26-مارس-2018

مجانية التعليم للطلبة الأجانب مسألة سياسية حساسة ألمانيًا (Getty)

لماذا يسعى عشرات الآلاف من الطلبة الأجانب للوصول إلى الجامعات الألمانية سنويًا؟ ولماذا كل هذا الاحتفاء ببرامج التعليم الدولية في البلاد؟ أيضًا، من الشرعي التساؤل حول اتساع انتشار برنامج التعليم الثانوي الألماني حول العالم؟ كل هذه التساؤلات يمكن الإجابة عليها عبر التصرف التالي في ترجمة لتقرير أعدته مؤسسة Timeshighereducation.


في الوقت الذي تحقق فيه البلاد نجاحات في جذب المزيد من الطلاب الأجانب، يساعدنا مزيج من الاعتبارات السكانية، ومسائل "القوة الناعمة"، والسياسات المحلية على تفسير سياستها فيما يتعلق باستقبال عشرات الآلاف من الطلاب سنويًا.

تهتم ألمانيا بإتاحة فرص مجانية للتعليم الجامعي أمام الطلبة الأجانب نظرًا للفجوة السكانية التي تعانيها

شهد عام 2016 ارتفاعًا ملحوظًا آخر في عدد الطلاب الأجانب في الجامعات الألمانية، وذلك حسب أحدث البيانات الواردة في إحصائية أعداد الطلاب الدوليين في ألمانيا. ففي الوقت الذي تنخفض فيه الأعداد في المملكة المتحدة، سجلت ألمانيا زيادة تقترب من 7% في أعداد الطلاب الدوليين الذين يتوافدون على البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص: الحركة الطلابية والانتكاس الديمقراطي عربيًا

وتأتي هذه الزيادة بعد قفزة في أعداد الطلاب الأجانب اقتربت من 8% خلال السنوات القليلة الماضية. فقد ارتفع عدد الطلاب الأجانب بنسبة تناهز 30% منذ عام 2012. تجعل مثل هذه الأخبار المسؤولين الماليين بالجامعات في معظم الدول الناطقة بالإنجليزية مسرورين للغاية: فمزيد من الطلاب الأجانب يعني جمع كثير من أموال المصاريف الدراسية الضخمة.

ولكن في ألمانيا، من المتعارف عليه أن الطلاب لا يدفعون بشكل عام أي مصاريف دراسية، باستثناء تأميناتهم الصحية واشتراكات المواصلات وتكاليف سكنهم ومعيشتهم اليومية، بغض النظر عن البلد التي أتوا منها. من وجهة نظر الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، ربما يُنظر إلى هذه السياسة على أنها قائمة على الأخلاق والضمير بشكل كبير، أو أنها سذاجة كبيرة. يشكل الطلاب الدوليين قرابة 1 من كل 10 طلاب في ألمانيا، وتزداد هذه النسبة إذا احتسبنا الطلاب غير المواطنين الذين يرتادون المدارس، لماذا إذًا اختارت الدولة عدم تحصيل مصاريف دراسية، وفضلت تعليم شباب الدول الأخرى مجانًا؟

تقدم ألمانيا فرصًا تعليمية مجانية للطبة الأجانب لمعرفتها بقيمة هذا المحور في موقع البلاد في السياسة الدولية

أحد الأسباب، أن ألمانيا تعاني من فجوة سكانية أكبر بكثير من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة. إذ تحل في المرتبة الثانية بعد اليابان من حيث نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، وذلك حسب بيانات الأمم المتحدة، لذا فهي تحتاج للعاملين المهرة من الشباب من أجل الحفاظ على تقدمها الاقتصادي. ولا تزال ألمانيا تقدم تأشيرة عمل لمدة 18 شهرًا بعد الدراسة للخريجين من خارج الاتحاد الأوروبي، وجدير بالذكر أن المملكة المتحدة قد أوقفت برنامجًا مماثلًا عام 2012.

لا شك أن الطلاب الأجانب يرغبون في البقاء، فقرابة نصف أعداد الخريجين سوف يبقون في ألمانيا بعد التخرج، وذلك حسب دراسة استقصائية أجراها مركز خدمات التبادل الأكاديمي الألماني، والتي كانت نتائجها، أن 3 من كل 10 خريجين يخططون للبقاء بشكل دائم.

تقول ماريك فيلس، رئيسة القسم الدولي بمؤتمر عمداء الجامعات الألمانية HRK "الجامعات هي محركات الرفاهية الاقتصادية، إنها تجذب الناس إلى ألمانيا"، رغم أن هذه المهمة  أبعد من أن تمثل دورها الرئيسي الوحيد. وتضيف "إن الخريجين الدوليين مرحب بهم جدًا للبقاء في ألمانيا، إما لفترة معينة من الزمن، أو مدى الحياة". لكنها عادت لتؤكد "إننا في الوقت نفسه، ندرك جيدًا تأثير هجرة الكفاءات على مستوى العالم، لذا، نحن نفضل أن نفكر في هذا الأمر من منطلق التبادل العالمي للكفاءات".

يلعب مفهوم "القوة الناعمة" دورًا في هذا الأمر أيضًا، إذ يُنظر إلى الخريجين من الطلاب الأجانب كواجهة للنوايا الحسنة لألمانيا على مستوى العالم. قالت فيلس "فكرة أن تكون ألمانيا جزءًا من المجتمع الدولي، يجعلها تنال قدرًا كبيرًا من التقدير". وأضافت "بالطبع نحن نستثمر مبلغًا كبيرًا من المال في تعليمهم، لكن ما نحصل عليه أكثر قيمة بكثير. عندما يتخرج الطلاب الأجانب، سيصبحون شركاء لألمانيا في جميع أنحاء العالم، ذلك النوع من بناء الشبكات الدولية له أهمية بالغة بالنسبة لنا".

اقرأ/ي أيضًا: اللامساواة في التعليم.. آثار أخرى للفساد وانعدام الديمقراطية

لكن هناك سبب ثالث يتعلق باهتمام ألمانيا بتعليم الطلاب الأجانب، لا علاقة لهم بالقوة الدولية الناعمة، ولكنه وثيق الصلة بالسياسات المحلية. فبعد أن فرضت سبع ولايات ألمانية مستويات من الرسوم الدراسية عام 2006، على عكس ما تفرضه الحكومة الفيدرالية من رسوم متواضعة، أُلغيت هذه الرسوم سريعًا تحت ضغط الجمهور وأحزاب يسار الوسط، حسب ما وضحه أوليريك مولر، رئيس الدراسات السياسية بمركز التعليم العالي، أحد مراكز الأبحاث الألمانية.

من الخطوط الحمراء لدى يسار الوسط واليسار الألماني المساس بفرص التعليم المجانية للطلبة الأجانب

وأوضح مولر أن فرض مصاريف دراسية على الطلاب الأجانب يمكن أن يُفسر على أنه مقدمة لفرض رسوم على جميع الطلاب. وقال "يحجم معظم السياسيين عن هذا الأمر من أجل ذلك السبب".

هذا الإجماع المناهض لفرض رسوم دراسية، يظهر علامات لتباين الآراء، وعلى الرغم من ذلك، ستفرض ولاية بادن فورتمبيرغ جنوب غربي البلاد بداية من هذا الخريف، رسومًا دراسية على الطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي، تُقدر بـ 1500 يورو/ 1252 دولار للفصل الدراسي الواحد. قالت فيلس "تتابع ولايات أخرى باهتمام بالغ ما الذي سيحدث في بادن فورتمبيرغ بعد فرضها رسومًا دراسية على الطلاب الأجانب". وأشارت إلى أن مؤتمر عمداء الجامعات الألمانية HRK يرى أن جميع الطلاب لابد أن يدفعوا "رسومًا معتدلة ومقبولة اجتماعيًا".

أشار مولر إلى أن الدراسة المجانية بالجامعات بالنسبة للطلاب الأجانب، وبالطبع للطلاب الألمان أيضًا، قد تقع تحت ضغط متزايد بعد عام 2020، وذلك عندما تُجبر الولايات الألمانية على إدارة ميزانيات متوازنة. ولكن تظل الحقيقة أنه بالرغم من ارتفاع أعداد الطلاب الأجانب في ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية، لا تزال هذه النسبة تمثل نصف ما لدى المملكة المتحدة من أعداد، حيث يبلغ عدد الطلاب الأجانب 1 من كل 5 طلاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المركز العربي يطلق أعمال مؤتمر طلبة الدكتوراة العرب في الجامعات الغربية

مشكلة التعليم.. أكبر المخاطر التي تهدد اقتصاد الصين؟