لماذا تفشل قوة عظمى كالصين في لعبة كرة القدم؟
14 يونيو 2025
فشلت الصين على مدار السنوات في بناء منتخب كرة قدم يصل إلى المنافسات الكبرى على الرغم من قدراتها المادية الهائلة وكثافة سكانها التي تتجاوز 1.4 مليار نسمة. هذه المشكلة ليست بسبب نقص المواهب والقلوب التي يصل إليها شغف اللعبة، لكن بسبب عوائق داخلية عميقة تتعلق بالسياسات والنظام التلقيني والنفوذ الفاسد في الأندية والاتحاد على حدٍّ سواء، وذلك وفقًا لتقرير مفصّل نشرته وكالة "أسوشيتد برس".
نظام يتمّ فيه التحكم بكل شيء
ينبع جزءٌ أساسيٌّ من المشكلة من طريقة عمل المجتمع والنظام في الصين. تتدخل السلطات في كافة جوانب الحياة، بما في ذلك كرة القدم. ورغم أن هذه السيطرة تساعد في بناء قدرات قوية في الصناعات الثقيلة والقطاعات التكنولوجية، إلا أنها في كرة القدم كان لها تأثيرٌ عكسيٌّ مدمر.
تتداخل أسباب الفشل في كرة القدم الصينية بين تدخل السلطات والنمطية والنفوذ والفساد، بالإضافة إلى الخوف على المستقبل والنطاق التلقيني في التنشئة
كما يقول الصحفي تشانغ فينغ: "نحن لسنا مجتمعًا يتمتّع بالحرية التي تساعد على بناء علاقات قائمة على الثقة ضمن الفريق". هذه البيئة التي يطغى عليها الخوف والنفوذ والبيروقراطية تؤثر على قدرة اللاعبين على التمرير، وتكوين أداء جماعي قوي داخل الملعب، وهو ما يتميز به الأقوياء في اللعبة حول العالم.
نمطية التلقين والنظام التسلّطي
ينبع الخلل أيضًا من طريقة التنشئة والنمطية التي تسود المجتمع والنظام التعليمي في الصين. يركّز المجتمع على التلقين والنمطية وليس على الخلق والنبوغ. يقول المعلّق الرياضي وانغ شياولي: "نقط القوة عند الصين؟ التلقين والنمطية. لكنّ كرة القدم تتطلب إبداعًا ومهارات جماعية".
وحسب التقرير، فحتى على صعيد الأندية الصغيرة والنطاقات الأضيق التي تشكّل القاعدة الأصلية للتطور الكروي، يجد الأطفال صعوبات في الاستمرارية بسبب ضغط التحصيل الدراسي والنمطية التي تستنزف قدراتهم على الخلق والنبوغ في اللعبة.
تدخل السلطات والنفوذ والفساد
كان للتدخلات والنفوذ والفساد تأثيرٌ مدمر على كرة القدم في الصين. مدرب المنتخب الأسبق، لي تيه، عوقب لاحقًا بـ 20 سنة في السجن بسبب الرشوة والتلاعب في المباريات. كذلك الأندية الكبرى مثل "غوانغجو إيفرغراند" التي كان يضخّ لها الدعم بسبب علاقات سياسية قوية، انتهى بها الأمر إلى التفكك بسبب الديون والفساد.

حتى الأثرياء يستثمرون في الأندية للتقرب والنفوذ وليس بسبب الشغف بكرة القدم. على سبيل المثال، رجل الأعمال هوي كا يان أنفق على "غوانغجو إيفرغراند" ضمن سياقٍ يتضمن التودد إلى السلطات والنخب دون اهتمامٍ فعليٍّ بتطوير اللعبة على الأرض.
نطاق المشكلة يصل إلى القاعدة
حتى على صعيد الأندية الصغيرة التي تشكّل القاعدة للتطور والنبوغ، لم تستطع أن تنبع ضمن سياقٍ يهمين عليه الحزب والنفوذ والنمطية في العمل. يصف الإنجليزي روان سيمونز، الخبير في كرة القدم الصينية، هذه المشكلة ضمن سياقٍ أبعد: "حتى سن 12 أو 13 يسمح الأهل بأبنائهم أن يلعبوا الكرة، لكن لاحقًا يتم التركيز على التحصيل الدراسي ويهمّش اللعب".
كما أن الأندية والاتحادات الأهلية التي تشكّل القاعدة الثقافية للتطور، لا يمكن أن تتطور فيها المهارات ضمن سياقٍ يهمين عليه الحزب والنفوذ، ويعتبر تلك الأندية جماعات صغيرة غير خاضعة للتعليمات والنطاق التلقيني.
القضية ليست في قدرات الشعب لكن في البيئة والنظام
حتى على صعيد كرة القدم النسائية التي وصلت إلى نهائي كأس العالم عام 1999، شهدت لاحقًا تراجعًا بسبب التغيرات التي طرأت على اللعبة في أوروبا والنطاق العالمي. في كأس العالم 2023، خسرت الصين 6-1 أمام انجلترا ضمن مجموعات البطولة.
كما أن الترتيب الدولي للصين في كرة القدم يعبر بوضوحٍ عن التراجع. حيث تحتل الصين المرتبة 94 في تصنيف الفيفا، خلف دول مثل سوريا التي مزقتها الحرب وتمر بظروف كارثية، وأمام دولة صغيرة مثل بنين في الترتيب 95. والنادي الأبرز في أوروبا ضمن اللاعبين الصينيين كان "وو لي" في إسبانيول ضمن الدوري الإسباني، لكن لاحقًا عاد إلى الصين دون أن يترك بصمة قوية في الخارج.
القضية تتعلق بالثقافة والنظام وليس في قدرات الأفراد
نجم الكرة الصينية لم يتم الفشل في تكوينه بسبب نقص الأفراد الموهوبين، لكن بسبب طريقة بناء اللعبة والنظام الثقافي والنطاق التلقيني والنفوذ الفاسد. الفساد والنمطية والنفوذ يقضون على التكوين الذاتي والنبوغ ويكبلون قدرات الأجيال على الخلق ضمن اللعبة. كما يقول تشانغ فينغ: "لو كان لعب الكرة يتمحّور حول تنطيط الكرة ألف مرة على القدم، لكانت الصين نجحت في ذلك".
المشكلة تتجسد في نظرة الأُسَر والنّاشئين إلى اللعبة. يقول روان سيمونز: "ينظر الأباء إلى ما يجري ويقولون: هل يريدون أن يخوض أبناؤهم هذه اللعبة؟ … هذا أمرٌ محزن ومثير للإحباط". حتى الأطفال يفضلّون التركيز على التحصيل الدراسي بدلًا من التكوين الكروي بسبب الفساد والنمطية التي تحكم اللعبة داخليًّا.
حتى تتغير هذه المعادلة، تحتاج الصين إلى إصلاحات جذرية في طريقة بناء الأندية والنظام الكروي والنطاق الثقافي حول اللعبة، بما يسمح بتنمية المواهب والنبوغ دون قيود سياسية أو إدارية.