22-فبراير-2019

كان كيكباتريك ممن كشفوا تورط السيسي في تصفية المتظاهرين (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

احتجزت قوات أمن المطار المصرية مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية السابق ديفيد كيكباتريك، بعد وصوله إلى مطار القاهرة. حيث منعه مسؤولون مصريون من الدخول، وقام الأمن المصري باحتجازه في المطار لساعات دون ماء أو طعام ثم تم إجباره على العودة إلى مطار هيثرو في لندن، دون تقديم أي تفسيرات لما حدث.

نشر كيكباتريك عدة مقالات، كشف فيها خبايا التنسيق لتسليم عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، إبان حكم مرسي نفسه. حيث استخدم معلومات  حصل عليها من خلال علاقاته مع مسؤولين أمريكيين

الصحفي الذي كشف خبايا السيسي

تتمتع السلطات المصرية وخاصة الأمنية بثقة لا حدود لها، فهي تستمد شرعيتها من السلطة التي تستمد بدورها شرعيتها من دعم الحكومات الأجنبية – من بينها حكومة دولة كيكباتريك نفسه – كما أن للسلطات في مصر ثأرًا عند ديفيد كيكباتريك تحديدًا، لذا فقد قامت بترحيله حتى قبل أن تطأ قدماه أرض القاهرة بالفعل.

اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

كان كيكباتريك البالغ من العمر 48 عامًا مديرًا لمكتب نيويورك تايمز في القاهرة من عام 2011 حتى عام 2015، أي في أكثر فترات مصر حساسية وأكثرها زخمًا سياسيًا.

غطى كيكباترك الثورة المصرية من وجهة نظر صحفي أمريكي حديث على القاهرة ومزاجها المتقلب في كتابه "بين أيدي الجنود"، واستطاع أن يضفي على تغطيته الكثير من الأهمية من خلال وصوله إلى رجال صنع القرار في القاهرة، لذا فقد حصل على رواية متماسكة من كل الأطراف تقريبًا.

كانت مصر أول محطة لكيكباترك في الشرق الأوسط، وهي محطة جديدة عليه كصحفي. كان يقدم نفسه على أنه رجل بسيط بعض الشيء ترعبه الشوارع المزدحمة في القاهرة. بعد وصوله إلى العاصمة المصرية بأشهر قليلة، اندلعت المظاهرات في جميع أنحاء الوطن العربي. في مصر فُتن كيكباتريك بالنشطاء ذوي الرؤية المثالية لما بعد الثورة، وعلى الرغم من حداثته وقتها على اللعبة السياسية في المنطقة إلا أن تقاريره كانت من أوائل التقارير التي تحدثت عن كيفية تلاعب الجيش بالناشطين، واستخدامهم في وضع الأساسات للانقلاب الذي تلا الأحداث، كما أنه استطاع أن يرى كيف ظل الكثير من النشطاء طريقهم في نزاعات جانبية. وقد تحدث في كتابه عما أسماه بالأيام المخيفة في بدايات عام 2011.  يقول واصفًا المتظاهرين: "لقد كانوا جميعًا بطوليين، مبدعين للغاية، ولكنهم كانوا أناسًا عاديين أيضًا. بالطبع أعجبنا بهم، كلنا فعلنا، حتى أوباما".

أما عن لماذا تحديدًا لن يكون الأمن المصري معجبًا بديفيد كيكباتريك؟ فكلمة السر هي احتجاجات رابعة.

تحدث كيكباتريك عن رابعة ووصف وقتها القاهرة بأنها تحولت في صيف 2013 إلى منطقة حرب حضرية، كما تحدث عما مر به أثناء تغطية الحدث، وعن نقاط التفتيش والجثث والرصاص، وتناول كيف تعرض هو نفسه للانتقاد، وكيف أن المضايقات قد طالت عائلته.

كان كتاب كيكباتريك نظرة عامة بعيون صحفي، أصابته حالة من الدهشة وسط الحشود المنفعلة والحكايات المتشابكة لكل طرف. لم يكن منحازًا إلى أي جهة بالكامل، لكنه استطاع رصد خطايا كل طرف، بلا تحليل أو رؤية سياسية ذات أبعاد معمقة، ورأى أن قدرة النشطاء على تنظيم مظاهرات في الشوارع كانت نوعًا من السحر الذي يمكن لفترات محدودة أن يجعل الثورة أمرًا ممكنًا.

يُضاف إلى ذلك، أن كيكباتريك نشر خلال الأعوام الماضية عدة مقالات، كشف فيها خبايا التنسيق لتسليم عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، إبان حكم مرسي نفسه. حيث استخدم عديد المعلومات التي حصل عليها أثناء تواجده في مصر، من خلال علاقاته الواسعة مع مسؤولين أمريكيين. وحسب هذه المقالات، فإن باراك أوباما تعرض لضغوط واسعة من أجل عدم إعطاء الرئيس مرسي فرصة للحكم، مشيرًا إلى أن مسؤولين أمريكيين رفيعين كانوا على اتصال مباشر مع السيسي، قبل انقلاب عام 2013، دون علم المؤسسة الرسمية المصرية.

لا مكان لكيكباتريك أو لغيره

عومل كيكباتريك كمجرم في مطار القاهرة وتم منعه من دخول البلاد واحتجازه وترحيله، وقال سام ويربيرج، المتحدث باسم سفارة الولايات المتحدة في القاهرة: "نحن قلقون بشأن تقارير الرفض غير المبرر للدخول إلى مصر لمراسل أمريكي من نيويورك تايمز". والحقيقة أن حظه أفضل قليلًا من حظ بيل ترو، الصحفية البريطانية التي اشتبهت السلطات في عملها على إحدى قضايا الاختفاء القسري فقامت باختطافها، ثم ترحيلها إلى بلدها بملابسها التي ترتديها، دون حقيبة سفر.

اقرأ/ي أيضًا: صحافة القاهرة.. جولة ربح جديدة ضد الداخلية

على أية حال فإن مصر مصنفة كواحدة من بين الدول التي تعد أكبر سجن للصحفيين في العالم، حيث تذكر التقارير الحقوقية أنه قد تم اعتقال 20 صحفيًا عام 2018 فقط. واحتلت مصر المرتبة 161 من بين 180 دولة على مستوى العالم في حرية الصحافة، ولعل الفارق الوحيد في المعاملة بين الصحفي الأجنبي والصحفي المواطن أن الأجنبي يتم ترحيله إلى بلده حال توجيه تهم إليه، بينما يرزح نظيره المواطن تحت وطأة قوانين في بلده تم تفصيلها خصيصًا لقمعه مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يقيد الحريات الصحفية بشكل كبير، ويسمح بالرقابة دون أوامر قضائية، ويفرض غرامات مالية شديدة، بالإضافة إلى أحكام بالسجن في القضايا ذات الصلة.

غطى كيكباترك الثورة المصرية من وجهة نظر صحفي أمريكي حديث على القاهرة ومزاجها المتقلب في كتابه "بين أيدي الجنود"

لن تكون قضية اعتقال كيكباتريك وترحيله أولى القضايا التي يتعرض لها صحفيون أجانب في مصر، ولن تكون آخرها، فالنظام المصري بات يعتمد بقوة على صلاحيات لا سقف لها للسلطات في التعامل مع أي ناشط أو صحفي يرصد عن قرب أي انتهاك من قِبل ممثلي النظام، مع إعفاء كامل من العقوبة لأي شخص ينتمي للسلطة في مصر، على اعتبار أنه ممثل رسمي للنظام ولا يجوز محاكمته كما بات يُفهم ضمنيًا. ولعل الامتياز الوحيد الذي يتمتع به الصحفي الأجنبي، هو أنه سيخرج حيًا، منعًا للبلبلة.

 

قرأ/ي أيضًا:

كل انتخابات والإعلام المصري "بخير"!

إبراهيم عيسى خارج حظيرة السيسي.. "طباخ السم يذوقه"