08-ديسمبر-2016

تترك المسلسلات الكرتونية تأثيرًا عميقًا في الأطفال (pinterest)

حين كنت صغيرة، كنت أشاهد من القناة الفضائية السورية برنامجًا كرتونيًا للأطفال مدبلجًا إلى اللغة العربية عنوانه: "ليدي ليدي"*. تدور أحداث المسلسل حول فتاة صغيرة، أمها يابانية من الطبقة العاملة ووالدها بريطاني من عائلة أرستقراطية. تسافر الفتاة مع أمها إلى بريطانيا، لبدء حياة جديدة برفقة الأب. تموت أمها في حادث سير، حين تصطدم السيارة التي كانت تقلهما من المطار للقاء أبيها. لم يخبر أحدهم الصغيرة، بوفاة الأم. خرجت من المستشفى لتعيش مع عائلتها الجديدة، في قصرهم الكبير. للأب ابنة اسمها سارة من زوجته الأولى، التي كانت توفيت منذ زمن طويل.

أسأل نفسي ماذا حل بـ"ليدي ليدي" اليوم وأعود إلى طفولتي حانقة على الفضائية السورية

ما إن دخلت الصغيرة حرم القصر حتى عرفت أنها غير مرغوب بها في هذا المكان. لا من أختها ولا من جدها ولا حتى من الأقارب. فقط كان لديها الخدم، والصديقان اللذان يسكنان داخل قصر قريب منها.

كان اسم الفتاة "لين" ولكوني أحمل الاسم عينه، تعلقت جدًا بها وبحماسها الدائم وبضحكتها وبألعابها وبخصلات شعرها الشقراء وبفستانها الذي ترتديه ذاته كل يوم. وحتى بصوت سهير فهد، التي أدت الدور (الفتاة) المدبلج. كنت أنتظرها يوميًا، مع "سندويشة الصعتر والخيار"، التي كانت تعدّها لي أمي قبل النوم. أشاهد الحلقة التي لا تزيد عن عشرين دقيقة ومن ثم أنام. كان روتينًا شهيًا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Borrowed time".. تعميم الرسوم المتحركة

وفي منتصف حلقات المسلسل، أوقفت الفضائية السورية البث فجأة. كانت لحظة حاسمة في حياة لين، فقد أخبرتها البارونة الشمطاء التي كانت تحاول الزواج من والدها أن أمها توفيت. كانت لحظة قاسية في حياتي الطفولية أنا أيضًا. بقيت أنتظر عودة البرنامج أيامًا عدة، محبطة. أسأل نفسي، هل تكون وفاة الأم خدعة؟ وهل تعود لين لتلتقي بها كما حدث مع "ريمي"**؟، أم هل ستقع في غرام صديقها إدوارد ويعيشان حياةً سعيدة تعوضها عن كل ما شهدته. لم تكمل القناة المسلسل يومًا. لا أعرف حتى الآن نهايته وماذا حلّ بلين.

اليوم، بفضول طفولي، أعيد مشاهدة البرنامج على موقع إنترنت، يجمع بالترتيب الأبجدي نسبة كبيرة جدًا، من برامج الرسوم المتحركة التي كنا نشاهدها في صغرنا. من "توم وجيري" إلى "المحقق كونان" مرورًا بـ"الكابتن ماجد" إلى "عدنان ولينا" والكثير الكثير غيرها. نجد كل ما نريد على شبكتنا العنكبوتية.

برامج الأطفال لها تأثير كبير على سلوكياتهم وتفكيرهم وتوسيع نطاق خيالهم ومشاعرهم

ولكن لماذا لا تقدم القناة الفضائية السورية إلا أنصاف الأمور؟ أما كانت أراحتني من مشاهدة النصف الثاني من المسلسل فيما بعد؟ أما كانت أراحت الكثيرين غيري لو قدمت الأنصاف التي لم تقدمها يومًا؟ أجد أنه من الصعب جدًا العودة إلى إحباطات الطفولة بهذه الطريقة. لا أعرف سبب إيقاف البرنامج حقيقةً، ربما لبث برنامج أكثر مشاهدة، أو أكثر دعمًا أو ربما لأسباب مالية أو فنية أو أو أو... والاحتمالات كثيرة.

ولكن إدارة برامج الأطفال بعقلية الكبار فقط، بسلطة المال، ببسط السياسة أو حتى بملل الرشد موضوع خطير وغير مدروس. لو سنحت الفرصة للأطفال بإدارة برامجهم، كان من الأنسب إحالة هذه الأمور إلى الأطفال أنفسهم. كنت على الأقل عرفت منذ صغري نهاية القصة ولم أحمل هذا الحقد الطفولي معي إلى اليوم.

لبرامج الأطفال حصة كبيرة في التأثير على سلوكياتهم، على تفكيرهم وتوسيع نطاق خيالهم، على مشاعرهم وأنواع حساسياتهم. منذ صغري وأنا أحلم حلمًا مخفيًا في عقلي الباطني، بزيارة بريطانيا وكنت نسيت أن "ليدي ليدي" هي من دفعتني إلى ذلك ومن زاد حماستي بتعريفي على جانبٍ من ثقافة هذا البلد وأنا أجلس في غرفة صغيرة داخل منزل سوري متواضع.


* "ليدي ليدي": "مانغا" يابانية تم نشرها في مجلة "هيتومي كوميكس" بين عامي 1987 و1993، للمؤلفة يوكو هانابوسا ثم تم تحويلها إلى رسوم متحركة في العام 1988، وهي من إخراج هيروشي شيدارا.

** "ريمي": مسلسل "أنمي" ياباني تم بثه للمرة الأولى بين عامي 1996 و1997 عبر تلفزيون طوكيو وهو من إخراج كوزو كوزوها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سبعة أفلام للأطفال سيستمتع بها الكبار أيضًا

فيلم "أنجري بيردز" غير مناسب للأطفال!