13-يونيو-2017

العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز (يوان فالات/ أ.ف.ب)

في خضم الحملة المدبّرة التي تشنها الرياض وأبوظبي ومن لف لفهما، ضد قطر، أعلنت موريتانيا هي الأخرى قطع علاقاتها مع الدوحة في بيان لوزراة خارجيتها، يتهم قطر بـ"دعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الأفكار المتطرفة، والعمل على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية".

لكن مبادرة الجمهورية الإسلامية الموريتانية البعيدة عن البقعة الخليجية، بالانضمام سريعًا إلى الحلف السعودي الإماراتي في حملة مقاطعة ضد قطر تحيل إلى أن إقدام نواكشوط على هذه الخطوة يعود في الواقع إلى حسابات اقتصادية وسياسية، جعلتها ترجح كفة المملكة العربية السعودية على علاقتها مع الدوحة.

علاقات حديثة العهد

منذ أن رفعت السعودية مستوى تمثيلها الدبلوماسي في موريتانيا لدرجة سفير، بأمر من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز سنة 2007، تزايد حضور الرياض اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا في موريتانيا، وتُوجت العلاقات الثنائية بزيارة رسمية لنائب وزير الخارجية السعودي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله سنة 2014، لتتوطد أكثر العلاقة بين البلدين.

تجمع بين البلدين علاقات حديثة العهد، بدأت تتوطد منذ 2007 فقط، عندما رفعت السعودية مستوى تمثيلها الدبلوماسي في نواكشوط

يشمل هذا الحضور مشاريع اقتصادية مُمولة من قبل صناديق سعودية، في مجالات البنية التحتية والكهرباء والمياه والمناجم والأمن والمساجد والجامعات الدينية في موريتانيا، وتقدر هذه الاستثمارات السعودية بملايين الدولارات. 

وكانت الرياض قد عقدت العام الماضي مع نواكشوط اتفاقية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، كما اجتمع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في شباط/فبراير الماضي، مع وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، للتباحث حول العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية.

اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر.. "من هو الإرهابي؟"

إلى جانب ذلك، تملك السعودية روابط قوية مع نواكشوط على المستوى العسكري، فقد سارعت موريتانيا بالالتحاق منذ البداية بالحلف السعودي في حربه في اليمن ضد الحوثيين. ومع بداية السنة الجارية، وقّع وزير الدفاع الموريتاني ديالو ممادو باتيا، مع مساعد وزير الدفاع السعودي محمد بن عبدالله العايش، بالتفويض من وزير الدفاع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اتفاقية للتعاون العسكري، تتعلق بالتدريب وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية والزيارات علاوة على المساندة والإمداد وقت الحرب.

هذا وأعلنت الحكومة الموريتانية عزمها توقيع اتفاقية للعمالة مع السعودية، وذلك بعد أيام معدودة من قرار اتخذته نواكشوط بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة.

بدورها سعت الإمارات على نحو حثيث إلى تعزيز تواجدها في موريتانيا، إذ قام وزيرا خارجية البلدين بتوقيع بروتوكول لإنشاء اللجنة العليا المشتركة للتعاون في أبوظبي سنة 2012. وفي سنة 2015 عقدت الرياض ودبي اتفاقيتين، واحدة لتشجيع وحماية الاستثمار، وأخرى لتفادي الازدواج الضريبي بينهما، في ظل ارتفاع الاستيراد الموريتاني من الإمارات في السنوات الأخيرة.

كما تسهر دبي على مجموعة من المشاريع الضخمة في موريتانيا، منها تكفّل شركة "مجموعة الإمارات الاستثمارية"، بإعداد مخطط شامل لمدينة نواكشوط لعام 2020، وبناء شركة "مصدر" الإماراتية محطة للطاقة الشمسية برمال بلاد شنقيط، بطاقة استيعابية تبلغ 15 ميغاوات، فضلًا عن "مستشفى الشيخ زايد" المشهور في نواكشوط.

ويكيليكس تشرح سبب اهتمام السعودية بنواكشوط

في منتصف 2015 سرّبت منظمة ويكيليكس الشهيرة ما يزيد عن 60 ألف وثيقة تعود، كما يزعم، إلى أرشيف السفارات السعودية في مختلف دول العالم. ومن جملة ما أظهرت هذه الوثائق المسربة، هو الاهتمام السعودي الجديّ برصد الأوضاع السياسية والأمنية في بلدان المغرب العربي، وكذلك محاولة التأثير في المعاقل الإعلامية لهذه الدول.

تخوف السعودية من المد الإيراني، قادها إلى تعزيز تواجدها في موريتانيا بشكل كثيف خلال السنوات الأخيرة

وتُبيّن إحدى هذه الوثائق قلق الرياض من تحسن العلاقة بين موريتانيا وإيران، بعد رصد رغبة لدى بعض المتشيعين القليلين لبناء حسينية بنواكشوط، ما جعل السفير السعودي بنواكشوط يقترح في وثيقة أخرى توطيد العلاقة مع موريتانيا، خشية تسرب المد الشيعي هناك عبر الجمعيات الأهلية التابعة لإيران، والتي تستميل الشباب الموريتاني بالمال والمسابقات الدينية.

وبحسب ويكيليكس أيضًا، وارتباطًا بحساسية العلاقات بين الأطراف المغاربية، عملت السعودية على "توضيح موقف المملكة من هذا التقارب، وإفهام الإخوة المغاربة أن هذا التقارب يصب في مصلحة المملكة المغربية أيضًا للحد من الانتشار الشيعي في شمال وشمال غربي القارة الأفريقية".

وثيقة مسربة من السفارة السعودية في نواكشوط
وثيقة مسربة من السفارة السعودية في نواكشوط

ويبدو أن التخوف السعودي من المدّ الإيراني في الأرض الموريتانية، قادها في السنوات الأخيرة إلى تعزيز تواجدها على نحو كثيف اقتصاديًا وسياسيًا ودينيًا بهذه البلاد، كي لا تدع الساحة خالية أمام ما تسميه "التمدد الصفوي" في شمال إفريقيا، والذي يهدد نفوذها الديني على مجتمعات المنطقة.

هذا ما يفسر الانقلاب الموريتاني المفاجئ على إيران التي كانت تربطها علاقة جيدة مع نواكشوط فيما قبل، لتصبح طهران بين ليلة وضحاها منبوذة من قبل القيادات السياسية والدينية في موريتانيا، المتماهية في تصريحاتها العلنية مع السعودية فيما يخص المواقف تجاهها. 

ويُذكر في هذا الصدد أنه تم استثناء السفير الإيراني من بين جميع السفراء المعتمدين من حضور مؤتمر دولي حول "التطرف"، نُظم بالعاصمة نواكشوط خلال نيسان/أبريل الماضي.

موريتانيا المرهونة للسعودية

تعي موريتانيا جيدًا أنها الحلقة الأضعف في المنطقة المغاربية في ظل صراع الزعامات والمناكفات بين الجزائر والمغرب، ومن ثمّة عملت منذ سنوات على اتباع نهج مستقل في محاولة منها لتجنب التأثر بسياسة الجارين المتنافسين، وبالموازاة مع ذلك أدارت وجهها نحو دول الساحل حيث انخرطت في تجمع مع النيجر وبوركينافاسو ومالي، كما بدأت تعيد النظر في علاقتها مع فرنسا المستعمر القديم، بالتقرب نحو بلدان أوروبية أخرى مثل إسبانيا وألمانيا، لإظهار استقلالية قرارها الخارجي.

عدّلت موريتانيا من مسيرتها تدريجيًا لتناسب الرياض التي أغدقت عليها الهبات والقروض والمشاريع الاستثمارية

إلا أن هذه السياسة لم تسفر سوى عن نتائج محدودة سياسيًا واقتصاديًا، نظرًا لضعف بلدان الساحل الإفريقي من جهة، وعدم جاذبية الفرص الاستثمارية لموريتانيا بالنسبة لأوروبا من جهة أخرى، الشيء الذي دفع نواكشوط إلى البحث عن تحالف جديد، يكون أكثر مردودية، فتوجهت في البداية إلى إيران، قبل أن تُغيّر الوجهة نحو دول الخليج، وبخاصة السعودية، التي هرعت إلى تقديم الهبات والقروض وبناء المؤسسات الخيرية والمساجد، لمد أذرعها في البلاد بحجة مواجهة إيران.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. صراع الدولة والهوية

وهكذا عدلت نواكشوط مسيرتها تدريجيًا لتناسب سكة الرياض، بعدما استفادت ماليًا ودبلوماسيًا، فباتت حليفًا تابعًا لها في السياسة الخارجية، بداية من المشاركة في الحرب على اليمن إلى معاداة إيران، وأخيرًا مقاطعة قطر، ومنه فلا يبدو أن موريتانيا مستعدة حتى الآن للتضحية بمصالحها الاقتصادية والسياسية، بالخروج عن الخط السعودي الإماراتي على مستوى القضايا الخارجية، ما دام صنبور الابتزاز السياسي مفتوحًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا أين وإلى أين؟

تقدير موقف: أزمة العلاقات الخليجية القطرية.. في أسباب الحملة ودوافعها