02-أكتوبر-2018

تعمد النظام السوري إقصاء النخبة العلوية خوفًا من انقلابها عليه (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

كشفت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية في تقرير نشرته قبل أيام أن وثيقة عسكرية أمريكية أُعدت قبل سبع سنوات توقعت فشل المعارضة السورية في إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، معتبرًة أن إسقاط النظام السوري من الناحية النظرية ممكن، لكنه من الناحية العملية صعب التحقق، وهو ما يعطي إجابة رغم أنها غير كاملة، إلا أنها توضح بعضًا من الأسباب التي دفعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لعدم التدخل في سوريا.

تعمدت  أمريكا دعم الجماعات الإسلامية المعارضة للنظام السوري بدلًا عن الجماعات العلمانية أو الديمقراطية

النخبة العلوية فشلت في الانقلاب على بشار الأسد

الوثيقة التي نشرت لأول مرة كمسودة توقعات داخلية أعدتها قوات مشاة البحرية الأمريكية (USMC) بالاشتراك مع محللين من معهد ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والأمنية، ومسؤولين من المركز الأمريكي للإعلام في آب/أغسطس 2011، وحصلت الصحيفة الفرنسية عليها من أرشيف موقع ويكيليكس للوثائق المسربة، كانت جزءًا من مجموعة ملخصات للمعلومات الاستخبارية الخاصة بالبحرية الأمريكية، جرى الحصول عليها من خلال رسائل البريد الإلكتروني المسربة لمعهد ستراتفور، ونشرت ضمن مجموعة الرسائل المسربة ما بين عامي 2012 – 2014.

تقول الصحيفة الفرنسية إن الوثيقة حذرت من أن سوريا "ستشهد صراعًا عنيفًا طويلًا سيشعل الاضطرابات الطائفية"، وعلى الرغم من توقعها احتمالية سقوط النظام السوري، لكنها اعتبرت أن الفترة الزمنية لتغييره ستكون "دموية وطويلة"، وفيما توقعت انهيار "النظام السوري العلوي – البعثي" خلال السنوات الثلاثة القادمة (2011 – 2014) فإنها استبعدت أن تتمكن المعارضة من التغلب على النظام السوري.

اقرأ/ي أيضًا: في ثياب كردية..أمريكا تبعث بجنودها إلى سوريا

وعوضًا عن إمكانية انهيار النظام السوري أمام المعارضة، توقعت الوثيقة أن النظام السوري سيواجه تهديدًا أكبر من داخل أركانه بحسب المركز الأمريكي للإعلام، والذي تحدث عن محاولة رجال الأعمال، والقيادات في النظام السوري بالانقلاب عليه خوفًا من ضعفه، وتشير الوثيقة إلى أن واشنطن كانت تنظر لدور المعارضة السورية المسلحة في الصراع باعتباره مؤقتًا، يساهم في الضغط على قوات النظام السوري كي تنهار، ما سيحدث "انقلابًا علويًا ضد نظام الأسد"، ويتم التخلص بعدها من المعارضة السورية المسلحة.

وكان لافتًا في الوثيقة عدم استبعادها تغيير النظام في سوريا، لكنها في الوقت نفسه نوهت إلى أن المعارضة السورية المسلحة لا تملك القدرة الكافية لإضعاف قوات النظام السوري بسبب انقسامها فيما بينها، كما أنها أشارت إلى أن الدول الإقليمية أو حتى واشنطن لم تبدِ اهتمامًا للتعامل مع ما وصفته بـ"الآثار السلبية" الناجمة عن تغيير النظام السوري.

انهيار النخبة العلوية المعارضة

لعل أهم ما جاء في الوثيقة بالمقام الأول الحديث عن محاولة النخبة العلوية المعارضة إحداث تغيير داخل بنية النظام السوري التي تضعضعت ما بين عامي 2012–2015. وبالعودة إلى الفترة التي أعدت فيها الوثيقة لأول مرة، يتبين بالفعل كيف قام النظام السوري بالقضاء على ضباط من صف النخبة أو معارضين بارزين كانت تربطهم علاقات مع الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري.

وكانت بدايتها في آب/ أغسطس 2011 حين أصدر الأسد مرسومًا عزل من خلاله وزير الدفاع الأسبق علي حبيب، الذي ينتمي للطائفة العلوية، وعين بدلًا منه اللواء داوود راجحة الذي قتل في تفجير خلية الأزمة، وأشارت تقارير صحفية حينها أن الأسد قام بعزل حبيب لأنه رفض إشراك عناصر الجيش في قمع المظاهرات، فيما قالت تقارير ثانية إنه عزل بسبب رفضه أن تكون عناصر الجيش تابعة لأفرع المخابرات في التصدي لقمع المظاهرات، كما ارتبط اسم حبيب منذ أن تم عزله بأن يكون أحد الأسماء الفاعلة في المرحلة الانتقالية.

وبعدها بأقل من عام حصل تفجير ما يعرف بخلية الأزمة في منطقة الروضة القريبة من القصر الجمهوري، وكان حينها ضباط من الصف الأول يعقدون اجتماعهم الأسبوعي عندما انفجرت عبوة ناسفة، قتلت جميع المتواجدين بينهم آصف شوكت، زوج شقيقة الأسد، وكان الناجي الوحيد وزير الداخلية محمد الشعار، وتحدثت تقارير عن ضلوع إيران بالوقوف وراء التفجير بعد أن رفضت الخلية تدخل الحرس الثوري الإيراني في قمع المظاهرات، وخوف الأسد منهم بسبب امتلاكهم لعلاقات جيدة مع موسكو.

 كما أن النظام السوري عمد إلى اعتقال المعارض السوري البارز، وأحد المؤسسين لهيئة التنسيق الوطنية، عبد العزيز الخيّر المنحدر من مدينة القرداحة، مسقط رأس الأسد، وصادف يوم 20 أيلول/ سبتمبر الماضي الذكرى السنوية السادسة لاعتقاله. كان الخيّر واحدًا من الأسماء المتوافق عليها بين حلفاء الأسد أنفسهم لإمكانية قيادة مرحلة انتقالية في سوريا، قبل أن يقوم النظام السوري باعتقاله على طريق مطار دمشق الدولي بعد عودته من زيارة للصين أجراها مع صديقيه ماهر الطحان وإياس عياش. 

كذلك فإن الوثيقة كانت صائبة في توقعها نظريًا، بعد أن شهدت قوات النظام السوري انهيارات متتالية، حتى وصلت لسيطرة قوات المعارضة على محافظة إدلب في أيلول/سبتمبر 2015، وكان النظام السوري في طريقه للانهيار بشكل كامل بعد أن فقد السيطرة على أكثر من 70% من مناطق سيطرته، لكن التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 بالإضافة للدعم الإيراني ساعده على استعادة قوته مقابل تراجع المعارضة السورية.

دعم المتطرفين والحرب على المعارضة الديمقراطية

وبالانتقال للقسم الثاني من الوثيقة، فقد عبّرت عن قلق المسؤولين الأمريكيين من احتمال تنامي النفوذ الإيراني في سوريا، لذلك طالبت الولايات المتحدة بالعمل مع حلفائها الإقليميين، السعودية، مصر، وتركيا، لدعم الجماعات الإسلامية حتى تستطيع منع إيران، وحزب الله اللبناني من التوّسع في سوريا. وقالت الصحيفة الفرنسية إن أمريكا سعت لدعم الجماعات الإسلامية المعارضة للنظام السوري بدلًا عن الجماعات العلمانية أو الديمقراطية، حيثُ كان يسود اقتناع لدى المسؤولين الأمريكيين بدعم الجماعات الإسلامية على أن تبقى تحت مظلتها.

ولعل الجزء الأهم كان عدم وجود رغبة أو مخطط لدى واشنطن من التدخل عسكريًا في سوريا، فقد ذكرت الوثيقة أن المحللين الذين أعدوها أظهروا خوف واشنطن من الوضع الطائفي الذي اعتبرته "أكثر تعقيدًا" من أن تتحمله واشنطن، الأمر الذي دفعها للاقتناع بتقسيم سوريا على أسس "عرقية وطائفية".

كيف عملت الإدارات الأمريكية على عدم حل الأزمة السورية؟

يجمع كافة المحللين على أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما فشلت في إنهاء الأزمة السورية، بعدما ترددت في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عندما نفذ هجومًا بالسلاح الكيميائي على ريف دمشق في آب/ أغسطس 2013، راح ضحيته أكثر من ألف مدني، معظمهم من الأطفال والنساء، قبل أن يعدل عن الضربة نهائيًا بعد موافقة النظام السوري على تسليم السلاح الكيميائي للأمم المتحدة، لكن ذلك لم يمنع النظام السوري من استخدام السلاح الكيميائي من جديد، ويبدو الوصف الأبرز للسياسة التي انتهجتها إدارة أوباما في سوريا مبدأ "لا ضرر ولا ضرار".

اقرأ/ي أيضًا: القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد في سوريا

وإلى جانب ذلك ساهمت إدارة أوباما سابقًا، ودونالد ترامب لاحقًا بتأجيج الصراع الإقليمي عندما مضت بقرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، الرامية لإنشاء حكم إدارة ذاتية للأكراد شرق سوريا، وهو الأمر الذي تؤكد رفضه تركيا لحماية أمنها القومي، وهو ما زاد من تباعد المصالح المشتركة بين البلدين.

ساهمت إدارة أوباما سابقًا، ودونالد ترامب لاحقًا بتأجيج الصراع الإقليمي عندما مضت بقرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية

وبالطبع فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تكن أفضل حالًا من سلفه أوباما، رغم توجيهها ضربات صاروخية استهدفت مواقع عسكرية للنظام السوري، لكنها كانت بمثابة حفظ لماء الوجه، وجرى تنفيذ الضربات بعد إخطار القوات الروسية عبر الخط الساخن قبل وقت، ما أعطى النظام السوري فرصة لإخلاء مقراته من الأسلحة، والمقاتلات الحربية قبل بدء الهجمات، حيثُ كانت الضربات نوعًا من استعراض القوة التي يحاول ترامب إظهارها في خطاباته أو تغريداته على تويتر.

وبالمقارنة بين إدارتي ترامب وسلفه أوباما، يظهر أنهما وقعتا في الخطأين نفسهما، الأول اتجاههما لعقد اتفاقيات هدنة مع الروس في سوريا، الأمر الذي استغله النظام السوري لاستعادة السيطرة على كافة معاقل المعارضة السورية باستثناء محافظة إدلب، والثاني فشلهم في منع إيران من التوّسع إقليميًا في سوريا والعراق، حتى باتت تسيطر نظريًا على طريق بغداد – دمشق السريع وصولًا إلى جنوب لبنان.

لخصت الوثيقة فعليًا الأسباب التي دفعت واشنطن للإحجام عن التدخل بشكل حاسم لدعم المعارضة السورية "الديمقراطية والعلمانية" على حساب القوى الإسلامية، وذلك في سبيل منع إيران من التوّسع إقليميًا في سوريا، لكن الواضح أنها رغم الأخطاء التي ارتكبتها، لم تقم على إعادة تقييم للأزمة السورية لتحديد خيارات بديلة، إنما عملت على المضي في تنفيذ المخرجات التي خلصت إليها الوثيقة ما زاد المشهد السوري تعقيدًا، وحوله إلى كارثة إنسانية من الممكن أن تكون الأسوأ في القرن الجاري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أمريكا تقرر..لا ضربات لبشار الأسد حاليًا

دفع أمريكا لاستحضار صورتها