، فضلًا عن كونها مُدجنة بالطبع

وعند العودة للفترة التي سبقت بدايات الاحتجاجات السلمية في آذار/مارس 2011، وقبلها بأكثر من 15 عامًا، كان دور النقابات السورية بشكل العام مغيبًا تمامًا، بسبب تبعيتها المباشرة للمؤسسات الرسمية التي يشرف عليها النظام السوري، حيثُ من أصل 5,5 مليون عامل في نفس العام، كان يعمل مليون و360 ألف في المؤسسات الرسمية. ووفق المكتب المركزي للإحصاء وصل مستوى البطالة خلال عام 2010 إلى 8.1% من تعداد السن المحدد قانونيًا للعمل، إضافة لأن نسبة معدل نمو الفقر وصلت في العام ذاته إلى 28%، وهي نسبٌ مرتبطة بسياسات الخصخصة، والتركيز على الاندماج في عمليات تحرير السوق.

اقرأ/ي أيضًا: 20 معلومة لا بد من معرفتها عن سوريا

وخلال البحث، لم نجد مرجعًا معتمدًا يوثق عدد المنتسيبن للنقابات العمالية في سوريا قبل عام 2011، حيثُ كانت من ضمن التوجهات الاقتصادية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، خصخصة مجموعة من المؤسسات الصناعية التابعة للمؤسسات الرسمية، والتي كان عمالها من المنتسبين للنقابات العمالية حسب فئاتها المحددة.

وعلى عكس بدايات الحراك النقابي الذي يرجع لعشرينات القرن الماضي، وفق ما يذكر المؤرخ عبد الله حنا في كتابه "الأحزاب السياسية في سوريا القرن العشرين"، والذي تخلله عمليات قمع تعرض لها إبان الوحدة السورية المصرية (1959 – 1961)، فإن الحراك النقابي في سوريا حتى ما قبل اندلاع الاحتجاجات السلمية، لم نجد له كتابًا يؤرخ بشكل واضح لمسار الحركة، وما عانته من تقلبات، لذلك كان لنا التوجه للمفكر والكاتب سلامة كيلة، بثلاثة أسئلة تلخص مسار العمل النقابي في سوريا، والأسباب التي دفعت النقابات لعدم الانخراط في الاحتجاجات السلمية منذ بدايتها.

1. هل تقدم لنا لمحة سريعة عن تاريخ النقابات السورية منذ استلام حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة؟ وكيف حولها لأداة تعمل وفق أيديولوجيته السلطوية؟

تشكلت الاتحادات والنقابات قبل استلام حزب البعث للسلطة، وكان لأعضائه كما للشيوعيين، دور كبير في تأسيسها، وحين استلم السلطة كان ينطلق من السيطرة الشاملة على المجتمع، وهو في هذا المجال كان "يقلد" التجارب الاشتراكية، لهذا عمل لأن يُخضع النقابات والاتحادات لسيطرته، وأن يؤسس هيئات ومؤسسات تُؤطر المجتمع تحت هيمنته، مثل اتحاد شبيبة الثورة وغيرها

طبعًا كان يُفهم أن ذلك ضرورة لتحقيق الاشتراكية التي كان يطرحها، لكن في الجوهر كان الأمر يتعلق بميل البرجوازية الصغيرة الريفية (التي هي سمة الفئة التي سيطرت على السلطة بعد سنة 1970) للتحكم بالثروة، وتكريس السيطرة البطريركية (التي هي نتاج وعي ريفي قروسطي). بالتالي عمل النظام على التحكم بكل الاتحادات والنقابات، وإخضاعها لسياسة السلطة، وفرض قادتها وتحديد دورها في هذا السياق.

لكن لا بد أن نلاحظ أن الأمر لم يكن قهريًا بمعنى ما، خصوصًا فيما يتعلق بنقابات العمال والفلاحين والكتاب والصحفيين، حيث أدى التغيير الذي قام به الحزب إلى كسب فئات شعبية، فقد كسب الفلاحين بعد تحقيق الإصلاح الزراعي، وكسب العمال بعد أن ضمن شروط عمل وأجور وضمان اجتماعي كامل لهم، وبهذا كانت هاتان الطبقتان في صف النظام، ومن ثم كان طبيعيًا أن يسيطر عليهما.

الشيء نفسه كان فيما يتعلق بالصحفيين والكتاب، بعد أن باتت الصحافة خاضعة للدولة، وارتبط العمل فيها بقبول السلطة. بهذا كانت السلطة تضمن لذاتها قاعدة اجتماعية واسعة.

انطلقت السلطة في سوريا مما اعتبرته ضرورة السيطرة الشاملة على المجتمع، وقد شملت هذه السيطرة، النقابات

أما ما شذّ عن ذلك فهي البرجوازية الصغيرة المدينية، حيث ظلت النقابات المهنية مستقلة إلى سنة 1980، حين تم حلها وفرض قانون جديد سمح بسيطرة السلطة عليها، ولقد جرى اعتقال معظم قادتها في تلك السنة بعد تصاعد حركة الاحتجاج الاجتماعي ضد السلطة، والتي تم كسرها بتدخل مسلح من تنظيم الطليعة المقاتلة وجماعة الإخوان المسلمين، حيث سمح ذلك للسلطة أن تسحق المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: سلامة كيلة.. هكذا هي "التراجيديا السورية"

بالتالي يمكن القول بأن السلطة التي كانت تعتبر نفسها تطبق الاشتراكية، انطلقت من ضرورة السيطرة الشاملة على المجتمع، وفرض أيديولوجيتها عليه. ولقد ساعدها على ذلك أنها حققت مطالب طبقات اجتماعية كما أشرت للتو. لكن في الواقع كان هذا الشكل الدكتاتوري الشمولي هو الضرورة "اللاواعية" لبرجوازية صغيرة ريفية لا تستطيع أن تحكم إلا بتسلط بطريركي، خصوصًا أنها أتت من الجيش كذلك،، وتريد أن تتملك الثروة المجتمعية، لأنها تسعى لتحقيق الارتقاء الطبقي.

2. لماذا لم تنخرط النقابات في سوريا في الاحتجاجات الشعبية منذ بدايتها، والتزمت الصمت حتى الآن رغم كل هذا العنف الممارس من النظام السوري؟

الجواب بسيط، فقد ظلّت السلطة تهيمن على الاتحادات والنقابات، وبالتالي لم تكن تسمح لأعضائها وهيئاتها بطرح مطالبهم علنًا أصلًا، ومن ثم كان من الطبيعي أن تكون مع السلطة ضد الشعب، الذي ينتمي جزء كبير منه إلى هذه الاتحادات والنقابات.

ما كان مسموح به في نقابات العمال، هو أن يطرح الأعضاء مطالبهم، وأن يعبروا بشكل ما عن نقدهم للسياسات الاقتصادية، ومن ثم يعاد انتخاب الهيئات التي تحدد أعضاءها السلطة ذاتها. بالطبع لا بد من أن أشير إلى أن السيطرة على هذه النقابات والاتحادات كان يتم من خلال الإشراف الأمني عليها، وأن أجهزة الأمن هي التي تحدد أعضاء الهيئات التي تقود هذه النقابات والاتحادات.

لقد جرت محاولات في بعض الاتحادات المهنية كالمحامين والمهندسين، المشاركة في الثورة، لكنها لم تفضي إلى نتيجة، بسبب الهيمنة الأمنية عليها.

لكن، لا بد من الإشارة إلى أن مسار الثورة لم يساعد كذلك على أن تنخرط هذه الاتحادات والنقابات في الثورة، حيث كان طابعها العفوي وقدرة السلطة لجرّها إلى مسار "عشوائي" ومن ثم عسكري، مع أدوار بعض أطراف المعارضة في تسليحها بشكل خاطئ، كلها عناصر لم تفسح المجال للعناصر الرافضة للنظام في هذه النقابات، وهي كثيرة، أن تدفعها إلى الانخراط في الثورة. كان ذلك يحتاج إلى جهد واعٍ، لكن المعارضة لم تكن تعي ماذا تفعل، ولقد اشتغلت السلطة على إبقاء تردد الكثير من أعضائها، من خلال عملية التشويه التي قامت بها، والتي كانت تلاقي استجابة "جيدة" من المعارضة تؤكد هذا التشويه.

3. كان الحزب الشيوعي السوري بمختلف فروعه يتحدث دائمًا في وسائل إعلامه عن دور أعضائه في العمل النقابي، لماذا إذن لم يمارس دوره المطلوب بدعوتها النزول للشارع؟ وهل لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية دور في منعها من الانخراط على صعيد الأعضاء الأفراد؟

المشكلة أن الحزب الشيوعي بتعدد أطرافه كان ضد الثورة أصلًا، ومَنْ من أعضائه انخرط في الثورة، فعل ذلك بعد تركه الحزب. ولهذا كان الحزب الشيوعي في صف السلطة، وساعد على تشويه الثورة، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون أعضاؤه في النقابات في الموقف ذاته الذي يتخذه أعضاء حزب السلطة.

رغم أن الحزب الشيوعي السوري كان يحذر من ثورة قادمة، إلا أنها لما جاءت، انحاز للنظام وساعد في تشويه الثورة!

ما يجب أن يكون واضحًا هو أن الحزب بات جزءًا من بيروقراطية السلطة، وهو يدافع عنها تحت حجج "معاداة الإمبريالية"، دون التفات إلى وضع الطبقات الشعبية، رغم أن أطرافه الثلاثة كانت تتحدث في صحفها عن انهيار وضع هذه الطبقات نتيجة السياسة الليبرالية التي ييبعها السلطة، وبعضهم كان يحذر من ثورة قادمة. لكن كما كان يقول خالد بكداش القيادي الشيوعية المعروف: "إذا نظرت للوضع الداخلي في سوريا فسوف أكون في المعارضة، لكن الوطنية تجعلنا نقف مع النظام"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

في تعثّر الثورة السورية

الثورة التي في الكتب.. الثورة التي في الواقع