29-أغسطس-2019

نأت الاستخبارات الأمريكية بنفسها عن الإمارات (رويترز)

تمول الإمارات العربية المتحدة القائد العسكري الذي يحاول الإطاحة بالحكومة المعترف بها أمميًا في ليبيا. تشارك في قيادة حلف مكون من عدة دول يفرض حصارًا اقتصاديًا على قطر، رغم مطالبات الولايات المتحدة بحل النزاع. وبحسب تحقيق لوكالة رويترز شكلت الإمارات فريقًا من نخبة المخترقين قوامه مجموعة موظفين سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكية، للقيام بمهمات تجسس ضد أهداف تشمل مواطنين أمريكيين.

يجمع جواسيس وكالة الاستخبارات المركزية المعلومات البشرية في كل دولة تضم مصالح حيوية للولايات المتحدة، ومن بينهم حلفاء رئيسيون للولايات المتحدة، لكن الإمارات تشكل استثناء

رغم ذلك، وعلى خلاف العادة، نأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بنفسها عن التجسس على الحكومة الإماراتية، بحسب ما أخبر به ثلاثة مسؤولين في الوكالة مطلعين على القضية، وكالة رويترز. الأمر الذي يخلق نقطة عمياء في خاصرة الاستخبارات الأمريكية على حد زعم بعض النقاد. 

اقرأ/ي أيضًا: هوس ابن زايد.. أبوظبي تستعين بضباط "CIA" لبناء إمبراطورية جاسوسية (2-2)

موقف وكالة الاستخبارات المركزية ليس جديدًا، ما تغير هو نشاط الدولة الصغيرة المصدرة للنفط وطبيعة تدخلاتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، فهي تخوض الحروب وتنفذ عمليات سرية وتستخدم خزائنها المالية لإعادة تشكيل سياسات المنطقة، بطرق تخالف مصالح الولايات المتحدة في كثير من الأحيان، وفقًا لمصادر وخبراء في السياسة الخارجية.

يرجع مسؤول سابق في الوكالة فشلها في التكيف مع طموحات الإمارات العسكرية والسياسية المتنامية، إلى "الاهتمام في أداء الواجب".

لا تتجاهل أجهزة الاستخبارات الأمريكية الإمارات تمامًا. فبحسب مصادر مطلعة، تجري وكالة الأمن القومي رقابة إلكترونية، منخفضة المخاطر ومنخفضة العوائد، لجمع المعلومات داخل الإمارات العربية المتحدة. لكن وكالة الاستخبارات المركزية ترتبط مع المخابرات الإماراتية بعلاقة عمل وثيقة، إذ يتشاركان المعلومات حول الأعداء المشتركين مثل إيران والقاعدة. 

لكن الوكالة لا تجمع معلومات استخبارية بشرية، وهي أقيم أنواع المعلومات وأكثرها استعصاء، عبر مخبرين لها داخل الحكومة الإماراتية المستبدة.

الإمارات هي واحدة من دول قليلة للغاية تتخذ منها الوكالة موقفًا مشابهًا. وتضم القائمة الدول الأربعة الأعضاء في حلف استخباراتي مع الولايات المتحدة يسمى "العيون الخمس" وهي أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة وكندا.

يجمع جواسيس وكالة الاستخبارات المركزية المعلومات البشرية في كل دولة تضم مصالح حيوية للولايات المتحدة، ومن بينهم حلفاء رئيسيون للولايات المتحدة.

النقيض الأبرز للإمارات العربية على سبيل المثال، هي المملكة العربية السعودية، وهي حليف آخر مهم للولايات المتحدة في المنطقة؛ حليف ينتج النفط ويشتري الأسلحة. ولكنها وعلى عكس الإمارات العربية المتحدة، تمثل هدفًا أساسيًا لوكالة الاستخبارات المركزية بحسب مسؤولين في الوكالة وضابط سابق في جهاز استخبارات إحدى دول الخليج. قال المصدر إن الاستخبارات السعودية ضبطت عدة عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وهم يحاولون تجنيد مسؤولين سعوديين للعمل لصالحها.  

وبحسب المصدر السابق، فإن وكالات الاستخبارات السعودية لا تشتكي علنًا من محاولات التجسس الأمريكية لكنهم يلتقون سرًا برئيس مركز الوكالة في الرياض ويطلبون منه استبعاد الضابط المتورط في المحاولة من البلاد.

وصف روبرت باير العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية افتقار الوكالة لمعلومات من مصادر بشرية عن الإمارات بأنه فشل ذريع. وقال إن صناع القرار في الولايات المتحدة بحاجة دائمًا لأفضل المعلومات المتاحة عن السياسات الداخلية والخلافات العائلية في ممالك الشرق الأوسط. يقول: "إذا كانت الوكالة تفخر بأن أذرعها  تحيط بالعالم، فإن الاطلاع على أسرار العائلات الملكية جزء لا يتجزأ من عملها".

دولة مارقة

قال مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن نقص المعلومات الاستخباراتية عن الإمارات أمر مقلق، لأن الإمارة الصحراوية المارقة تغرد خارج السرب إزاء دول استراتيجية مثل ليبيا وقطر وأماكن أخرى في أفريقيا.

في السودان، أنفقت الإمارات العربية المتحدة مليارات الدولارات لدعم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ثم تخلت عنه ودعمت القادة العسكريين الذين أطاحوا به في نيسان/أبريل. وقتلت قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة عشرات المتظاهرين المطالبين بالحكم المدني والانتخابات. وبنت الإمارات كذلك قواعد عسكرية في إريتريا وجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) التي أعلنت استقلالها بشكل أحادي. وقال المسؤول السابق في إدارة ترامب لرويترز: "إذا قلبت أي حجر في منطقة القرن الإفريقي ستجد الإمارات هناك".

وبسطت الإمارات العربية نفوذها العسكري والمالي في مناطق بعيدة عن جوارها المباشر، سواء في اليمن أو الصومال أو جيبوتي. وهي لا تنتظر إذنًا من أحد، على حد قول سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش.

في اليمن قادت الإمارات مع المملكة العربية السعودية تحالفًا مكونًا من عدة دول لقتال الحوثيين المتحالفين مع إيران، لكنها بدأت مؤخرًا في سحب جزء من قواتها بعد عاصفة من الانتقادات الدولية للغارات الجوية وضحاياها من المدنيين والأزمة الإنسانية التي دفعت بالبلاد إلى حافة المجاعة. وقد مرر الكونغرس الأمريكي مؤخرًا قرارًا بوقف مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية، لكن ترامب استخدم حق الفيتو لإلغاء القرار.

أنفقت الإمارات العربية المتحدة ما يقرب من 46.8 مليون دولار أمريكي على جهود الضغط في الولايات المتحدة منذ عام 2017، وفقًا لمركز السياسات المستجيبة.

وقال ثلاثة من مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية السابقين المطلعين على ملف الإمارات العربية المتحدة للوكالة، إن المعلومات عن الحكومة الإماراتية مهمة للولايات المتحدة لأسباب تتجاوز تدخلاتها الإقليمية. فقد دأبت الإمارات مؤخرًا على تقوية علاقاتها بروسيا، وعقدت معها شراكة واسعة نصت على التعاون في مجالات الأمن والتجارة وأسواق النفط. وقوت كذلك علاقاتها مع الصين، حيث زار محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للدولة، الصين الشهر الماضي، لحضور المنتدى الاقتصادي الصيني الإماراتي.

لكن بعض خبراء الأمن القومي يرون أن هناك تطابقًا في المصالح بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، يبرر استمرار الأخيرة في الإحجام عن التجسس على الإمارة الخليجية. فيما قال نورمان رول المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية حسب رويترز: "إن أعداءهم أعداؤنا. وقد ساهمت أبوظبي كثيرًا في الحرب ضد الإرهاب، خصوصًا ضد القاعدة في اليمن".

الخوف من الديمقراطية والإسلام السياسي

يُحكم ولي عهد أبوظبي قبضته على مقاليد السياسة الخارجية للإمارات، مع مجموعة صغيرة من المستشارين. وقد قالت جودي فيتوري، ظابطة الاستخبارات الجوية السابقة والتي تعمل الآن في مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، إن سياسات التدخل الإماراتية بدأت عام 2011، على إثر اشتعال مظاهرات الربيع العربي المطالبة بالديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة العربية، وذلك بسبب خشية النخبة الحاكمة فيها على تماسك نظامها وسلطتها.

اقرأ/ي أيضًا: مصر والإمارات وغيرهما.. أنظمة عربية تحاصر الإنترنت بتقنيات تجسس أجنبية

وعلى غرار عدد من الممالك الخليجية، اعتبر قادة الإمارات هذه التظاهرات تهديدًا للأنظمة الملكية في المنطقة. ودأبوا منذ ذلك الوقت على محاربة تنظيم الإخوان المسلمين الذي وصل إلى السلطة في مصر لفترة قصيرة عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد حسني مبارك. قطعت الإمارات دعمها المالي عن مصر حين وصل مرشح الإخوان محمد مرسي إلى السلطة في 2012، ثم استأنفوا إرسال مليارات الدولارات إلى مصر عقب إقدام الجيش المصري على الإطاحة بمرسي.

اعترفت فيتوري بوجود بعض الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة والإمارات، لكنها ترى أن هذه المصالح تفترق شيئًا فشيئًا بسبب تركيز الإمارات على حفظ نظامها الملكي

اعترفت فيتوري بوجود بعض الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة والإمارات، لكنها ترى أن هذه المصالح تفترق شيئًا فشيئًا بسبب تركيز الإمارات على حفظ نظامها الملكي. "فحين يكون هدف النظام هو النجاة بأي تكلفة كانت، فلا بد أن تفترق مصالحه في لحظة ما عن المصالح الأمريكية" على حد قولها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

2000 ّطفل يولدون سنويًا في السجون الأمريكية.. ولا حل!

الأولى من نوعها.. تسوية تاريخية لصالح ضحايا تعذيب الـ"سي آي إيه"