28-سبتمبر-2017

أعرب وليد المعلم عن استعداد النظام التفاوض مع أكراد سوريا حول حكم ذاتي لهم في الشمال (يوري كادوبنوف/ أ.ف.ب)

في خِضّم التطورات السياسية المتسارعة التي تشهدها الدول المحيطة بجوار الخارطة السورية، بعد إجراء إقليم كردستان العراق استفتاءً للانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد، وإعلانه دولة مستقلة؛ وجه النظام السوري دعوة مباشرة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لإجراء مفاوضات تُمكن أكراد سوريا من الحصول على حكم ذاتي تحت ظل حكومة النظام السوري في دمشق.

أبدى النظام السوري على لسان وليد المعلم، استعداده للتفاوض مع أكراد سوريا حول حكم ذاتي لهم في الشمال

وليد المعلم: الإدارة الذاتية للأكراد أمر قابل للتفاوض

خلال حوار مع قناة "روسيا اليوم"، قال وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، وليد المعلم، إن وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، "يريدون شكلًا من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الجمهورية العربية السورية. عندما ننتهي من القضاء على داعش يمكن أن نجلس مع أبنائنا الأكراد، ونتفاهم على صيغة للمستقبل".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: استفتاء إقليم كردستان.. بين الإصرار الكردي والمعارضة الإقليمية

والتقى مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل عمادها الأساسي وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، مع قوات الأسد والمليشيات الأجنبية بشكل أساسي، إلى جانب القوات الروسية، في ريف دير الزور شرق سوريا على ضفتي نهر الفرات الغربية والشرقية، بعد عبور الأخيرة الضفة الغربية باتجاه الشرق، ما يُشكل إخلالًا بالتزام موسكو عدم عبور النظام السوري نحو الشرق.

وخلال الأيام الماضية، تبادل الطرفان الاتهامات بتبادل القصف بينهما، إذ قالت قسد إن مقاتلات روسية قصفت مواقع لها منتصف الشهر الجاري شرقي الفرات، الأمر الذي نفته موسكو لاحقًا، فين أن الأخيرة حمّلت واشنطن مسؤولية مقتل اللواء فاليري أسابوف، الذي كان يرأس الاستشاريين العسكريين الروس في دير الزور، نقلًا عن مصدر سوري لم تسمه، قال إن مقتله قد يكون ناتجًا "عن عملية خيانة"، على حد تعبيره.

هل يستفيد النظام السوري من استفاء كردستان العراق؟

لا يمكن تجاهل أن التوتر الأخير بين موسكو وواشنطن، في مدينة دير الزور، له أسباب عديدة، يأتي على رأسها رغبة واشنطن في قطع الطريق أمام طهران للسيطرة على الحدود العراقية السورية، بينما ترمي موسكو للسيطرة على المنطقة بسبب غناها بحقول النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي فإن الفريق المنتصر سيكون قد حقق مراميه باستثمار الآبار النفطية.

كما أن الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق للانفصال عن بغداد، يلعب دورًا مهمًا في ظل التطورات الأخيرة، بالأخص من الجانب التركي الذي يرى في عملية الانفصال تهديدًا لأمنه الداخلي، والملاحظ أن النظام السوري خلال الأيام الماضية، منذ إعلان أربيل المضي قدمًا في إجراء الاستفتاء، قامت مقاتلاته بالاشتراك مع مقاتلات روسية بتنفيذ أكثر من ألف غارة جوية على ريف إدلب وحماة، مستغلًة انشغال تركيا بالتطورات السياسية التي يشهدها العراق.

وتشير تصريحات المعلم الأخيرة إلى أن النظام السوري يحاول الاستفادة من تجربة الاستفتاء في إقليم كردستان العراق من جانبين، الأول إعطاء ضمانات مباشرة للقوات الكردية بحصولها على إدارة ذاتية لكن دون الانفصال عن سوريا، وهو تأكيد مهم على أنه في حال رفض الأكراد ذلك فإنه سيقوم بقتالهم، وثانيًا الاستفادة من تحالف عسكري معهم لقتال فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من أنقرة في مناطق "درع الفرات"، أو الفصائل المعتدلة المتواجدة في محافظة إدلب.

ويعكس حديث المعلم الأخير، قراءة النظام السوري للتطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة فيما يخدم مصالحه في الشمال السوري، كون الدعوة للتفاوض مع الأكراد جاءت بعد أيام من حديث بثينة شعبان مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، عن أن النظام السوري سيقاتل ضد قسد أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو أي قوة أجنبية "غير شرعية"، موجودة في سوريا، بتعبيرها، ما يدل على أن النظام السوري أعاد قراءة التطورات الأخيرة بطريقة تخدم مصالحه مستقبلًا في شرق وشمال سوريا.

حلف المصالح المشتركة

ضمن الحوار نفسه، وجّه وليد المعلم دعوًة غير مباشرة للقوات الكردية كي تتخلى عن دعم واشنطن لها، بقوله: "في الماضي كانت حليفة، وباستمرار الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها"، مطالبًا الأكراد بأن يفهموا هذه الدروس، ما يمكن اعتباره دعوة مباشرة للحوار مع الأكراد، بالإضافة أن حديث وليد المعلم جاء عبر قناة روسيا اليوم، أحد أهم الأذرع الإعلامية الموجهة للمنطقة العربية بإشراف من الكرملين.

يبدو أن النظام السوري بتغير موقفه من الوحدات الكدرية، أنه يسعى للحصول على أكثر من مكسب في المنطقة بالتوافق مع طهران وموسكو

وقبل أيام قليلة، أجرت ما يعرف بـ"الإدارة الذاتية" انتخابات في مناطق سيطرتها شمال سوريا، بعد تقسيمها لوحدات صغيرة اسمتها "كومونة"، وهي تسمية درج استخدامها في الأنظمة الشيوعية، وذلك تمهيدًا لإجراء انتخابات واسعة في 19 كانون الثاني/يناير المقبل لاختيار برلمان للإدارة الذاتية. وجاءت الانتخابات وسط معارضة الائتلاف السوري المعارض، والمجلس الوطني الكردي الذي يعارض سياسة الوحدات الكردية في الشمال السوري.

اقرأ/ي أيضًا: مقدمات كردية لا بد منها

وتحولت وحدات الشعب الكردية لقوة عسكرية كبيرة نتيجة الدعم الذي تلقته من واشنطن منذ عام 2014، عندما استعادت مدينة عين العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكردية من قبضة تنظيم داعش، وباتت الوحدات الكردية –التي أسست قسد لاحقًا–  تملك أسلحة متنوعة غير معروف مدى درجة تطورها، لكنها حصلت عليها من واشنطن قبل انطلاق عملية الرقة، وقامت بإنشاء كلية حربية في شمال سوريا تهدف لتخريج صف ضباط ينضمون للتشكيلات العسكرية التي تقودها.

لماذا يريد النظام التفاوض مع أكراد سوريا؟

ويبدو من تبديل النظام السوري موقفه من الوحدات الكردية، أنه يسعى للحصول على أكثر من مكسب في المنطقة بالتوافق مع طهران وموسكو، إذ يرجع أهم أسبابه لموسكو التي تبحث عن شراكة من قسد تسحب بموجبها أي تواجد للقوات الأمريكية في سوريا.

وتعتبر موسكو أن معركة دير الزور تشبه ما حصل إبان الحرب العالمية الثانية، عندما زحفت جحافل جيوش السوفييت والحلفاء من جانبين متقابلين اتجاه برلين للقضاء على الزعيم النازي أدولف هتلر، حيثُ يجتمعان اليوم مجددًا ضمن تحالفات منفصلة للقضاء على تنظيم داعش. وحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، فإن عدم وجود ضمانة على بقاء واشنطن في سوريا بعد القضاء على داعش، يفرض على الأكراد عقد اتفاق مع النظام السوري وموسكو.

كما يبدو أن حديث وليد المعلم يأتي في إطار بعث رسائل مطمئنة للقوات الكردية، مضمونها أن الخروج من عباءة التحالف الدولي يعني حصولهم على حكم إدارة ذاتي ضمن حكومة مركزية مقرها دمشق، إلا أنه وفق التقارير الغربية الصادرة، يتطلب ذلك من الأكراد قبل أي شيء ضمان إشراف طهران على المعابر الحدودية بين العراق وسوريا، وهو السبب الذي دفعها للزج بعشرات الآلاف من المقاتلين لتحقيق مشروعها الإقليمي بتوسيع نفوذها.

وكان المستشار الرئاسي الإيراني علي يونسي، قد قال قبل نحو عامين ونصف، إن بلاده "أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليًا"، ما يشير أن فرص إقامة الأكراد لحكم ذاتي يلزمه الجلوس مع طهران قبل النظام السوري على طاولة المفاوضات للاتفاق على صيغة مشتركة تطلق لطهران اليد العليا فيها، وعدم الاتفاق يعني حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين، حيثُ قوات مليشيا الحشد الشعبي العراقي عند الحدود السورية لا تزال في حالة تأهب للتدخل في حال حاول الأكراد التمرد على النظام السوري.

وليس مستبعدًا أن يبرم النظام السوري اتفاقًا مع الوحدات الكردية مضمونه إنشاء تحالف مشترك لقتال فصائل المعارضة في محافظة إدلب، مقابل حصولهم على حكم ذاتي يتبع لحكومة مركزية، ثم يعود لاحقًا للانقلاب عليهم، وهو ما أظهره خلال السنوات الفائتة، وآخرها خروقاته المتعددة لاتفاق آستانا المرتبط بمناطق تخفيف التوتر.

لا يُستبعد إبرام النظام السوري اتفاقًا مع الوحدات الكردية، لإنشاء تحالف مشترك لقتال فصائل المعارضة في إدلب

وعلى ما سبق فإن تصريحات النظام السوري بشأن القوات الكردية لم تخرج عن إطار تفاهمات مشتركة مع طهران وموسكو تهدف للقضاء تمامًا على أي تواجد دولي في سوريا، وهي تأتي في إطار رسالة تدعو القوات الكردية للخروج من عباءة واشنطن إذا ما أرادت أن يكون لها حكم ذاتي، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة بعد الانتهاء من تواجد التنظيم المتشدد في شرق سوريا الملتهب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد

4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري