23-نوفمبر-2016

وودي آلن عام 2006 (ويكيبيديا)

ربما يكون لديك رأي بشأن وودي آلن.
قد يكون حتى رأيًا مركبًا. رأيي كذلك، لكنه قد لا يكون نفس رأيك. لا أستطيع الحكم ما إذا كان هو تجسيد الشيطان خارج الشاشة، لكنني أستطيع قول ذلك: إنه قد يكون أكثر المخرجين الذين نالوا مكانة لا يستحقونها من بين الذين يعملون حاليًا.

يُفتتح لآلن، البالغ من العمر الآن ثمانون عامًا، فيلمٌ جديد يوم الجمعة القادم. إنه يدعى "مجتمع المقهى Café Society"، ويقوم ببطولته كريستين ستيوارت وستيف كاريل وجيسي آيزنبرج. أشارت التقييمات القادمة من مهرجان كان الأخير أنه "أحد أفضل الأفلام". لقد رأيته مؤخرًا، وذلك صحيحٌ تقريبًا: لدى "مجتمع المقهى" طموحات، لكنها لم تتحقق سوى جزئيًا.

وودي آلن غير مبال بالأساس بنفسه أو بالآخرين، ودليل الحساسية الفنية هي التواصل مع الإنسان بكل ما فيها من سخف وحزن

لكن ظهور آلن في مهرجان كان صاحبه مقال في مجلة ذا هوليود ريبورتر من نجله، رونان فارو، أعاد إشعال الجدل الذي أحاط بمزاعم استغلال آلن الجنسي لابنته المتبناة، ديلان، والبالغة من العمر الآن 31 عامًا، عندما كانت في عمر السبع سنوات. هاجم فارو الإعلام بسبب خلقه لـ"ثقافةٍ من الإفلات من العقوبة والصمت" حول صانع الأفلام الشهير، كما طلب من الممثلين التفكير مرتين قبل الموافقة على الاشتراك في أفلام آلن وحث الصحافة على أن تسأل الأسئلة الصعبة.

اقرأ/ي أيضًا: آخر ملوك اسكتلندا: القراءة من كتالوج الاستبداد!

لقد فعلوا، نوعًا ما. رد آلن في مؤتمرٍ صحفي بالمهرجان بالاعتراف بأنه لم يقرأ مقال فارو. "أنا لا أقرأ أبدًا أي شيء"، قال آلن للمراسلين، متابعًا: "أنا لا أقرأ أبدًا ما تقولونه عني أو مراجعات أفلامي". وهو ما يعبر عن العالم محكم العزل الذي قد يكون أو لا يكون وودي آلن يعيش به. لكننا سنتكلم عن ذلك بعد لحظات.

خسر آلن الكثير من المعجبين منذ 25 عامًا عندما تم الكشف عن علاقته بابنة شريكته ميا فارو المتبناة سون-يي بيرفن. رغم ذلك وحتى مع المزاعم الأخيرة، فإن وجود فيلم لآلن في السيرة الذاتية لأي ممثل يعتبر بمثابة نجمة ذهبية. وما زال جزء كبير من جيله معتاد الذهاب إلى السينما، مواليد جيل طفرة المواليد الذين اصطحبوا رفيقاتهم إلى فيلم "آني هال Annie Hall" عام 1977 ويتسامرون بسعادة عند حضورهم "أحد أفضل الأفلام" الصادرة مؤخرًا مثل "ليلة في باريس Midnight in Paris" (2011)، يعطيه جواز مرور كأحد أعظم فناني جيلهم.

وهو، بكل صراحة، هراء. أعتقد جازمًا أنه خلال 50 عامًا سوف ينظر الجمهور إلى أغلب تلك الأفلام ويتعجبون كيف كنا نفكر بحق الجحيم.

هذا هو ما أعرفه عن حياة وودي آلن الشخصية: ليس ما يكفي كي أشعر بالثقة لأدلي برأيٍ مبني على معلومات. بقدر ما تبدو ظروف بداية علاقته ببيرفن غير مريحة بل وحتى خاطئة، فقد كان كلاهما بالغًا عندما انتشرت الفضيحة ولم يكن أي منا هناك. قد تكون ديلان فارو قد تعرضت للاستغلال الجنسي من قِبل والدها (وهو ما تصر عليه) أو لغسيل المخ من قِبل والدتها (وهو ما يدعيه شقيقها)، أو كلاهما؛ أيًا كان ما حدث لها هو أمرٌ محزن. لكنني مازلت لا أشعر بأن لدي معلومات كافية كي أقول نعم، هذا حدث. إذا كنت تشعر بغير ذلك، فقل ما ترغب به كيف تشاء.

كمستهلكٍ طوال حياتي لأفلام آلن، فإنني أقف على أرضٍ أكثر صلابة. لقد أخرج حوالي 44 فيلمًا، أربعٌ منها على الأقل، في اعتقادي، تستحق اعتبارها تحفًا فنية. "زيليج Zelig" (1983)، "هانا وأخواتها Hannah and Her Sisters" (1986)، جرائم وجنح Crimes and Misdemeanors" (1989)، و"أزواج وزوجات Husbands and Wives" (1992). "تفكيك هاري Deconstructing Harry"، وهو أكثر ما اقترب آلن من اعترافٍ شخصي، هو رائعٌ أيضًا. هناك بالطبع "آني هال" الذي كان إنجازًا، لكن قصصًا بشأن كيف ربما تم أو لم يتم إعادة تصوره بالكامل في حجرة التقطيع من قِبل المونتير رالف روزينبلم بعد عروضٍ اختبارية كارثية تعكر منشأه.

رغم ذلك، تلك ستة تحف حقيقية. هناك أفلام أخرى جيدة، بعض الأفلام المتوسطة، والكثير للغاية من الأفلام شديدة السوء (هل شاهدت "أيًا ما يصلح Whatever Works" أو "رجل غير عقلاني Irrational Man" أو "إلى روما مع الحب To Rome With Love"؟). يبدو أن آلن يخرج الأفلام ليس لأنه يشعر بالحاجة الفنية إلى ذلك وإنما كرد فعلٍ عصبي، مثل أن يكون لدى المرء ركبة لكاء.

اقرأ/ي أيضًا: محمود عبد العزيز.. في محبة الرجل الجميل

والكثير من تلك الأفلام غير سينمائية على نحوٍ مدهش. على المستوى التقني، قد يكون عمله مبتذلًا أو جيدًا للغاية -يعتمد ذلك عادةً على ما إذا كان آلن يعمل مع مصور سينمائي عظيم مثل جوردون ويليز أو فيتوريو ستورارو (والذي صوّر الفيلم الجديد)-. إنني أمنح الفضل بالكامل للمخرج على فكرة "زيليج" المثيرة، وهي فكرة جديرة ببو أو كافكا أو بروجيز، لكن الفيلم نجح بسبب مشاهد ويليز، ومونتاج سوزان مورس، والمؤثرات الخاصة.

قال وودي آلن للمراسلين، "أنا لا أقرأ أبدا ما تقولونه عني أو مراجعات أفلامي". وهو ما يعبر عن العالم محكم العزل الذي يعيش به

الأكثر ضررًا على المدى الطويل هي تلك السيناريوهات التي يتحدث فيها الجميع مثل وودي آلن عدا الشخصيات الثانية، والتي هي كارتونية. (فكر في الوالدين اللذين يكرهان فرنسا في "ليلةٍ في باريس" أو شخصيات الطبقة العاملة الخرقاء ثنائية الأبعاد في "الياسمين الأزرق Blue Jasmine").

ذلك مؤشر على فشلٍ أكبر بكثير، يبدو آلن غير مبالٍ بالأساس بنفسه أو بالآخرين، ودليل الحساسية الفنية (في الفنون السردية على الأقل) هي التواصل مع معضلة الإنسان بكل ما فيها من سخفٍ وحزن. "جرائم وجنح" يحقق ذلك، لكن بخلاف "تفكيك هاري"، ليس هناك الكثير من استكشاف النفس أو التساؤل المستمر في أعماله.

على سبيل المثال: من المعروف جيدًا أن آلن ينجذب إلى النساء صغيرات السن؛ حوى فيلم "مانهاتن Manhattan" (1979) علاقةً بين شخصيته وفتاة في المرحلة الثانوية لعبت دورها مارييل همنجواي، ويتسم ولع المخرج الحالي بآخر فتيات هوليود الساذجات بهواءٍ عفن تحديدًا لأنه لم يعالج أبدًا القصة عن وعي كراوي قصص. لكنه لا يقرأ أبدًا ما يقوله الناس عن أفلامه.

لكن ما يبدو شديد الوضوح، في الواقع، هو أن آلن لا يحب الناس، نقطة. موسيقى الجاز القديمة وخط ويندسور الذي تكتب به عناوين أفلامه، النكات العصابية التي تخرج ضحكة مقتضبة ثم يتم تجاوزها سريعًا، عفونة صناعة الأفلام، الافتتان بالنساء الذي يخفي تحقيرًا أعمق – جميعها تعبر عن فقاعة من الغرق في الذات واللامبالاة.

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

إذن، فلماذا يستمر الكثيرون من مرتادي السينما في ارتياد أفلامه؟ بالتحديد، مرتادي السينما من طبقةٍ وجيلٍ وميولٍ بعينها، حيث إن آلن ليس شخصية رئيسية في الوقت الحالي وقد تجاهله الجمهور الأصغر إلى حدٍ كبير. لكنه ما زال يحظى بالكثير من حبر الطباعة والانتباه، وليس فقط للأخبار التي تهم صحف التابلويد.

بالنسبة للكثيرين من معجبي وودي آلن، حتى من قد لا يغفر له تجاوزاته خارج الشاشة، يظل آلن عبقريًا دون أي أدلة خلاف النوستالجيا

ليس من اللطيف قول ذلك، لكنني أعتقد أن أفلام آلن تجتذب لافضولنا. بالنسبة إلى الكثيرين من أشد معجبيه، حتى من قد لا يغفر له تجاوزاته خارج الشاشة، يظل آلن "عبقريًا" دون الكثير من الأدلة خلاف النوستالجيا وقشرة من التعقيد -الجاز، الإشارات الأدبية والثقافية، النبالة- التي تجعلنا نشعر بالذكاء والذائقة الفنية دون المخاطر بتحدٍ حقيقي.

إذا حاول آلن يومًا ما استكشاف نفسه أو افتراضاته جديًا، فإنه قد يكون علينا استكشاف أنفسها، ومن الذي يرغب في دفع المال من أجل ذلك في ليلة يوم سبت مع فشار؟ الأفضل هو تعقيدٌ مزيف يجعلنا نعود إلى منازلنا معتقدين أننا قد سمونا ثقافيًا بدلًا من تعقيدٍ يسحب الدم، سواء دمنا أو دمه.

في فيلم "آني هال" المحبوب بشدة، بعد سرد قصة طويلة ومفككة عن شخصٍ يعتقد أنه دجاجة، تقول شخصية آلن إننا نستمر في الوقوع في الحب لأن "أغلبنا يحتاج إلى البيض". أعتقد أن ذلك هو سبب استمرار الناس في الذهاب إلى أفلامه. إنهم يحتاجون بشدة إلى البيض إلى حد أنهم لا يبالون بملاحظة أن كثيرًا منه مكسور.

اقرأ/ي أيضًا:
في حب السينما
9 أفلام عربية مرشحة لأفضل فيلم أجنبي بالأوسكار